د. عبداللطيف محمد سعيد [email protected] بعد أن أكملت المرحلة الثانوية دلفت إلى حقل التعليم والتحقت معلماً بالمرحلة التي كانت تعرف يومها بالثانوي العام... وجدت الشعارات المرفوعة يومها لكم اللحم ولنا العضم يرددها أولياء الامور عند احضار الأبناء إلى المدرسة وايضاً يردد الكثيرون العلم يرفعهم والضرب ينفعهم. فعلت كما يقول المثل عندما تكون في روما افعل ما يفعل أهل روما، وأهل روما هنا لا يعرفون غير الضرب والجلد ولكل خطأ عقوبة بدنية. تذكرت أيام كنت طالباً كيف عانيت من الجلد... كان المعلم يمارس هذه الوسيلة العقيمة ويتفنن فيها فكان يفرض لكل خطأ في الاملاء العربية او الانجليزية جلدة فمن ينال صفراً ينال جلدات بعد مجموع الدرجات وهكذا... اما التسميع سواء في الأناشيد والمحفوظات وقواعد اللغة او حفظ الآيات والأحاديث، وفي الآيات العقوبة اشد... أذكر ان معلم التربية الإسلامية او كما كان يعرف بمعلم الدين المتجهم الوجه الحاد التقاطيع يبدأ الجلد من البسملة أي قبل ان تسمع السورة او الآيات المطلوبة. خضت مع الخائضين وحملت السوط وأتذكر أنني مرة جلدت تلميذة حتى عجزت عن السير وما زال صوتها يتردد في مسامعي وهي تتوسل لي بان أتوقف عن جلدها ولكني أسير عن نهج من سبقوني... لحسن الحظ انني التقيت بهذه التلميذة وهي موظفة واستغربت حين طلبت منها ان تسامحني وقلت لها ان الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال في إحدى خطبة من جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتص مني... والحمد لله انها عفت عني وبررت فعلتي بانني كنت اريد اصلاحها وليس ضررها. ولكني وبعد مرور تلك الأعوام اكتشفت ان الجلد او العقوبة البدنية من مخلفات الاستعمار وعهود العبودية وانها لا تليق بالبشر، وان مقولة (ليكم اللحم ولينا العضم) تهمل الروح ونتعامل مع الجسد فقط وبذلك نهزم المعنويات ونضعف الشخصية ونربي في النشء الخوف والتردد والكذب خوفاً من العقاب... ونصل اخيراً الى مرحلة مدير أو عميد جامعة يحمل آلة العقاب في يده ويطارد الطلاب! هل مثل هذا يمكن ان نطلق عليه لفظ مربي؟ كيف وصل إلى هذه الدرجة الوظيفية وهو يحمل في داخله عقد الماضي ولم يدرك ان الضرب وسيلة متخلفة، وان الاستعمار أراد ان يكسر فينا الكبرياء وقوة الشخصية ويشعرنا بالضعف والذل والهوان وذهب الاستعمار فلماذا نصر على تطبيق سياساته حتى في التربية؟ اننا وقفنا كثيراً في مقام جلد التلاميذ والطلاب وطلبنا من وزراء ووزيرات التعليم متابعة ما يحدث في المدارس ولم يعر أي وزير أو وزيرة اهتماما لما نكتب واخيراً نشاهد مدير جامعة يحمل جنزيراً او سوطا ليضرب به الطلاب والطالبات وترصد الكاميرا ذلك ونتساءل أين وزير التربية والتعليم العالي؟ أين منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان؟ أين اتحادات الطلاب؟ أين أولياء الامور؟ وأين الحكومة التي يقاد طلابها بالسوط؟ والله من وراء القصد