في الزمن الماضي البعيد أضرب بوليس السودان عن العمل تضامناً مع طلاب المدارس الثانوية فكان أول إضراب في العالم وربما آخر إضراب حتي الآن . وقال لي الخال عبد الرحيم وكان ضابط شرطة متفاني في الستينات أن إطلاق الرصاص علي المتظاهرين والمحتجين كان محظوراً إلا بأمر قاض عال ، وفي الهواء وليس بقصد القتل . وفي زماننا هذا كثرت حوادث اطلاق الرصاص في مناسبات دامية ، كان الضحايا فيها مواطنون أو مواطنات عزل . فقط خلال الأعوام القليلة الماضية سقط ضحايا في كجبار وبورتسودان برصاص الشرطة . وتظاهر مواطنون في الفاشر للمطالبة بأموالهم التي نهبها سوق المواسير فقتل بعضهم بالرصاص . وماتت طالبة في جامعة الدلنج – كانت تغسل ملابسها - كما أطلق الرصاص علي الطلاب الذين كانوا يحتجون علي ممارسات صندوق الطلاب . ومات آخرون جراء الاختناق بالغاز المسيل للدموع ، أو أصيبوا بعاهات جراء الهراوات الكهربائية . وفي معظم هذه الحوادث لم تصل التحقيقات القليلة ، أو الإسمية – إلي الجناة والقتلة ، ولم تتوقف آلة القتل . ولم يعرف النظام العام في بلادنا إلا بعد انقلاب يونيو 1989 ، ومن عنوانه فقد كان يعني بإعادة تنظيم المجتمع وفق رؤي النظام . ووقف الكثير من المعارضين أمام محاكم النظام العام الإيجازية ، وكان يمكن أن يحاكموا أمام محاكم عادية إن كانوا مذنبين . ولم تنته بعض الحوادث إلي يومنا هذا ، فما زال البجة ، وأهل كجبار ينشدون العدالة ، ولا فرق بين دماء الفقراء والأغنياء . وهاهي عوضية البريئة تقتلها طلقة جبانة في منزلها . وظل مجتمعنا السوداني بعيداً عن العنف برغم محاولات البعض لجره لساحة الصراع الديني والطائفي ، أو هذه الطلقات التي تقتل الناس بدم بارد . ليس مهماً الاعتذار أو تطييب الخواطر بقدر تقديم المجرمين إلي العدالة ( المامنقوصة ) . عندها سيفكر كل زول مدني أو عسكري في مصيره المحتوم لو أطلق الرصاص الحي علي المواطنين بلا أي ذنب جنوه . وإلي حين أن يعاد ترتيب الأمور بما يوقف آلة القتل اللعينة ، فإن قصيدة أمل دنقل الخالدة تحلق فوق الجميع بلغة مفهومة . إن الطلقة التي ندفع فيها ثمن الكسرة والدواء ، لا تقتل الأعداء ، لكنها تقتلنا إن رفعنا صوتنا جهارا ، تقتلنا وتقتل الصغارا . البوليس في خدمة الشعب ؟ الله أعلم . الميدان