بعد الهجوم والنقد الكثيف الذي قوبل به وفد الحكومة المفاوض عقب الإعلان عن اتفاق الحريات الأربع توقع الكثيرون أن تقوم الحكومة بإقالة الوفد أو على أقل تقدير إحداث تغييرات في بنية الوفد وتكوينه ولكن بعد الهجوم الغادر من الحركة الشعبية وجيشها على منطقة هجليج أصبح التفاوض نفسه في كف عفريت وصار معه أمر بقاء واستمرار الوفد بقيادة إدريس عبد القادر في مهمته ربما مجرد حلم يراود أعضاء الوفد وبعض المتعاطفين معهم. انتقاد الوفد وأسلوبه في التفاوض لم يكن حصريًا على قوى سياسية وأفراد بعينهم بل شمل قيادات لها وزنها داخل حزب المؤتمر الوطني في مقدمتها رئيس القطاع السياسي السابق د. قطبي المهدي الذي وجه انتقادت قاسية للوفد نهاية مارس الماضي، وقال في صالون الراحل سيد أحمد خليفة «ودينا اكتر الناس لينًا» ووصف مباحثات التفاوض في أديس أبابا بالسيئة جداً وهو النقد الذي ضاق به رئيس الوفد المفاوض إدريس عبد القادر الذي وصف الهجوم عليهم بأنه أمرٌ مؤلم. وفي أوج تلك التوقعات بتغيير الوفد أو تنازله عن المهمة لآخرين كان المؤتمر واضحًا وأمين علاقاته الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور يشير في حديثه ل «الإنتباهة» عن تجديد الثقة في الوفد المفاوض مع إحداث بعض التغييرات المتمثلة في دعم الوفد ببعض المستشارين بحسب الاختصاص وما تقتضية جولة التفاوض المقبلة التي أشارت أنباء صحفية عن التئامها الأسبوع المقبل. ولدى سماع نبأ تجديد الثقة في الوفد قفزت لدى الكثيرين تساؤلات عديدة عن سر التجديد للوفد هل هو لإنجازات ترى الحكومة أن الوفد قد حققها وتراها هي دون الآخرين؟ أم أنها لا ترى من بين قياداتها من هو أقدر على القيام بالمهمه غير هذه المجموعة؟ وهل يمكن أن يكون تجديد الثقة خوفًا من جانب الحكومة حتى لا يقال إنها استجابت لضغوط الرافضين للوفد؟؟ غير أن المؤتمر الوطني نفى أن تكون الحكومة قد حددت وفدها الذي سيقود المفاوضات في المرحلة القادمة مع حكومة الجنوب تنفيذًا لقرار مجلس الأمن الدولي، ورأى أن خطوة تحديد عضوية الوفد مرتبطة باجتماع الأجهزة المختصة و قال أمين أمانة الإعلام والتعبئة د. بدر الدين أحمد إبراهيم في تصريحات صحفية إن الأجهزة المختصة ستحدِّد الوفد الذي سيفاوض وفقاً لأجندة محددة، وهي ضرورة حسم الملف الأمني أولاً، تليه مرحلة الانتقال لملفات أخرى، ولكن قيادات في المؤتمر الوطني ترى أن القضية لا تكمن في الوفد المفاوض فحسب بل تتعداه إلى منهج التفاوض نفسه، وفي ذلك قال قطبي المهدي «أعتقد أن المشكلة تكمن في المنهج»، وأضاف: «أتصور أن المشكلة الأساسية في التفكير السياسي أكثر مما هي تتعلق بنوايا الإخوة المفاوضين وإخلاصهم واجتهادهم»، ويتفق في الرأي مع المهدي حول الخلل في منهج التفكير والتفاوض مستشار رئيس الجمهورية د. غازي صلاح الدين رئيس وفد التفاوض في مشاكوس العام 2002م والذي بسببه استقال من رئاسة الوفد، وقال صلاح الدين في حوار نشره موقع الجزيرة نت: «لقد أوضحت من قبل أن اعتراضاتي متعلقة بما رأيت أنه اختلال في المنهج الذي حرصت على بنائه من خلال مسيرة السلام المعقدة، وهو ما أراه مسألة جوهرية ومبدئية لأن خلل المنهج سيؤدي لزومًا إلى خلل النتائج، وهو ما ينبغي تجنبه في قضية حساسة تتعلق بمستقبل أمة». استقال صلاح الدين من رئاسة الوفد المفاوض! ورغم أنه لم يجابه بمثلما جوبه به الوفد الحالي ومع ذلك قال: «لا أشتط في الانتصار لنفسي وإنما أتمسك بموقف السلف الصالح القائل إن «رأيي صواب يحتمل الخطأ»، ومهما كان الأمر فلن أتخلى عن دعم مسيرة السلام لأن في ذلك خير الناس». الاتهامات التي وُجِّهت للمفاوضين بالجهل بطبيعة الطرف الآخر والمرونة الشديدة معه على طاولة التفاوض بجانب القدح في منهج التفاوض هي نفسها قضايا تحتاج للبحث ووضع الحلول لها وهو أمرٌ ربما لا يسمح الوقت المتبقي مع بداية الجولة القادمة التي من المتوقع أن يشهدها الأسبوع المقبل بتغيير الوفد والمنهج التفاوضي.