بشفافية ما دخل السماء أيها الإمام ؟! حيدر المكاشفي ٭ في منتدى (مفاكرات) الذي درج على إقامته مرة كل شهر بداره القيادي بالمؤتمر الوطني- ولاية الخرطوم- الدكتور نزار خالد، إستوقفتني عبارة للسيد الصادق المهدي وكان أحد المشاركين في الجلسة التي إنعقدت يوم الخميس الماضي تحت عنوان ( الحرية في الاسلام.. النظرية والتطبيق)، الى جانب آخرين من أبرزهم الدكاترة منصور خالد وغازي صلاح الدين وأمين حسن عمر ومحمد محجوب هارون والمحامي المعروف كمال الجزولي، وكعادته فقد إسترسل الامام الصادق المهدي في حديث محكم ورصين حول الموضوع المطروح للتداول، أجد نفسي في توافق تام معه اللهم إلا عبارة وحيدة كانت مثار دهشتي وهى قوله الذي جعلته صحيفتنا على رأس صفحتها الاولى (جنوب السودان هبة سماوية لاسرائيل لفك عزلتها)، وبدا لي أن الأسلم له أن يقول (لقد تسببنا نحن بغفلتنا وقصر نظرنا في إنفصال الجنوب وهيأنا بذلك فرصة ثمينة لاسرائيل لفك عزلتها)، ولا أعرف لماذا القى الامام الصادق باللوم على السماء بدلاً عن كل الانفصاليين ومجمل السياسات التي أفضت اليه، فالذنب ذنبنا نحن وليس ذنب السماء، فالسماء لم ترعد وتبرق وتمطر (إنفصالاً) وإنما هم قوم منا تدافعوا وتكالبوا عليه وجعلوه مبلغ همهم وغاية أمانيهم فنجحوا ضمن أسباب أخرى في دفع الجنوب للانفصال، وقد ذكرتني مقولة المهدي هذه بحكاية مصرية قديمة.. وتقول الحكاية أنه لما وقعت الحرب بين مصر والحبشة في زمن الخديوي اسماعيل وتوالت الهزائم على مصر، ضاق صدر الخديوي واصابه الغم من تلك الاخبار السيئة، فخرج من القصر يريد الترويح عن نفسه مصطحباً معه أحد أخلص أعوانه، وبينما هما سائرين سأل الخديوي رفيقه، ماذا تصنع حينما تلم بك ملمة تريد أن تدفعها، قال يا أفندينا لقد إعتدت اذا حاق بي شيء ضاق به صدري أن الجأ الى صحيح البخاري يقرؤه لي علماء اطهار، راقت الفكرة للخديوي فأمر شيخ الازهر أن يجمع له رهطاً من صلحاء العلماء يقرؤن البخاري، وقد كان، ولكن رغم ذلك لم تتوقف الهزائم وإنما توالت وظلت أخبارها تترى، فاستشاط الخديوي غضباً وذهب الى حيث يعكف العلماء على قراءة البخاري وصاح فيهم بعنف وغلظة، إما أن هذا الذي بين يديكم ليس صحيح البخاري أو أنكم ما معناه علماء (مواسير) لم يدفع الله بكم ولا بتلاوتكم شيئاً، فوجم العلماء وحاروا جواباً إلا شيخاً منهم كان في آخر الصف رد عليه بشجاعة قائلاً منك يا اسماعيل، وما ذنب البخاري، فإنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم)، ولا نجد ما نقوله تعليقاً على مقولة الامام الصادق المهدي (جنوب السودان هبة سماوية لاسرائيل) إلا بمثل ما قاله الشيخ الازهري للخديوي (وما ذنب السماء أيها الامام)... الصحافة