[email protected] قبل أيامٍ مضت أوردت احدى الصحف اليومية خبراً ، مفاده أنَّ سلطات ولاية الخرطوم قد أنشأت جهازاً خاصاً أو ادارة مختصة ، بحماية الأراضى ورصد وازالة المخالفات . تنحصر مهامها الأساسية فى حماية المواطن من التعديات ، وحماية الأراضى السكنية والزراعية ، ومنع السكن العشوائى داخل القطاع الحضرى والأطراف والأرياف . أهمية هذا الأمر نبعت من كون هذا الجهاز سيعمل بعيداً عن السلوك الشخصى والممارسات الخاصة لسكان ولاية الخرطوم علاوة على توفيره حوالى ألف فرصة عمل للعاطلين عن العمل ، وبالتالى فتح بابٍ للرحمة تدخل من خلاله عشرات الأسر الى سوح العيش الكريم ،كما أن اهتمام والى ولاية الخرطوم شخصياً به ، أكسبه شيئاً من الألق والجدية ،فقد ترأس أول اجتماع لمجلس ادارته ، تمهيداً لانطلاقته فى أبريل الحالى . علمنا أيضاً أن هذا المجلس قد وقف على الترتيبات اللازمة الخاصة ، بتوفير الآليات والمعدات والمقار المختلفة ، والتى يستخدمها الجهاز لأداء مهمته بمحليات الولاية السبعة. سلطات الولاية جادة جداً فى انفاذ هذا الأمر الهام ، ولذا قامت باعداد مسودة القانون المنظم والحاكم والضابط ، لمنظومة هذا الجهاز عبر عرض المسألة على حكومة الولاية ، وربما المجلس التشريعى الولائى لاجازتها خلال أسبوعين . الخبر الأكيد أورد أيضاً ، بأن سلطات الولاية قد اتفقت مع السلطة القضائية ووزارة العدل ، على اقامة محاكم ونيابات خاصة بمخالفات ومخالفى القانون الوليد. حددت كذلك المخالفات المستهدفة بالعلاج ولعل أبرزها ، المخالفات فى الشوارع الرئيسية من غير مخالفات المرور ، والتعدى على المصارف من دون البنوك ، والعرض الخارجى للبضائع ، وتراكم النفايات والتلوث البيئى ، ومخالفات الكمائن ومصانع البلوكات داخل الأحياء ، وكسورات المياه ، ومراقبة استخدامات الأراضى ومخالفات بناء المساكن داخل المصانع والمزارع ، والتعدى على الميادين والحدائق العامة ، علاوة على مخالفات الأجهزة الحكومية المرتبطة بخدمات المواطنين ، مثل الاخفاق فى نقل النفايات وانارة الشوارع ويا حبذا لو أضيف للقانون أيضاً ضبط الأسواق وتنظيم مواقف المواصلات . السؤال المهم جداً والذى نطرحه بعد " بحلقة " العينين،هو من أين لولاية الخرطوم الكوادر المؤهلة والمدربة ، لانجاز هذا العمل الخطير ؟ قبل الاجابة نقول ، بأنَّ هذا العمل يتطلب كوادر ذات لياقة بدنية عالية ، ولباقة مهنية حاذقة ، وقوات ذات معرفة عميقة بأساليب تطبيق القانون نصاً وروحاً . السلطات قالت بأن لديها بعض القوى العاملة فى هذا الشأن ، وتريد استكمالها الى ألف فرد مما يعدون ، بكامل زيهم الموحد، وعلاماتهم واشاراتهم المميزة ، لفرض هيبة القانون و السلطة وربما السلطان ، مع التواجد الميدانى المستمر للمنع والرصد والمتابعة ، تحت الاشراف المباشر لمعتمد المحلية المعنى ، وتحت الادارة المباشرة لثلاثة أشخاص على درجة عالية من الكفاءة والتفويض . لعل المتابعين يلحظون أن هذا المشروع هو نسخة أصلية لما