[email protected] من فطنة إياس بن معاوية قاضي البصرة على عهد الخيلفة الخامس عمر بن العزيز أنه كان في موضع ما فحدث فيه ما أوجب الخوف، وكان هناك ثلاث نسوة لا يعرفهن، فقال:هذه ينبغي أن تكون حاملاً، وهذه مرضعاً، وهذه عذراء، فكُشف عن ذلك فكان كما تفرس، فقيل له: من أين لك هذا؟ فقال: عند الخوف لا يضع الإنسان يده إلا على أعز ما يملك ويخاف عليه، ورأيت الحامل قد وضعت يدها على جوفها، فاستدللت بذلك على حملها، ورأيت المرضع قد وضعت يدها على ثديها، فعلمت أنها مرضع، والعذراء وضعت يدها على فرجها، فعلمت أنها بكر. استمعت إلى الإفادة التي أدلى بها القيادي في حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي عن حيثيات استدعائه إلى مكاتب جهاز الأمن والمخابرات غداة استيلاء قوات جنوب السودان على منطقة هجليج حيث أوضح أن معظم حديث قادة جهاز الأمن معه وعلى رأسهم رئيس جهاز الأمن السياسي وهو على ما أظن اللواء جلال الدين الشيخ الطيب الأحمر الملحق الأمني الأسبق بسفارة السودان بالرياض، ومسئول حزب الأمة بالجهاز وهو على ما أعتقد العميد صلاح الدين محمد صاغة رئيس اتحاد طلاب معهد الكليات التكنولوجية في منتصف الثمانينات إن لم تكن قد حدثت تغييرات حديثة في قيادات الجهاز وتكليفات عناصره، فصلاح صاغه قد ورد ذكر اسمه في تحقيقات سابقة مع الصادق المهدي وتحقيقات لاحقة مع عبد الرحمن فرح وكليهما من قيادات حزب الأمة. وقد أوضح مبارك الفاضل إن معظم حديث قادة الجهاز معه دار حول رؤاه حول التغيير العنيف والانتفاضة والثورة والجهاد المدني فتذكرت فطنة إياس وفراسته وقوله عند الخوف لا يضع الإنسان يده إلى على أعز ما له ويخاف عليه. المعلوم من الوطنية بالضرورة والمعروف من فقهها بالسليقة والفطرة السوية أنه في أوان الأزمات الوطنية إن أول ما يخاف عليه القادة هو الوطن وترابه ووحدة صفه وجبهته الداخلية فبعد أن يضعوا أيديهم لا شعورياً على قلوبهم ساعة الحدث حيث يكمن حب الوطن، يتجهوا لوضع أياديهم في أيادي القيادات الوطنية معارضة أو معترضة أو موالية والاستماع إلى أرائهم باهتمام والتشاور معهم بجدية حول كيفية الخروج من المأزق فيما يعد اعترافاً ضمنياً من الحكام بتحمل مسئوليتهم فيما حدث وإقراراً حتمياً بدور المعارضة الوطنية المتوقع في مثل هذه الظروف. لكن قيان الجهاز باستدعاء قيادات المعارضة لاستيضاحهم حول الثورة والانتفاضة والانقلاب وتحريك الشارع إن دل على شيء إنما يدل على أن أخوف ما تخاف عليه الحكومة في هذا المقام هو العرش لا الوطن وإنها تحسست أول ما تحسست في موضع الخوف هذا الكرسي الذي تجلس عليه. ليت قادة النظام كانوا للشعب كما كان إياس لأبيه معاوية بن قرة الذي سئل ذات مرة: كيف ابنك لك؟ فقال: نعم الابن، كفاني أمر دنياي وفرغني لآخرتي، ولكن نظامنا – أعزه الله – من الذل الذي ظل يلازمه منذ أن وقع على نيفاشا ورفع غشاوة عيون قادته عن - تلبيس إبليس- الذي ظل يتلبسهم منذ أن تعلقت قلوبهم بالسلطة والجاه. فالنظام الذي جاء ممتطياً شعارات (ما لدنيا قد عملنا نحن للدين سواء) لم يكفي الشعب أمر دنياه لكي يتفرغ لآخرته التي يزعم إن ثورته قد تفجرت من أجلها بل شغلته بأمر عيشه وتفرغت هي لتفريغ الدين من مضامينه بظلم هذا وسفك دم هذا وأكل مال ذاك وتفريق الفيء الذي حصلوا عليه من أموال الشعب على مشايعيهم والمؤلفة قلوبهم وشراء الذمم السياسية المعدة للبيع. اللهم كما شغلونا بأمر معيشتنا فأشغلهم بالهم والمرج...اللهم كما مكروا علينا باسمك فأمكر عليهم بمكر من عندك لا نعلمه ولا يعلمونه فأنت خير الماكرين.