قصة في صورة.. وعنوانين ! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] شوق لكل جميل في الحي.. ربما يجد المغترب الذي يعيش طويلا خارج السودان صعوبة في تكييف برنامجه اليومي المختلف عن جدوله في الغربة ،اذا ما عاد للوطن في أجازة أو بغرض الاستقرار النهائى لمن استطاع اليه سبيلا ، وعلى الأقل في مراحل التجربة الأولى ! في الخارج الانسان يمكن أن يضع جدولا منتظما قد يمتد الى أسبوع أو شهر من الرتابة والمواعيد الصارمة بدقة ولو في تبادل الزيارات الخاصة بين الناس بتحديد مسبق لزمانها ومكانها وان كان البيوت! وحتي الفجائيات يتم الترتيب لها بصورة مختلفة كالوفيات فيبلغ الواحد منا بان الصلاة في المسجد الفلاني والدفن في الساعة كذا أما العزاء في نادى الجالية ما بين صلاتي المغرب والعشاء ! هنا في بلادنا الحبيبة التي نغشاها بشوق كما قالت جدتي ( كشوق الابل للحنتوت وشوق الجنيات للبنوت ) يرتبك ايقاع برنامجك في اليوم عشر مرات ويضطرب و تضطر لالغاء العديد من المواعيد المسبقة ومن يعدك بالحضور عند الثامنة يأتي في الثانية عشر والناس في كل ذلك معذورين فهم ايضا ضحايا صعوبة الحركة والمشاغل ومحكومين بالتواصل الاجتماعي المفاجيء والمجاملات العديدة في مختلف المناطق ، ودخول الضيوف دون طرق الباب حتي ، وذلك كله ملح يجعل للحياة طعما آخر ، ونكهة نستلذ لها رغم مرارة نتائجها أحيانا خاصة اذا كانت الاجازة قصيرة ومطلوب منا انجاز اشياء عديدة في الدواوين والدوائر ،فضلا عن ايفاء الواجبات للمناسبات الآنية أو تلك التي حدثت أثناء الغياب . وهي ربكة قد تزعجنا في البدء ولكننا ندمنها ونظل نفتقدها في الغربة التي يشكل ايضا انضباط ايقاعها ورتابته شيئا من القسوة وصعوبة الالتزام أحيانا ، وبين هذا وذاك تبقى وحشة الوطن والتوق لانفاس أهلنا الطيبين تتردد اصداء في دواخلنا مع صوت حمد الريح والحان ود الحاوي وكلمات شاعرنا الذي مات بشوقه للوطن الراحل عبد المنعم عبد الحي وكانت ابلغ كلماته ( شوق لكل جميل في الحي ، شوق للشينة ولو صعبة .. بين اليقظة والاحلام ..بين أجفان تقول للنام ..اريت النوم يزورني اليوم .. أنوم لو ليلة في كل عام ) ومصيره الحي يلاقي..! كنت في مقال سابق قد سكبت دمعة حنين واشتياق لأخ في الله وصديق في الانسانية ، جمعتنا سنوات الغربة وافترقنا دون وداع ولم أكن اعرف له عنوان أو هاتف، هو سيد مشهور ( أو الشريف تنجل ) ذلك الفتي الهندي الذي أسر القلوب بصدقه وايثاره وعذوبة معشره ، ولله في خلقه وتراتيب اقداره شئون وحكمة ، اذ هاتفني بالأمس وقدتقطع صوته في نوبة بكاء.. ولو لا حياء من أناس حولي لأجهشت أنا كذلك بمشاعرى الملتهبة حبا له ! ولكن الذي افرحني ، قوله لي انه جاء الامارات ليلملم بعض بقية أطرافه ،والتقينا بعناق المشتاق للملهوف صديقين بل شقيقين حميمين ، وتسابقت ومضات الكاميرا مع ارتعاشات القلوب ونبضاتها لتسجل تلك اللحظة ، التي يذوب فيها صدق الانسانية منسابا صافيا متخطيا حواجز اختلاف اللسان والمكان والألوان ..وكانت هذه اللقطة المنشورة ! ما أعظم الاخاء لله في الله بعيدا عن المصالح و..صراع قانون الغاب في زمن ..صار فيه السيف في يد الجبناء والمال في يد البخلاء والقلم في يد الجهلاء..! حمانا المولى واياكم شر سوءاته ، من زمان ولكن يظل الخير في الانسان طالما احب وأخلص لأخيه الانسان..ودامت محبتكم .. والله المستعان.. وهو من وراء القصد..