عقيد شرطة (م) عباس فوراوى [email protected] فى أوائل العام 1979م ، تم تكليفى والملازم أول أمن حامد أمان والملازم شرطة خضر المبارك قائد فصيلة الاحتياطى المركزى ، للاشراف والمتابعة الميدانية ، لعملية ترحيل اللاجئين الارتريين، الذين تم ضبطهم متسللين من معسكرات اللاجئين الى داخل مديرية الخرطوم وقتها . تم شحنهم فى القطار الخاص بهذه المهمة من محطة سكة حديد سوبا بالقرب من دار المعسكرات الدائم قاصدين مديرية كسلا ، تمهيداً لتسليمهم للجهات المختصة ،لإيوائهم فى معسكرات ودالحليو وخشم القربة وما جاورهما . بالفعل أفلحنا فى توصيل حوالى 70% منهم وأغلبهم من النساء ، اذ أنَّ الكثيرين منهم كانوا يهربون ويقفزون ، أثناء وبعد وقبل توقف القطار بالمحطات والسنْدات للأغراض المختلفة . عدنا من تلك المهمة الصعبة بعد أن أودعناهم جوف المعسكرات ليلاً ، ورفعنا التمام لرؤسائنا بأنَّ الأمور جرت كما خططوا لها ، فتم منحنا يومين للراحة من وعثاء السفر . عدت لمباشرة عملى بقسم شرطة الأوسط أمدرمان وواصلت واجباتى كضابط نبوتجى لذلك اليوم .كان من ضمن المهام الجنائية يومها أن نقوم بحملة \"كشة \"على أماكن الدعارة، والخمور البلدية بدائرة الاختصاص بحى السينما وحى الشهداء وحى السوق والتى كانت يوماً ما مضرباً ومرتعاً خصباً لكل من يبتغى دخول وغى البغاء \"عافاكم الله\".الطريف فى الأمر أننا ضبطنا فى \" الكشَّة \" حوالى عشر نساء لاعبات محترفات ،كنَّ من ضمن المرحلات قبل يومين الى معسكر ودالحليو، بينهن ثلاثة \"جداد لنج\" تسليم تسنى . بالله تخيَّل حالنا وماذا فعلنا !!؟ ضحكنا ، وضحكن ولم يأمر لنا أحدٌ بجائزة ،لأن أدب ساقية جحا الشهيرة كان هو السائد. أردت من هذه \"الحكوة \" أن أقول بصعوبة ضبط ومكافحة الهجرة العشوائية، أو غير المشروعة الى داخل السودان ،وهذا بالطبع يرجع الى حدود البلاد المترامية، التى كانت قبل انفصال جنوب السودان تسع دول عاشرها البحر الأحمر وتناقصت الى سبعٍ مع عاشرها . لعل الأمر يرجع أيضاً الى سوء الامكانيات اللوجستية والبشرية للجهات المختصة بالبلاد، ويرجع أيضاً لسوء الأحوال الاقتصادية والسياسية لدول الجوار السودانى والتى حرضت هؤلاء وأجبرتهم على الرحيل مجازفةً بحيائهم وحياتهم . من الأسباب المهمة جداً والمساهمة سلباً فى تفاقم هذا الداء هى السلبية القاتلة التى يتعامل بها المواطن السودانى العادى تجاه ظاهرة الهجرة غير المشروعة ، فهو الذى يقوم بتهريب هذه الفئات عبر الطرق والنقاط الحدودية غير القانونية، بل يقوم البعض بالتستر عليها واخفائها داخل المنازل،وأماكن العمل دون أن يدرى المخاطر التى تحيق بالمجتمع أمنياً واقتصادياً وصحياً . انَّ أوجب واجبات المواطن السودانى،هى امتناعه عن ايواء وتشغيل هؤلاء المهاجرين عشوائياً، والقانون يلزم أصحاب العقارات بالتأكد من سلامة وصحة الاجراءات الهجرية للأجانب قبل الايجارة لهم ، وعلى كل مواطن يستضيف أجنبياً بمنزله أو متجره ، أن يخطر السلطات المختصة بذلك مع الحصول على استمارة ايواء الأجنبى ، وذلك حتى نكون على بينةٍ من أمرنا كمواطنين ومسؤولين وأجانب على السواء . اننا نقول ونكتب كل هذا الكلام، ونعلم يقيناً أننا ننفخ فى \"قربةٍ \" مقدودة كنفختنا فى \"خشم القربة \" عند ترحيلنا للاجئين الارتريين الى خشم القربة سنة 1979م . السبب هو تقاعس السلطة وسلبية المواطن وللعلم فانَّ غالبية \"مسعولى \" الدولة الآن، ، يستضيفون ويأوون هذه الفئات المهاجرة والهاربة من واقعها ، كخدمٍ فى المنازل لنظافة \"العدة \"وغرف النوم وغسيل الملابس والطهى وتقديم الطعام والشراب وريما الوجه الحسن ، وتربية الأطفال وحملهم عند زيارات الأرحام ،وقيادة السيارات الخاصة ، وأحياناً لزوم المباهاة والبوبار دون حتى علاج أمرهم هجرياً . اننا ندق \"نحاس \" الخطر بعد أن مللنا دقَّ ناقوسه لأنَّ الوجود غير الأجنبى بالسودان بات مُهَدَّداً فى مثلث طعامه وشرابه ونفَسِه ، اضافةً للكليات الخمسة ، بسبب هذا الوجود الأجنبى غير المشروع، والذى تقول الاحصائيات غير الدقيقة أنه قد وصل الى عشرة ملايين شخص، مقابل أربعة ملايين اعترفت بها الحكومة . إنَّ الحكومة مطالَبةٌ اليوم قبل الغد، بالبحث عن علاج جذرى لهذه الكارثة الخطيرة حتى لو أدى الأمر، الى اعلان السودان دولة محتلة هجرياً . اننا لا نذيع سراً اذا قلنا أنَّ بعض الحادبين والمشفقين السودانيين قد شرعوا فى تكوين تنظيم تحت اسم \"الحركة الشعبية لتحرير السودان \" من الهجرة غير الشرعية ،وهذا مما لا نخشاه .