أُبشركم بأن رقصة البشير التي تشاهدونها الآن ستكون الأخيرة ! عبد الإله زمراوي [email protected] مدخل: فالفجرُ الصَّادقُ كانَ بعمقِ الجرحِ سَرابا والليلُ الحالمُ كانَ على الأحشاءِ خرابا وكذلك سيفي، سيفُ الشُّعراءْ ! بعد عقدين ونيف من دخول بلادنا في وهدة الضياع والتقهقر والإنشطار بفعل إنقلاب يونيو 1989، حقّ لنا إجراء محاكمات صارمة للذين أوصولونا لهذا الدرك السحيق ولو ببضع أشعار! فعندما قام العميد عمر حسن أحمد البشير بإنقلابه المشؤوم في صبيحة الجمعة من ذلك العام الغيهب نظرتُ في الأفق البعيد ما سيحل ببلادنا من مصائب وأهوال وكنتُ أعمل آنذاك قاضياً للجنايات بإحدى محاكم مدني الحبيبة. فعلتُ ذلك وكأنني زرقاء اليمامة أو أزرقها! لستُ قارئاً للغيب ولكن حدسي كان يشى بكل ما نراه اليوم من تمزق وإحتراب وقمع وقهر وشمولية مطلقة بإسم الدين وكلنا يعلم بأن الدين من هؤلاء الإنقلابيين ومن شايعوهم برىء كبراءة الذئب من دم إبن يعقوب... ولستُ من الذين يجترون الذكريات الأليمة فقد ملّ شعبنا من إجترارها لكنني أقول وبملء فمي بأن ما حلّ بالبلاد والعباد لا بد أن تسبقه محاسبات صارمة حتى، وإن متنا بجراحاتنا وآلامنا، نكون قد حققنا العدل في الأرض وحقققنا مقاصد السماء. إنه لمن دواعي السخرية والتراجيديا أن يرقص المجرم الإنقلابي على جثث ضحاياه بعصاةٍ تحمل كل أوزار الدنيا ثم يأتي ليهشنا بها كما تُهش الأنعام مزهواً على وقع خطواته المثقوبة المنعرجة وخطاياه التي ملأت كل فجاج ارضنا الطيبة. ولكننا ما زلنا نردد: لن تستكين عقيرتي إن صِحتُ في وجهِ النهارِ وسائري عاري لن تصطفيني أنهر الأحلام أن غنيتُ مجروحاَ ومصلوباً على غاري لن أنحني ثكلتك جيشُ العار حين يقِلُ مقداري! لكنني لم في غمرة تنبؤاتي لم أشعر ولو للحظة واحدة أن ينهي هذا الإنقلابي المغمور حياته الدموية راقصاً في الساحات والحفلات الخاصة مغنياً بصوت أجش. وكنتُ قد شاهدته لأول مرة بالفاشر وهو يتمايل على وقع أغنية حماسية لم تُكتب لمثله من الرجال وتعجبتُ غاية العجب كيف لقاتل سفاح أن (يعرض) فوق جثث ضحاياه.... يُحكى أنَّ وَاليًا مِنْ الْوُلاةِ كَانَ يَرْقُصُ أمَامَ رَعِيَّتِهِ وَبِالْقُرْبِ مِنْ مَقَابِرِ ضَحَايَاه ، فَيُهَلِّل لَهُ تَنَابِلَةُ السُّلْطَانْ ، فَيَتَمَادَى فِي رَقْصِهِ حَتَّى انْهَارَتْ دَوْلَتُهُ وَأُخِذَ أخْذًا وَهُوَ يَرْقُصُ نَحْوَ حَتْفِهْ ، وَكانَتْ تِلْكَ \" الرَّقْصَه\" هِيَ الأخيرة مِنْ بَيْنِ رَقَصَاتِهِ الْمُسَليَّة! فقمتُ واقفاً كالسيف وكتبتُ: وَرَقَصْتَ رَقْصَتَكَ الأخيرَةَ شَاحِبًا تَبْدُو كَمَا الْمَوْتِ تَوَارَى خَلْفَ هَمْهَمَةِ الْبُكَاءْ! ألْهِبْ بِرَقْصَتِكَ الْجَريحَةَ ظَهْرَ شَعْبٍ بَائسٍ عرْيَانَ يَلْتَحِفُ السَّمَاءْ! قَدْ يَرٍْقُصُ الْجَبَّارُ قَبْلَ نُفُوقِهِ رَقْصَةَ الْمُلتاعِ فِي صَخَبِ الدِّمَاءْ! لَنْ تَغْلِبَ الأفْعَى وُرودَ الْمَاءِ إنْ فَاضَتْ عَلَى جُحْرِ الْخِبَاءْ! أيٌّهَا السَّادِرُ فِي طُغْيَانِهِ رَقْصَةٌ مِنْكَ عَلَى طَبْلِ الْبُغَاه! أجُنِنْتَ أنْتَ حِينَ زَعَمْتَ أنَّ الْفَجْرَ لَنْ يَأتيَ بأجنِحةِ الْمَسَاءْ؟ أظَنَنْتَ حَقًّا أنَّ شَعْبَكَ سَوْفَ يَتْلُو \"سُورَةَ الْوَالِي\" صَبَاحًا ثُمَّ يَخْتِمُ بِالدُّعَاءْ! أكَرِهَتَ قَافِيَةَ الْحَقيقَةِ حِينَ كَانَ الشِّعْرُ يُلْهِبُ سَيْفَكَ الْبَتَّارَ مَوْفُورَ الدِّمَاءْ؟! أشَبِعْتَ تَقتيلاً بِاسْمِ الدِّينِ وَالْقرْآنِ مَحْمُولاً عَلَى زَيْفِ الْغِنَاءْ ؟! شَاحِبًا يَبْدُو كَمَا الْمَوْتِ تَوَارَى خَلْفَ دَمْدَمَةِ الْبُكَاءْ! إنَّهُ الْحَقُّ تَجَلَّى وَتَحَلَّى بِسُيُوفٍ وَدِمَاءْ! وَغَدًا يَحْلُو لِشَعْبي أنْ يُقيمَ الْلَّيْلَ كُلَّ الْلَّيْلِ فِي شُكْرِ السماءْ! وَيْطِلُّ الْفَجْرُ فِي مَحْمَلِهِ عَاليًا يَخْتَالُ فِي شَفَقِ الضِِّيَاءْ! ظَالِمٌ اِخْتَارَ مَكْمَنَ قَبْرِهِ وَاجِمٌ حَيْرَان يَرْقُصُ كَالنِّسَاءْ!! وفي الختام أبشركم أيها المخلصون من أبناء وبنات بلادي بأن ساعة الخلاص قد دنت وأن الرقصة التي ربما تشاهدونها الآن على التلفاز أو في ساحاتنا الحزينة إنما هي الرقصة الأخيرة لمجرمٍ ملأ سماواتنا وأرضنا بالنعيق وسفيه القول ونشاذ الفعل، قاتله الله قاتل أمثاله... مدخل للخروج: يا وطنًا يرقُدُ فينا نهرًا، مجرًى... لحنًا، شعرا... يا ويلَ الباعةِ، يا ويلي، يا ويلَ الأعداءْ ! ثوارك يأتونَ من الغيبِ بسيوفٍ أعياها الحزنُ وأسكرَها رجمُ الأعداءْ ! يا وطني لا تَحزنْ فالفجرُ أراه ... أراهُ يدقُّ على الأبوابِ السَّمراءْ لا تحزنْ يا نبعَ الثُّوَّارِ ، فالثورةُ حينَ تفاجئُنا كالبرقِ الخاطفِ، تأكلُهم كالنارِ الحمراءْ ! و تحصدُ أبناءَ الغولِ وتَسحقُ أحفادَ العنقاءْ الثورةُ آتيةٌ لا رَيْبَ صدِّقني يا وطنَ الشُّرفاءْ الدوحة 30 يناير 2012