رأي تعالوا إلى كلمة سواء عبد الرحمن زروق [email protected] نكاد ننام ونصحو على ايقاع طبول الحرب،حيث تتواتر ضرباتها من الداخل ومن الخارج ، ونحمد المولى عز وجل أننا لا زلنا حتى الآن ننعم بسلام في معظم انحاء السودان.. وكما نتفقد انفسنا كل صباح ونطمئن على أننا ما زلنا، ومن حولنا، أحياء، فإن الكثيرين من الذين تستهويهم أجواء الحرب يتحسسون كل يوم اسلحتهم.. وفي التقارير الدولية أن حربا في السودان ستكلفه والجوار 100 مليار دولار، لكننا نشير أيضا إلى مليارات اللترات من الدماء الغالية التي ستهرق في ساحات واسعة وعريضة للقتال في هذا البلد القارة إذا تطورت الأمور وفقا لما يجري حاليا.. ومع ذلك نقول ان الفرصة لا تزال سانحة أمامنا لتفادي الأسوأ، فسيمضي الاستفتاء بخيره وشره، لكنه سيخلف حتما قنابل موقوتة قد تنفجر في يوم اعلان النتيجة، فهناك الكثيرون الذين لا يقبلون بنتيجة تأتي بالانفصال، وكثيرون ايضا لا يقبلون بنتيجة تأتي بالوحدة، وهناك هذه الأزمة المستفحلة بشأن أبيي.. ويتعين أن نثبت لانفسنا ولأجيالنا المقبلة وللعالم أجمع أننا لا زلنا نتمتع بقدر من العقل والحكمة، من أجل تفادي حرب كل معطياتها ماثلة أمامنا، وعلينا بكل شجاعة وصبر وذكاء أن نبطل فتيل كل قنبلة على وشك الانفجار، ولن يتأتي هذا بمجرد الأماني، وإنما بالعمل المشترك الذي يضم جميع سحنات وألوان الطيف السوداني، فالمسألة تتعلق بالفعل بحالة طوارئ.. ومن المهم تعزيز آليات التقارب بين المكونات الداخلية السياسية تجاه الوضع الطارئ والخطير، ودرء مسببات اشتعال البلاد، وذلك من خلال تأكيد حتمية الأخطار إذا استمرت حالة التنافر الحالية، وعدم الاستقواء بالخارج في لعبة الصراعات الداخلية، إذ أن للخارج اجندته التي تختلف كليا عن الهم الوطني، حتى وإن تلبست التحركات الخارجية ثوب السلام وأفصحت طوال الوقت عن نوايا سلمية، فهؤلاء القادمون من وراء البحار يمثلون مجتمعات واقتصادات نهمة لثروات العالم الثالث، ويهمهم في المقام الأول ألا تتأثر اقتصادياتهم بما يجري في البعد، كما يهمهم أن تجد منتجاتهم بما فيها الاسلحة الفتاكة اسواقا حتى في بلاد تطحنها الحروب، فهم يعملون كإطفائيين، لكن يعملون في ذات الوقت على محاولة القضاء على الأطراف التي يرون أنها قد تحول دون استمرار خطوط انتاجهم. ولأن الحرب في الغالب تبدأ بكلمة، فنحن حاليا أمام عبارات بل جمل طويلة، تكفي لاشعال حرب عالمية كاملة.. فمن يحول دون الناس وحقهم في تسجيل أنفسهم للاستفتاء في مثل هذه الأجواء المتوترة لا بد وأنه يضيف مسوغا جديدا من مسوغات الحرب، ومن يستفز الآخرين في الشمال أو الجنوب بكلمة هنا وأخرى هناك يدفع بالأمور نحو الاشتباك الحتمى، أما من يحرض قواتنا المسلحة على احتلال ولايات في الجنوب، استباقا لما يقول انه تحركات جنوبية، فإنه يصب صهاريج من الزيت على نار الحرب ويعجل باشتعالها.. ومن يقول بذلك ينبغي عليه أن يتذكر الحدود الطويلة التي تتجاوز ال 2000 كيلو متر بين الشمال والجنوب، وانه لا قبل لنا بمواجهة حرب أخرى ونيران دارفور لا تزال تستعر، وأن نسبة مقدرة من قوام هذا الجيش الذي ينبغي له خوض كل هذه المعارك هم أبناء هذه الجبهات المشتعلة.. فهل من الممكن أن نوفر كل هذا الجهد المفضى للحرب في بلد تحتاج إلى كل مقومات السلام، وهل من الممكن أن نكتم كلماتنا الجارحة وأن نقاوم التلفظ بها في وجوه الآخرين، وهل من الممكن أن نتحلى بقدر أكبر من الديموقراطية في هذا المرحلة الحرجة، حتى وأن تمخضت هذه المرحلة فولدت قانونا مثل قانون الاستفتاء الذي تقول احدى فقراته ان نتيجته ستكون مقبولة إذا صوت 60 بالمائة من الذين سجلوا اسماءهم، ولا يهم إذا كان مجموع المسجلين مليون أو حتى مائة ألف، فالقانون لم يحدد العدد الكلي، وانما حدد فقط نسبة الذين ينبغي لهم التصويت حتى يتم اعتماد النتيجة. وفي ظل هذا اللا معقول، فإن الإنحدار إلى حالة الحرب لا يستلزم الكثير من الأسباب المعقولة، ولهذا ينبغي التنبه إلى أننا ننزلق بشدة إلى المحرقة، إلا إذا لجأنا إلى كوامن الخير فينا وعملنا على ابراز ما يربط بيننا وتمسكنا به، وإلا إذا تعاملنا بكل الحكمة مع هذه الأصوات التي تطلق التصريحات المنفلتة ومن على أعلى المنابر وأكثرها تأثيرا.. وليس المجال هنا مجال اثبات القوة والشدة، فلن تنفع كلها في محرقة لا تبقي ولا تذر، وإنما المهم إعمال قوة الإرادة من أناس صلبين صادقين في وطنيتهم يهمهم أمر السودان كله.. ينبغي أن يتركز تفكيرنا على التسليم بما يمضي الآن، فنحن نخضع لقوانين وتشريعات تنظم مراحل عملية السلام، لكن علينا أن نضع في اعتبارنا أن الانفصال ليس هو نهاية المطاف، فهناك وشائج وعلاقات وتواصل اجتماعي وسياسي واقتصادي وعرقي، وكلها عناصر من الصعب شطبها بقلم الانفصال.. إن العمل السياسي الحق ينبغي أن ينظر إلى المستقبل، وينبغي أن يكون لديه مشروع، وألا تغل تفكيره وتصوراته خسارة معركة الأستفتاء أو غيره، وإذا كنا نؤمن بالديموقراطية الحقة فإننا حتما سنظفر بها ، وفي ممارستنا لها سيكون بامكاننا تحقيق كافة الطموحات بما في ذلك استعادة السودان الكامن في وجداننا حتى بعد الانفصال، إلى أرض الواقع، لكن ينبغي أن نعمل من أجل استتباب ديموقراطية حقيقية، وهو أمر في طوع الإمكان، ولن يتأتي بالقمع والتنكيل بالآخرين من خلال الحرب أو ما يماثلها وإنما بالممارسة الحقيقية للفعل الديموقراطي.. الصحافة