[email protected] بسم الله الرحمن الرحيم القصة أولاً : نهار يهديني حلماً كنت اعرف انه قادم ، غريب لكن شيئاً ما يجعله مألوف ، السحنة والتفاصيل ، بنزق بهي كنت ابحث عنه ، رغم اننا قد لا نلتقي ابداً . هه هه ... ذلك الرجل العجوز حدّق بي ذاك النهار ثم قال بحكمة زائفة : تبدين باحثة عن مجد . لم اصدمه بأني اعرف ما اريد ولن اركض خلف الأكاذيب ,اخاف دائماً ان يفلت مني زمام لساني المالح يوماً فأقتل احد الذين يتبرعون بالنصائح الغاليات دون ان نحتاجها، والهاجس احياناً يكون طفلاً لئيماً يخرج لسانه ويهمس بتأكيد : سوف لن يأتي لأنه ليس موجوداً الا في جزيرة وهمك ، وأسخر منه في اعتداد، ادري انه مجروح : ألم تسمع ما قاله استاذي الملهم ؟ مؤمن ان جمال الحياة يتبدى بتصديقنا لوهم عزيز ، دعني وأوهامي اكتوي بجحيمها وابتهج بنعيمها . لم يلفت انتباهي ... بدا عادياً جداً ، ربما علي ان امقت نفسي ، بدوت كطفلة ساذجة تغريها البالونات الساطعة ، ومضيت اضرب الأسفلت بعناد مألوف ، ثم سمعت نداءً خفيفاً فوقفت ، بدا ، هو نفسه بوجه طفولي مميز وقامة طويلة ونحيلة كرقائق بسكويت، ربما لم انتبه اليه من اول وهلة بسبب زيه المهمل وشعر رأسه الذي ترك طويلا دون ان يمسسه حلاق بمقص ، حياني بتهذيب مدهش ، تأملت المحيا الهادئ وهو يسألني ، اين يكون التقاني من قبل ؟ صمتُّ قليلا وانا لا ازال حيرى ، لأني اعرف ان هذه الأسئلة يبادر بها الاشقياء من الشبان عادة ، وهو لا تبدو عليه سيماهم . رددت عليه ببرود ، ثم تسرّب الي احساس غريب بالرغبة في استبقائه لم أدر لم !! ولم استرسل مع نفسي لأعرف المزيد ... مضيت خلف تلك الرغبة المعتوهة يااااه ، هاأنا انس تحذير امي من الإنسياق خلف الرجال الغرباء ، وفاجأني باتهام ملئ بالدعابة ، انت ايضاً عابثة ، تبدو الفوضى بنظراتك اللامبالية وخطوك المتأرجح ، . فاجأني هذا الحكم الواثق السريع وهو الذي لم يلقني الا منذ ساعة ، وكنت اقطع حديثه بدهشة لم تتبدد : كيف يمكن ان يتعرّف علي هكذا ؟ اتساءل لنفسي مرة اخرى وسط انسياقي خلف الغريب : هل يمكن ان اكون هذه انا التي قمعت الفوضى في دمها زمناً ، ربما هو اكثر من نصف عمرها ، وتذكرت بغتة وسط تلك التفاصيل وجه ذاك البعيد ، ونحن الآن مختلفان ، فقط ثمة اعزاز يبقى مكانه . وانا احاول ذاك النهار رأب الصدع ، باغتني قائلاً : ان ما في القلب يبقى في القلب رغم الخلاف . وكأنني كنت بحاجة حقيقية الي تلك العبارة منه لأحسم صراعاً طال داخلي وتمعنت لأول مرة في الموقف وشعرت ببرودة ووحشة عاصفة كأنما انا بداخل حفل تأبين فأنا عزيزة عنده كقطعة اثرية نادرة ، ادمتني سخريتي من نفسي وداهمني التمرد بهاتف ظل يلازمني طويلاً الآن هيا اهربي ولا تأبهي لشيء دونك الخلاص والحرية ، هكذا تبدو الفوضي هي خلاصي فبيني وبينها حبل سري آه عدنا نضحك ثانية وانا أقص عليه قصصاً عديدة تخصني جداً عن كيف كانت خيبة امل امي وانا أحرص ان افعل ما يحلو لي لا كما ينبغي وفق عرفها المستبد جداً . أرهقني التجوال الطويل فجلسنا على مقعد صادفنا خالياً وحيداً تحت شجرة ، جلسنا بصمت طال ، حتى قطعته انا بقولي : ابدو كائناً غير لطيف .. فأنا مرهقة . قال ببساطه : انا لا اراك كذلك فأنت حقاً كائن لطيف ياه ... سرت العبارة بلطف غريب داخل الجرح القديم ، والأغرب ان تلك الأخرى بداخلي تقبلت الأمر بصمت ممتن دون ان تزمجر بشكها المريض وهواجسها التي لا تنتهي . حلم ساطع ... عيناك جميلتان .