مقال الأحد في رحيل الشيوعيين الأماجد(1) من (3) صديق عبد الهادي [email protected] إنه ليس من المستبعد أن تكون قد اصابت تلك الحالة الكثير من الذين يكتبون، وليس بالضرورة أن يكونوا ممنْ يكثرون الكتابة. والحالة المعنية هي الرغبة في إرجاء الكتابة، وبدونما سببٍ معلوم، ولو كان الظرف لا يستدعي ذلك الإرجاء الغامض!!!. ولكنه على اية حال يحدث. وككل السودانيين أحزنني رحيل الفنان الوطني والشيوعي الاغر "محمد عثمان وردي"، بل وهدَّ تماسكي، وفي ذلك أعلم يقين العلم بأنني لستُ وحدي. ولكني إستسلمتُ لرغبة إرجاء الكتابة في ذلك الحدث او المصاب الجلل، وبالرغم من إلحاحها. وبالقطع كثيرون غيري فعلوا كذلك ، اي أرجأوا الكتابة ليداهمنا جميعاً الرحيل الصاعق للشيوعي والشاعر الوطني الأشم "محمدحسن سالم حميد"!!!. مثلي وكثيرون قد يكون ان رأوا ترك فسحة للحزن لكي يأخذ دورته ، إلا ان ذلك لم يتحقق هو الآخر، ليفجع الوطن، كل الوطن، برحيل القائد الشيوعي الفذ " محمد إبراهيم نقد". ويا له من فقد!!!. ففي فترة وجيزة تراكمتْ خسائر الوطن وإتسعتْ رقعة احزانه!!!. وهل من بعد ذلك يمكن ان يقال بألا هناك سببٌ غامض لذلك العزوف الغامض؟!!!. إنه وعلى جانبٍ خاص، ما لفَّ الحزن كامل الحزب الشيوعي السوداني، ومنذ يوليو 1971م، مثلما لفه خلال الشهور القليلة المنصرمة الفائتة، إذ غيّبَ الموت أربعة من رموزه الشعبية الشواهق، ليس على مستوى الحزب وإنما على المستوى الوطني، الاستاذ التجاني الطيب، الفنان والمبدع الاستاذ محمد وردي، الشاعر والمبدع الاستاذ محمد حسن حُميد واخيراً القائد الوطني الاستاذ محمد إبراهيم نقد، السكرتير السياسي للحزب. وقد شهدت على عِظم الفقد مواكب الوداع غير المسبوقة والتلقائية التي نظمها شعب السودان تعبيراً عن الحب والوفاء. أنتج السودان وعبر تاريخه العامر عدداً كبيراً من المغنيين الشوامخ الذين صاغوا وأثروا وجدانه، ولكن سيظل الراحل محمد وردي الابرز من بينهم، وذلك لا لسببٍ سوى أنه جعل ذلك الوجدان يقف على ساقين من تهذيبٍ للعاطفة وتعزيزٍ للحس الوطني. ولقد دفع وردي بالكلمة أو المفردة الشعرية في مدارج المعنى ومن خلال أدائه، دفع بها إلى سموٍ عالٍ. إنه وبقدر ما كان نوبياً أنفاً، فقد كان سودانياً مشبوباً بحب الوطن. كنتُ دائماً أميل إلى إستثارة زميلتنا في العمل "سميرة حامد" قريبة الراحل، ولما لها من علاقة ودودة به، كنت اقول لها بأن الناس يقولون بان وردي لا يجيد التحدث باللغة النوبية!!!. فكانت لا تتوانى في القول وفيما هو اقرب للغضب "ما فيش حد بيتكلم اللغة النوبية زي وردي، هو المرجع الأول، وانا بقول كدا لانو أنا اللي بعدو في اللغة النوبية". أما زميلنا "نور الدين" أو "نوري"، فأنني لم اجد من يجيد او يدمن الإستمتاع بالأستماع ل "وردي" مثله، فلقد كان وعلى حد القول السائر"يصوم ويفطر" على "وردي"!!!، كما وانه كان دائم الطرب بتلك الأسطورة التي تكاد ان توازي اليقين الأصم والقائلة، بأنه ما من أحدٍ، في أرض النوبة، إستطاع الوصول إلى تلك "الواحة" النائية والكائنة في قلب الصحراء، واكل من "عشبها السحري" الخاص سوى "خليل فرح" و"محمد وردي"، وقد كان ذلك هو السر الكامن وراء إبداعهما!!!. على اية حال، فلو أرهف المرء السمع ل "الحزن القديم" ول "عزة في هواك" قد لا يجد مناصاً في شأن هذه الاسطورة سوى القول: "ولربما"!!!. حينما إختار "وردي" المنفى، وفي تلك الفترة المظلمة من تاريخ الوطن بعد 1989م، مثله وعدد كبير من السودانيين الذين نجوا من محرقة "بيوت الأشباح" التي إلتهمت خيرة أبناء الوطن من أمثال "الدكتور علي فضل" وصحبه، قدِم الراحل "وردي" إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، فاستقبله السودانيون وغير السودانيين بدفئٍ واحتفاء. فأينما حلَّ كان ينقل الوطن الوطن، اي الوطن غير الرسمي ذلك المعروض في الدهاليز السرية والمسوم "للمقايضة"!!!. كان "وردي" فناناً سودانياً معروفاً، ولقد كان صديقي "نافي" الذي ينحدر من قبائل الطوارق في النيجر، لا يمل ترديد قوله بأنه إن كنت تريد أن تعرف وردي فعليك ان تسمع أغنية "القمر بوبا"، وكيف يؤديها الطوارق وباللغة الامازيغية في النيجر!!!. إن "محمد وردي" فنانٌ ضخم ومبدعٌ ملتزم، تحدثتْ عن رحيله كبرى وسائل الاعلام في العالم. ولقد قالت عنه جريدة "الواشنطن بوست" الامريكية والواسعة الانتشار، انه كان نوبياً وسودانياً وحدوياً، ورمزاً يسارياً محبوباً ومؤثر. إن رحيل الفنان "وردي" ليمثل خسارة فادحة للابداع وللوطن. وليس هناك أبلغ مما نطق به المبدع "محمدية" في رحيل "وردي" حين قال، وبألمٍ بائن، "لقد صمتَ الغناء"...وبالفعل لقد "صمتَ الغناء" وإلى حينٍ قد يطول، إلا أن هذا الوطن الولود فمثلما انجب "الخليل" و"وردي" سينجب "خليلاً" آخراً و"وردياً" آخراً، وبالقطع، سيأكلان من نفس "عشب العشق الساحر" في "واحة هذا الوطن"، وكما فعلها، حقيقةً، الأولان من قبل، وإن تأسطرتْ في الخيال الشعبي. . (*) بالتزامن مع جريدتي "الايام" و "الميدان" السودانيتين في يوم الأحد 31 مارس 2012م. - - - - - - - - - - - - - - - - - تم إضافة المرفق التالي : wardi 001.jpg