أفق بعيد قانون الزهاوي [email protected] فيصل محمد صالح حين طرحنا في هذه الزاوية من قبل مخاوفنا من الكلام الذي قيل عن تعديل قانون الصحافة أو إعداد قانون جديد، لم نكن نرجم بالغيب، أو ننطلق من أرضية تشاؤم غير مبررة، وإنما كنا نبني ذلك على تحليل للمعطيات الموجودة. الطبيعي أن تشتكي قاعدة الصحفيين من كثرة القيود والتضييقات، وقانون الصحافة لعام 2009، على علاته الكثيرة، لم يكن مصدر شكوانا، وإنما اشتكينا من ممارسات الأجهزة الأمنية التي تتم بناء على تفسيرات لقوانين أخرى، من بينها قانون الأمن الوطني. لو كانت الجهات التي تعمل على تعديل القانون تراعي مصلحة الصحفيين وحرية الصحافة لاتجهت لمصدر العلة، وليس لظل الفيل. وحينما كتبنا ما كتبنا، وكتب غيرنا، رد علينا الأستاذ فتحي شيلا رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان وقتها، وصاحب مبادرة تعديل القانون، بأن الأمر مبادرة شخصية منه وليس بناء على توجيهات من أي طرف، وأن الغرض منه توسيع نطاق الحريات. لكن في نفس تلك الفترة كانت الصحف وأجهزة الإعلام تحمل كثير من انتقادات السلطة وممثليها للصحافة، وأنها فالتة تحتاج للتحجيم، لم يكن من العقل وحسن الفطن أن نتوقع إذا أي تعديل لمصلحة مزيد من الحريات في مثل هذه الأجواء، بل لمزيد من التضييق. وبالمنطق أيضا فإن البرلمان الذي أنتج قانون 2009 المعيب كانت فيه كتل برلمانية مختلفة ومتنوعة، فيها من يساند حرية الصحافة والإعلام، ورغم هذا انتج هذا القانون بكل تشوهاته، فكيف نتوقع قانونا أفضل من برلمان يوجد به حزب واحد يسيطر على 98% من المقاعد، ولم يعرف عنه يوما حرصا على الحريات العامة ولا حرية التعبير والإعلام. كما أن كل الممارسات التي تتم خلال الفترة الأخيرة فيها تراجع واضح من هامش الحريات الذي كان متاحا بفضل اتفاقية نيفاشا 2005 . كما أن كل العملية ظلت تتم في أجواء ماسونية مقفولة، إذ لم تنشر المسودة الجديدة للقانون، أو النقاط المراد تعديلها، وظلت المعلومات تتداول سرا بين افراد معدودين، وليس هذا من بشارات تامين الحريات. وأخيرا قطعت جهيزة قول كل خطيب، إذ صرح السيد الزهاوي إبراهيم مالك بأن التعديلات تهدف لضم المواد الخاصة بالصحافة في قانون الأمن الوطني. بمعنى آخر أن قوانين الصحافة الحالية لا تتيح لجهاز الأمن الوطني إيقاف ومصادرة الصحف، ويضطر الجهاز لاستخدام مواد في قانون الأمن الوطني لإيجاد غطاء قانوني لهذه الممارسة. الآن فإن لجنة السيد الزهاوي تريد إراحة الجهاز وتوفير الغطاء القانوني لعملية ايقاف ومصادرة الصحف بموجب قانون الصحافة. ما قاله السيد الزهاوي فضيحة سياسية وتشريعية وبرلمانية لو كان يدري، ولو لم يكن يدري فسنضيف للوصف فضائح أخرى. كل هذه "القومة" والقعدة" لم تكن من أجل عيون الصحافة ولا الحريات ولا التوسيع، ولا كثير من الانشاء الذي صرفه رؤساء لجان وبرلمانيون ووزراء آخرهم وزير الإعلام، وإنما من أجل تقنين المصادرة والإيقاف. طيب يا سيد الزهاوي، إن لم تكن لجنتك قادرة على حماية الصحافة وتوفير جو الحريات العامة لها، أمل يكن من الأفضل لك وللجنتك السكوت والتواري في صمت، وجعل الجهاز يقوم بعمله بموجب تفسيرات قانونه؟ لماذا تكرمتم بالقيام بالواجب نيابة عنه ، وهو على الأقل لا يشكو من قلة المشروعية والقانونية. إنها والله فضيحة حقيقية، وأخشى أن يكون الزهاوي قد كشف المستور الذي كان البعض يحاول مداراته.