، كا لعادة ارد أي عبارة غزل ببرود : بأني اعرف ... لكني صدمت بجرأته وهو يتابع الحديث : هذا ليس غزلاً ولكنه يمكن أن يكون مكاشفة بحقيقة ، انت لا تريدين التحدث عن جمالك . آه ... دعني اخبرك عن قصة الأنوثة ، فأنا انكرتها زمناً طويلاً كحقيقة علي ان اعيشها ، لكنها كانت عنيدة بكفاية فما تنصلت مني ابداً ، وعدت اليها بعد سفر طويل ، عرفت فيه أن الكل وهم والجميع سراب وكل شيئ مآله الي زوال ، فعدت ووصلت ما انقطع واكتشفت لعبة اخرى للسخرية من الزوال والعقول الخاوية التي تعاملني داخل احتفالية امرأة فقط . كنت امضي ، ادير ظهري لكل شيئ وانا اللاعب الوحيد الرابح ، هي لعبة التجاوز ، وتكاشفنا نهاراً طويلاً عن احلامنا الخائبة وهزائمنا الصغيرة التي كانت كبيرة جداً يوم أن حدثت .. ربما لم نستطع تحديد معالمنا تماماً ولكننا احسسنا بحاجة احدنا الى الآخر . أعرف ان عنادي الفطري ربما اشتد جنونه بغتة وأوحى الي بأن لا اتصل به مرة اخرى او اعرفه بعدما نفترق وقد يكسر ذلك الجليد ، اخيراً سأمي من الناس وبرودي وتجاوزي . للتواصل سألني : أانتظر اتصالك بي ؟ قبل ان ارد بايجاب طرأت علي فكرة مجنونة لم اناقشها كثيراً ، قلتها له : ما رأيك ان تصعد معي للحافلة حتى محطتي ثم تعود بعدها الي بيتك ؟ كان يبدو مستحيلاً تحقق ذلك الاقتراح ، لكني صممت عليه ، ابتسم قليلاً وقال : حقيقة لا استطيع ، اجتاحني غضب صعب لم افسره انا نفسي ثم تأهبت للذهاب ، وقلت بحسم فاصل : انت تفضل ان انساق انا خلفك لكنك لا يمكن ان تفعلها انت ، ذهبت وانا غاضبة تركته حائراً ، بالحافلة جلست وانا اتساءل بحيرة ... لم فعلت هذا !! ابتسمت لنفسي .. أه .. انها تلك المجنونة انتصرت علي كالمعتاد . مناهل أحمد حماد مارس 1998 القراءة ... اعتمدت القاصة القص بضمير المتكلم ، وضمير المتكلم كما هو معروف يبعد القارئ عن تشتت ذهنه ويجعله منساقا وراء شخصية واحدة محددة ماسكة بزمام الأمور حركة وحوارا مما يجعل دور القارئ متلقيا لسرد قادم من شخص واحد دون عناء التركيز لتحديد رؤية الراوي أو البطل أو القارئ نفسه عندما يكون القص بضمير الغائب .. وهنا تكون القاصة / الراوي ا البطل قد خففت هذا العبء عن القارئ ليجد نفسه مهيأ للقراءة .. فأسلوب القاصة تشويقي بشكل مدهش ومحرض لمواصلة القراءة لمعرفة القادم وبذا تكون القاصة قد نجحت فعلا في أسر القارئ وحبس عيونه بين سطور سردها .. ما يجدر الإشارة إليه أن القصة بها شخصية واحدة هي البطلة / الراوية وما دار من حوار بينها وبين ذلك الشاب ليس إلاِّ وهم سيطر على البطلة في وسط رابعة النهار ليكون العنوان (نهار يهديني حلماً ) موفقا ومناسبا لحلم في يقظة ولكن القاصة استطاعت وبحنكة أن تشركنا في هذا الوهم حتى بدا حقيقة وسيطر علينا وبدأنا نتابع حوارهما بشغف وولع .. ولما نقرأ هذه العبارة ( أرهقني التجوال الطويل فجلسنا على مقعد صادفنا خالياً وحيداً تحت شجرة ) لم تقل القاصة ( أرهقنا ) التجوال بل قالت (أرهقني) .. مما يؤكد أنه ليس من أحد غيرها وما كان بصحبتها من صنيع خيالها ولكنها أي القاصة جعلت وجوده حقيقة لتشد أنفاسنا لنعرف ماذا سوف يحدث لها مع هذا الخيال / الحقيقة ونحن الذين تشبعنا بنصائح أمها لها وتحذيرها ألاّ تنساق وراء الرجال الغرباء .. إذاَ إنه حرمان نفس كبلتها قيود أعراف هي في فقه القاصة / الراوية / البطلة بالية ، وحرمان قلب يتوق لحبيب هو الآن في المنى والذاكرة .. فجاء هذا المنولوج الداخلي ولكن هذه المرة بصوت مسموع ومحسوس كشفت لنا فيه القاصة عن بطلتها وأحلامها الخائبة وهزائمها الصغيرة وعنادها الفطري وأملها في عودة من تحب .. بحق كانت القاصة رائعة جدا في سردها ، وفي تسخير ثقافتها العالية لإعطاء الحوار بعدا فلسفيا ومعرفيا مما يجعل القارئ يحس عند الانتهاء من قراءة القصة أن قراءته لم تكن للتسلية وحسب بل أنى جنى منها شيئا ما .. رغم غياب عنصر المكان في القصة قليلا إلاّ أن القاصة استطاعت أن تعطيك الخيار لاختيار المكان المناسب طالما وصلت في النهاية إلى أن الأمر لم يعدو أن يكون إلاِّ حلما في نهار .. عروة علي موسى ،،،