يعرف بقانون النظام العام الأصلى غير المثير للجدل والذى ينبغى أن يسود تأميناً للمجتمع ، وترسيخاً لأسس الانضباط ، وفرضاً لهيبة الدولة ، ومنعاً للتطاول فوق رقاب الحقوق ، خاصةً وأنه خالى تماماً من أى اشارة للممارسات المتعلقة بالآداب العامة والمظاهر السلوكية الخاصة بالأفراد والأسر والجماعات أو ما يعرف بالجرائم الأخلاقية المعالجة أصلاً عبر القانون الجنائى السودانى .. اذن فان أى محاولة لايكال هذا الأمر لجهات ذات خلفيات غير نظامية ، أوليس لديها خبرات قانونية وعملية سابقة ، لن تكتب لها النجاة ولن تكلل بالنجاح ، وستجر على سلطات الولاية أطناناً من السخط والرفض والاثارة السلبية ، مع الحصاد ذى الرقم الصفرى ، وبذلك تكون ولاية الخرطوم قد قدمت لمواطنيها عبواتٍ ناسفةٍ من التجريب الخائب أو صناديق معبأة بالعطايا الفارغة المحتوى . اننا نهمس فى أذن السيد الوالى اليمنى - قبل أن يهمس آخرون فى الأذن اليسرى – بأن لديك حوالى أربعة آلاف ضابط شرطة متقاعد داخل ولاية الخرطوم ، ذهب جلهم للمعاش وهم فى ريعان الشباب ، وغادر آخرون بسبب ضعف الأجور، وهنالك أضعاف مضاعفة من فئات الصف والجنود الذين خبروا العمل فى شرطتها، ومارسوه فعلياً فى كل المجالات الشرطية منعاً وتدخلاً ومتابعةً للجرائم والمخالفات . هؤلاء الضباط المتقاعدون موجودون ، ويسكنون فى أمبدات وجبل الأولياء والدروشاب وشرق النيل والكلاكلات والثورات وداخل المدن وحول الأسواق ، وباختصار هم الأكثر انتشاراً فى جميع محليات الولاية السبعة . غير ذلك فهم الأقرب لانجاز هذا العمل ، بحكم خلفياتهم العسكرية والقانونية والانضباطية والسلوكية والعقلانية ، كما أنهم هم الأقرب للتعامل الراقى مع وكلاء النيابات والقضاة المختصين ، بل هم الأكثر قدرة على فرز وتصنيف المخالفات الادارية من الجنائية . قبل كل هذا فانهم يتمتعون بما يسمى بحاسة الشم الأمنية العالية والنافذة ، كميزة اضافية مطلوبة لماعونٍ مانع وجامع وحافل بأصناف البشر المختلفة ، مثل ولاية الخرطوم . اضافة لكل ذلك فان هذه الكوادر المؤهلة منضوية تحت تنظيم طوعى وقانونى يحتفظ بسجلاتها وخبراتها ومؤهلاتها العلمية والعملية ولا يمانع من التعاون الكامل مع سلطات ولاية الخرطوم فى انزال هذا المشروع الهام لأرض الواقع ألا وهو اتحاد ضباط الشرطة المتقاعدين . لقد حان الوقت لأن تلتفت ولاية الخرطوم لشريحة الضباط المتقاعدين داخل الولاية ، بعد أن أهملتهم كل هذه السنين الطويلة ، فهم لا يطلبون عوناً مادياً عبر منافذ التسول وقضاء الحاجات عبر الأبواب الخلفية ، ولكنهم يودون أن يتأسوا بنبى الله داؤود ، الذى كان يأكل من عمل يده . اننا نقول للسيد الوالى بأن هؤلاء الرجال يأتونك الآن عبر الأبواب وبحقوقهم وبامكانياتهم وقدراتهم ، والمطلوب من سيادتكم فتح "ضلفةٍ " لينفذوا من خلالها للمساهمة فى نهضة الولاية ، وضبط سوءاتها وتصحيح مسارها بعون الله وعونكم ، لأنهم جزء لا يتجزأ من تركيبتها ، سكناً وتاريخاً وانتماءاً وتخصصاً .