[email protected] يحتاج القارئ المداوم على مطالعة الصحف اليومية لجرعات مخففة من الكتابة تقيه شرور المعلومات المحبطة التي تهيلها الصحف على رأسه بلا رحمة وتتكون من ركام التقلبات السياسية وفجائع الأحداث الاجتماعية وغرائب المفارقات الاقتصادية وثرثرة الحوارات السخية ونهج التحليلات العصية، الشيء الذي قد يسبب له القنوط واليأس في العثور على مخرج يقوده إلى طريق البشريات التي يتطلع إليها0 لكن القارئ الحصيف يعرف كيف يتجاوز مسببات الضيق والخيبة وينتقي ما يبعث الأمل في شرايينه أو ينأى به بعيداً نحو عوالم تفلح في انتشاله من بحر الظلام المتلاطم الأمواج0 ولذا فإن الصحف تلجأ للتنويع والابتكار لإرضاء ذوق القارئ وإشباع حاجته والتخفيف عليه من هول الحقائق المجردة، فتجد بعضها يستكتب أقلاماً متخصصة في المادة الخفيفة الظل أو تلك الشاربة من مداد التناول الساخر لقضايا الساحة الملحة كأنها تستخدم أسلوباً آخر لاستدراج الهاربين من أتون السياسة وإدخالهم لعمقها من باب مقولة (إن شر البلية ما يضحك) لأن الكثير مما يدور في ساحتنا لا يمكن تجرعه دون كبسولات مغلفة بمانع يحد من مرارته0 وإذا كان هناك من يكتفي بالبحث عن خطوط ريشة رسام الكاريكاتير ليصل سريعاً إلى خلاصة المعلومة والمتعة، فهناك من لا يهمه في جميع صفحات الصحف سوى الرياضة رغم مشاكسات العاملين عليها أو الفنون وما تحفل به من أخبار حول النجوم وخصوصياتهم أو المنوعات المحلية والخارجية أو الثقافة وتناولها الذي يخاطب شريحة محدودة، بينما يتوكل البعض على الحي الذي لا يموت ويتعمقون في متون التحليلات والآراء التي بين سطور الأعمدة وتضارب المواد الخبرية والتتبع اليومي لصفحات المجتمع وأحداثه ومساحات الإعلان وأضوائه0 وأعرف أن هناك من يتعمد إغفال ما يدور حولنا من أحداث والاكتفاء بصحف متخصصة في الرياضة أو صحف اجتماعية تمزج بين أخبار المجتمع والفن والرياضة ولا تغوص كثيراً في بحور السياسة التي لو أرادها القارئ قد يكتفي بالعناوين أو يعتمد على الشهادات السماعية أو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أو الشبكة العنكبوتية التي في رأيي لا تغني عن متعة تقليب صفحات الجريدة والكتاب تماماً مثل المقارنة بين مشاهدة دراما التلفاز والجلوس على مقاعد المسرح التفاعلية أو بين أفلام التلفاز ودخول دور السينما (إن وجدت)0 ولعل صناعة الصحافة التي يدمنها البعض تواجه مصاعب اقتصادية قد تجعلها سلعة الميسورين إذا جنحت إلى رفع سعرها أو تقليص عدد صفحاتها لمواجهة المنصرفات وارتفاع معينات الطباعة حسبما تواتر من أنباء عن تفاكر بين الناشرين في هذا الأمر0 وبرغم تناقص قراء الصحف لأسباب اقتصادية تحول دون شراء الكم الهائل من الصحف اليومية، لا زال البعض يفكرون في إصدار صحف جديدة عسى أن تجد موضع قدم بأمل التميز والمنافسة والكسب، فليت قاعدة القراء تطال القديم ومن ثم تستوعب كل جديد0 نحن لسنا الدولة الوحيدة التي تطرح في أسواقها الصباحية عشرات الصحف يومياً بل إن إجمالي ما توزعه الصحف عندنا لا يغطي رقعة واسعة من القراء والباحثين عن المعرفة لولا القراءة التكافلية التي نمارسها فيما بيننا إذ يطلع على الصحيفة الواحدة أكثر من قارئ في مكان واحد كالمكتب أو البيت، ونادراً ما تجد شخصاً يقرأ الصحيفة وحده دون مشاركة الآخرين0 ولكي لا يأتي رفع سعر الصحف بنتائج تباعد بينها وبين القراء نأمل أن يتمخض التدارس عن حلول تضع في حسبانها أن غالبية القراء من الطبقة الوسطى إن كانت هنالك طبقة بهذا التصنيف.