[email protected] من عادة الناس في هذه الحياة الدنيا , ألا يلتفتوا إلي حقيقة الموت و لا يعددوا مآثر الإنسان إلا بعد أن يموت و يفارقهم. و لعل الفراق يدفع الناس إلي تذكر الماضي و يجعلهم يحنون إليه. هذه نزعة في البشر. لكن ما بال الناس, لا يحتفون و لا يهتمون بالمبدعين أثناء حياتهم , و منهم الفنانين ؟ ربما لان الناس و إلي عهد قريب, كانوا لا يرتاحون للمغني, بإعتباره يقول منكراً من القول. لكن هل يعد الغناء كله منكراً ؟ لقد أكبرت في السيد/ الصادق المهدي, حديثه عن الفنان المرحوم محمد وردي, إذ بدأ حديثه بفذلكة عن موقف الفقهاء من الغناء, و أنه ليس بمنكر علي إطلاقه, بل أن للفن رسالة, و أي رسالة يقدمها هذا الفنان الذي وهبه الله موهبة اللحن و التطريب. و هو بهذا يقدم للناس خدمة, تتمثل في التسرية عنهم و إسعادهم. إن الإنسان في حاجة إلي ساعة للترويح عن النفس. و قد يجد هذا الترويح في الغناء الجميل, و قد يجده في الإستماع إلي القرآن, و كله من مزامير داؤود. فلم نحجر واسعاً. لم يكن الأستاذ/ محمد وردي مغنياً فقط , و إنما كان فنان صاحب رسالة, في حب الوطن. غني وردي للوطن. و غني صراحة و رمزاً, فأبدع و أجاد. و من يتأمل أغنيات وردي, يجد أنها تحمل معاني سامية, تشير إلي هذا الحب و الذي هو أساس الحياة . من أغنياته التي غناها في حب هذا الوطن السودان, قصيدة ( بنحب من بلدنا ) للشاعر المرحوم أبو آمنة حامد. و هي قصيدة تمثل لوحة فنية رائعة و تقدم درساً في الفولكلور و الجغرافيا الإجتماعية Social geography. طاف الشاعر علي كل ربوع السودان و تغني بجماله. و كأنه يقول أن كل ربوع السودان, هي وطنه و أن كل رقعة فيه تتساوي عنده من حيث الجمال و الكرامة. أسمعه يتحدث عن هذه الرحلة الفنية : التوب المهفهف فوق أم الضفاير و الخد المعطر زي أحلي الأزاهر و الخطوة الأنيقة ترنيمة مشاعر أنا بيك كل عمري بمشي لها و بسافر ×××××××××××××××××× مين في الدنيا دية أجمل من بناتنا الليهن قلوبنا و الفيهن صفاتنا الكامنات في روحنا و العايشات في ذاتنا ××××××××××××××××××× في حلفا الفداية أحلامي و هنايا أنا عايش لحبي المخضر برايا النافرة الأليفة ست روحي و هنايا ××××××××××××××××××× أنا لي في كريمي شايقية بشلوخها نعتز بي صفاتها ما نجهل تاريخها ما ها المابية ريدتي و مو يا ها المسيخة ××××××××××××××××××× في شندي العظيمة تلقي بنات جعل وحدات في المتمة زي لون العسل النايرات خدودن زي فجراً أطل ××××××××××××××××××× في سنكات بنعشق بت سمراء و أبية ترتاح في الضريرة خصلاتها الغنية عاشت في شعوري أحلي هدندوية ××××××××××××××××××× الوارثات جدودن في الجود و الشجاعة البظهر جمالن من زمن الرضاعة سودانية مية المية في ذوقها و طباعها يا ناس أرحموني أنا قلبي في رفاعة ××××××××××××××××××× لوزة القطن يانعة السمحة و نضيرة تتني الحليوة في مشية أميرة أجمل حب عندي في قلب الجزيرة ×××××××××××××××××× لي في الغرب أغيد في دار حمر و البقارة نحميها بسيوفنا تفاحة و نضارة تسكرنا الليالي و تطربنا النقارة ×××××××××××××××××× لي في جوبا ساحر تسلم لي خدوده يمرح في غاباته يسرح في وروده حبي الغالي ليهو ما بعرف حدوده ×××××××××××××××××× بنحب من بلدنا ما برة البلد سودانية تهوي عاشق ود بلد بعيون المفاتن شي ما ليهو حد. لقد أبدع أبو آمنة حامد في هذا الوصف و هذا التعبير عن الوحدة الوطنية. هذه الوحدة التي أصبحت في مهب الريح, بعد أن إنفصل الجنوب و لا ندري ما سيحدث غداً. ما أحوجنا إلي إبداع مثل ما نظم هذا الشاعر. تغني بهذه القصيدة محمد وردي كأحسن ما يكون الغناء و أجاد. و تشبه هذه القصيدة, قصيدة أخري ألفها التربوي الأستاذ / عبدالرحمن علي طه. و هي قصيدة تحمل ذات المضمون في حب الوطن و الوحدة الوطنية. كنا درسنا هذه القصيدة في الصف الثالث في المرحلة الأولية في عام 68/1969م. درسناها في حصص الجغرافيا , تحت عنوان ( زيارتنا إلي القولد – زيارتنا إلي محمد قول – زيارتنا إلي الجفيل – زيارتنا إلي منقو, ألخ من أنحاء السودان ). كان التلاميذ يسافرون سفراً إفتراضياً Virtual journey و هم جالسين في فصلهم , و يجوبون كل أنحاء السودان و يتعرفون علي أهله و إسلوب حياتهم و عيشهم . يرددون أبيات هذه القصيدة في إسلوب أدبي, فالقصيدة تجمع بين الأدب و الجغرافيا, أو ما يسمونه الأدب الجغرافي و بين الجغرافيا الإقتصادية Economic geography , و ذلك في إسلوب تربوي بليغ. كانت القصيدة بحق تمثل إطلالة علي ربوع السودان في تلك السن و تلك المرحلة التعليمية. أما الآن, فلا يعرف بعض التلاميذ شيئاً عن الولاية التي يعيشون فيها, دعك عن بقية أنحاء السودان. و هذه القصيدة مبسوطة علي الشبكة العنكبوتية, في بعض المواقع لمن يريد أن يطلع عليها. لقد غني الفنان محمد وردي فأجاد و أبدع و أطرب سامعيه , و خلد إسمه في تاريخ الفن السوداني, كأحسن ما يكون الخلود , فليرحمه الله و يغفر له. الرياض / السعودية