الخرطوم .. جوبا ...(معادلات الشر المستطير)!! تقرير .. حسن بركية [email protected] مع صبيحة كل يوم تتدحرج أوضاع السودانيين (الشمال والجنوب) نحو خيارات غير مأمونة العواقب في ظل تصاعد وتيرة الصراع بين الدولتين وعندما صدرت صحف الخرطوم صبيحة أمس وهي تسود صفحاتها بتفاصيل القتال العنيف حول مدينة تلودي بين القوات المسلحة وقوات الحركة الشعبية –(قطاع الشمال) ومقتل أعداد غير محصورة علي وجه الدقة من النساء والأطفال تبين للجميع كارثية قرار إفساح المجال لقارعي طبول الحرب وأدعياء الوطنية والحكمة ،نيران الحرب مشتعلة وتخصم بشكل متواصل ويومي من رصيد شعبي البلدين في السلام والاقتصاد والأمن ورسم تقرير دولي صورة مرعبة لنتائج الحرب الكارثية بين السودان ودولة جنوب السودان ‘‘توقع تقرير اقتصادي حديث أن تبلغ التكلفة الاقتصادية لاشتعال حرب أهلية بين شمال السودان وجنوبه من جديد على خلفية الاستفتاء المقرر حول مصير الجنوب إلى 100 مليار دولار‘‘. وتسطير لغة الحرب علي المشهد السياسي في الشمال والجنوب وتقابل كل خطوة نحو السلام والحوار بهجوم كثيف من قبل متعهدي الحرب والموت شمالاً جنوباً ، وماحدث لوفد التفاوض الحكومي السوداني من قبل منابر الحرب والموت خير شاهد علي ذلك. وكان بيان صادر عن القوات المسلحة قد رسم بعض مشاهد الحرب المشتعلة وقال البيان ‘‘سلحة قال ‘‘«فلول المتمردين التابعين للجيش الشعبي قامت بقصف مدينة تلودي الآمنة بالمدفعيات، ودون مراعاة لحياة المواطنين الأبرياء، بغرض الهجوم والاستيلاء على المدينة.‘‘ في حين تتهم الخرطومجوبا بدعم قوات الجبهة الثورية تنفي جوبا ذلك وتقول أن جهات بعينها في الخرطوم لاتريد السلام تروج لذلك ومهما يكن من أمر تظل نيران الحرب المشتعلة بمثابة بيان واضح عن مألالات أوضاع مابعد الانفصال ومخطار الإنزلاق نحو حرب شاملة تقضي علي الأخضر واليابس. وتشير الكثير من المعطيات أن الصراع في جنوب كردفان يتجه نحو مزيد من التصعيد وأن الحرب هناك لن تكون قصيرة وسريعة وذكرت وسائل الإعلام أمس أن الولاياتالمتحدة بدأت السير في خطوات جديدة تكون في محصلتها التدخل في مسارات الحرب القائمة وهي خطوة طالما كانت الحكومة السودانية تتحسب لها وتعمل بما تملك من أجل افشالها، وحسب وكالة الصحافة الفرنسية (حث الكونغرس الاميركي الخرطوم على تسهيل وصول المساعدات الانسانية الى ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق اللتين تشهدان معارك بين القوات الحكومية ومتمردين وصادق مجلس الشيوخ مساء الخميس على قرار غير ملزم بهذا الصدد. ويدعو القرار "حكومة السودان الى السماح على الفور ومن دون قيود، بايصال المساعدات الانسانية الى جنوب كردفان والنيل الازرق وغيرها من المناطق التي تأثرت بالنزاعات في السودان). وللحرب الحالية إرث قديم من العداءات المصطنعة لوردات أدمنوا صناعة مجدهم علي جثث الأبرياء،وقبل انفصال الجنوب بدأت ملامح صناعة الحرب بين الشمال والجنوب تحت دعاوي وأفكار بلا سيقان تري بلا عيون وتصورات حالمة بأن البتر هو بتر لكل المشاكل وماكانوا يعلمون أنهم يصنعون الموت ويرسمون بدماء الأبرياء مستقبلاً كالحاً للأجيال القادمة من أجل غرور بعض القيادات التي أدمنت تمجيد الذات. قاتلنا 21 عاما بدون بترول، ويمكننا ان نستمر بدونه ثلاث سنوات حتى ننشئ خطوط النقل الخاصة بنا). هكذا تحدث سلفاكير ميارديت من قبل مع تصاعد الخلافات حول عائدات النفط عندما تحولت قضية البترول من قضية اقتصادية فنية إلي جدل سياسي عقيم يؤكد أن النخبة الحاكمة شمالا وجنوبا لم تتعظ من دروس الماضي،في حالة الوصول لطريق لمسدود الخسارة ستكون مشتركة، التصريحات العنترية لن تفيد الشمال ولن تعوضه غياب النفط والمواقف الكلاسيكية المستندة علي مرارات الماضي لن تكون ذات جدوي للجنوب والمطلوب هو تعامل واقعي وعقلاني. عندما تفشل الحركة في الجنوب تنظر شمالا وتبحث عن الشماعة الجاهزة والوطني يحاول أن يبدل سيئاته بحسنات( طرد الجنوبيين) أو نسج الاشاعات حول الدور الاسرائيلي والفساد في الجنوب. بروزدولة جنوب السودان إلي الوجود شكل في المحصلة النهائية نجاحا للخطاب الانفصالي في الشمال والجنوب،حيث قوبل الأمر بنحر الذبائح من قبل إنفصالي الشمال(جماعة الطيب مصطفي) الذي يتزعم منبر السلام العادل، وبقرع الطبول والأهازيج والأغاني في الجنوب.وأهم من كان يميز الخطاب الإنفصالي في الشمال والجنوب معا(وبمباركة دولية)هو تغيب الحقائق وتغبيش الوعي والقفز فوق الواقع المعاش بالهروب نحو مستقبل متوهم،المواطن العادي في الشمال ظل تحت تأثير الخطاب الإنفصالي المرتكز علي تصورات دينية لمسألة الصراع السياسي بين الجنوب والشمال،و كان يصور الجنوبي كأنه عبء يجب التخلص منه بأسرع مايمكن وأن الإنفصال يعني دولة الرفاهية والرخاء والدين الواحد والثقافة الواحدة(العربية الاسلامية )وتجاهل هذا الخطاب عمدا المخاطر السياسية والإقتصادية المترتبة علي إنفصال الجنوب وكانت أجهزة الإعلام الحكومية في الشمال تكثر الحديث عن المعادن الموجودة في باطن الأرض بالشمال ، في إشارة إلي عدم تأثر الشمال بفقدان 75% من عائدات البترول بسبب إنفصال الجنوب رغم أن المعطيات الماثلة في الواقع كانت ولازالت تكذب صحة هذه الإدعاءات الحكومية.وبالمقابل كانت الحركة الشعبية تدعم الخطاب الإنفصالي في الجنوب بصورة كبيرة وعلنية وبل مارست الإرهاب والتخويف علي الأصوات الوحدوية. وغابت الحقائق وسط الأهازيج وقرع الطبول وشعارات مرحلة الثورة التي لازالت تفرض نفسها علي المشهد في الجنوب رغم وصول الجنوب إلي مرحلة الدولة ولن شعارات المرحلة الثورية مساحات تذكر في أرض الواقع خاصة مع التحديات الكبيرة التي تنتظر الجنوب. الممارسات العملية للمؤتمر الوطني كانت تنفر الجنوبيين من الوحدة مثل الحديث المتكرر عن تطبيق قوانيين الشريعة والمداهمات المتكررة لقوات الشرطة لصانعي الخمور البلدية من مواطني الجنوب ,الحركة الشعبية من جانبها وظفت كل قدراتها لدعم خيار الانفصال منذ وقت مبكر. في الشمال كان المؤتمر الوطني عبر أذرعه المختلفة(منبر السلام العادل) وغيره يبث خطاب انفعالي ذات طابع عرقي وديني ويقلل من المخاطر التي تترتب علي الانفصال خاصة الاقتصادية وبل مضي أكثر من ذلك وقدم للمواطن الشمالي تصورات خاطئة عن العافية التي ستدب في جسد الاقتصاد الشمالي بعد ذهاب الجنوبيين ولكن الواقع كذب كل التصورات والأماني والتدهور الاقتصادي في كل المجالات لاتخطئه العين (مظاهرات المياه في الخرطوم) وبلغت الأزمة الاقتصادية مداها، وفي الجنوب ركزت الحركة الشعبية علي خطاب المرارات وعبئت الشارع الجنوبي نحو أهداف غير مدروسة بعناية كافية وكأن ذهاب الشماليين يعني أن تمطر السماء ذهبا وفضة، الخلاصة ملامح الفشل تتبدي في الدولتين كمحصلة لتجربة سارت في الاتجاه المعاكس للتجربة الانسانية المتوجهة نحو الكيانات الكبيرة والمتجاوزة للإختلافات الدينية والعرقية. المباحاثات الجارية حالياً بين البلدين في أديس أبابا مواجهة قبل الخلافات والملفات العالقة بمجموعات لاتريد لقطار السلام المرور ، في الشمال جماعة المنبر وبعض الجماعات السلفية المدعومة بتيار نافذ في المؤتمر الوطني تريد لنيران الحرب أن تظل مشتعلة ولها تصورات حالمة وغير مؤسسة لسيناريو الحرب والسلام وبعض هذه الجماعات تعتقد أن الحرب مجرد ‘‘ خطب مواعظ‘‘ وفي المقابل هناك في دولة جنوب السودان لوردات وتيارات للحرب تستقوي بقرع طبول الحرب مع الشمال وتفقد أدوات الصراع في حالة السلام ولذلك تجد دعوات الحرب مناصرين هنا وهناك ولكن تظل الحقيقة الموضوعية أن لا أحد يكسب بالحرب.