عبدالله مكاوي [email protected] ينتمي السيد الطيب مصطفي فكريا و تنظيميا للمجموعة الحاكمة بكل ما تحمله من تكريس لحكم الفرد والحزب الواحد وإدماج الحزب كليا في الدولة أي حزبنة الدولة وإداراتها بطريقة إدارة الحزب والمريدين وتمكين الأتباع والموالين من مؤسسات الدولة وتوظيفها لأقصي مدي لمصلحتهم الشخصية والتنظيمية من غير ان يطرف لهم جفن او يلجمهم حياء او تعطلهم لائحة او قانون مع التماهي الكامل مع الرأسمالية المتوحشة في السعي المحموم للتخلص من المشاريع الإستراتيجية ألكبري والقطاع العام وتحويلهما بقدرة قادر لبعض الأفراد والجهات المجهولة الهوية بأبخس الأثمان لأنها خاسرة كما يقولون! و يتم تشريد العاملين بكل سهولة وإلقائهم في العراء بل وملاحقتهم بتحمل أعباء المعيشة الصعبة ودفع تكاليف العلاج من جيوبهم الفارغة بسبب العطالة المفروضة عليهم قسريا بعد ان رفعت الدولة يدها عنهم كليا وأصبحت يد الدولة مغلولة الي عنقها في كل ما يتعلق بخدماتهم وتقديم الدعم لهم وفي الجانب الآخر فهم معادون بطبعهم وطبيعة مصلحتهم للديمقراطية والشرعية والمؤسسية والحكم الراشد ودولة الرعاية الاجتماعية وحق المواطنة والعدالة، هذا ما يخصهم كمجموعة حاكمة ومتحكمة أما كأفراد فالكيزان بالأصالة او بالوكالة(الفراشات التي جذبها عسل السلطة من غير اكتراث للسم والفخاخ المنصوبة) فهم يتميزون بسمات عجيبة وتشكل قاسما مشتركا بينهم وأهمها القدرة الخارقة علي التبرير لكل الأخطاء من الانقلاب مرورا بالفساد والتدهور ألخدماتي المريع وصولا للانفصال وبالطبع الإجابات الجاهزة تتمثل في الكباري والطرق والجامعات لمن ما معروف! لأنها لو للمواطن فهو يعيش في كرب ورهق لا يتحمله إلا أولو العزم لتوفير أسباب البقاء فقط فمن باب أولي توفير الحرفة له لتقيه شر الحاجة والسؤال ولتدخله دائرة الوجود الطبيعي كبشر يأكل ويشرب ويتزوج ويمشي في الأسواق ، وانقلابهم كان استباق لآخرين يفكرون في الانقلاب يعني معالجة الخطأ بارتكابه! بالإضافة لاسطوانة صفوف البنزين والرغيف وضعف الحكومة الديمقراطية وغياب الأمن كأننا حاليا نعيش في احد دول الخليج او في واحدة من الولاياتالأمريكية او المقاطعات الألمانية، وهم ايضا لديهم قناعة بقدراتهم السحرية علي حل مشاكل الوطن في طرفة عين وانتباهها بسبب معرفتهم بطرق الاتصال بالسماء، فهم كذلك يحبون الاستوزار والقيادة والرئاسة حتي لو كانت للجنة صغيرة في الحي او الجامع او النادي ولو انه مكروه لأنهم الأقدر والاقوي والأكثر أمانة بالإضافة للاستمتاع بمباهج الحياة بإسراف شديد وغيرها من السمات التي يعلمها الجميع ،وهذا كله مفهوم ويشارك فيه الطيب مصطفي أقرانه ولكن المحير في الأمر ان السيد الطيب مصطفي مَثّل طفرة داخل مجموعته ليكتسب صفات جديدة حيرت المجموعة التي ينتمي إليها قبل الآخرين ليصبح حالة فريدة تستعصي علي الفهم وفق أي معيار إنساني مع قدرة عجيبة علي كسب الأعداء والمخالفين كل حين وذلك بمحاولاته المستميتة في السباحة عكس تيار الفطرة السليمة ومحاربة طواحين الهواء بحماس وطاقة هائلة، فمثلاً قد يختلف الإنسان فكريا مع نقد او سياسيا مع محجوب شريف او قد لا يقبل الشخص الاجتهادات العظيمة للشهيد محمود محمد طه ولكن من الصعوبة بمكان التنكر لنضالاتهم ومواقفهم المشرفة في حق الوطن والمواطنين وترفعهم عن المغانم وعدم المساومة في قناعاتهم ومبادئهم لان كل ذلك أصبح معاش ويمشي بين الناس كضوء الشمس الذي يستحيل إخفائه بصياح الطيب مصطفي او تهجم منبر السلام العادل(التسمية عادة للتضليل والإنكار لإبعاد شبهة الظلم وشبق الحرب المتغلغل في نفوسهم عنهم بإستراتيجية التسمية المضللة) ويقودنا ذلك لتتبع العقلية التي تحرك الطيب مصطفي فهي عقلية مأزومة و عكسية او معكوسة تملك قدرة فائقة علي إعادة إنتاج وتشكيل المعلومة/الفكرة /الخبر وإخراجها بصورة مغايرة لحقيقتها بحيث تتماشي مع رغباته، وتضاعفت المأساة بملازمة هذه العقلية لنفسية مشوهة تعاني من الكبت والعنصرية وتضخيم الذات وبالتالي أصبحت تتوهم بأن لها دور رسالي يتمثل في الدفاع عن الدين والعقيدة لإكمال دور الصحابة الأجلاء الذين حملوا عبء الرسالة في بداياتها علي أكتافهم (لذلك يتمسك بعروبته القسرية) وأحيانا يؤدي دور المخلص الذي يسعي لنشر الخير والفضيلة والعدل في الأرض بعد أن ملأت جورا وفسادا وانحلالا من قبل الحركة الشعبية وأشباه المتدينين والعلمانيين والملاحدة والكفرة والجنوبيين ومن يمشي في ركابهم وبالتالي تقع عليه مسئولية تحرير دولة السودان من الضلال لبعثة دولة الإسلام ألكبري لكي تصبح مثالا يحتذي لبقية الشعوب الكافرة او البعيدة عن دينها. وهو يعيش داخل هذه الشخصيات تلقائيا يسقط الآخر وحق الآخر من حساباته وهو جاء أساسا ليخلص الآخر من شر نفسه وبالتالي انتفت أي مساحة للحوار داخل ذهنه ليحل العقل ألوثوقي الإيماني السلفي ( الذي يقع عليه عبء إيصال صحة مفاهيمه ورؤاه للآخر الضال) محل العقل النقدي الذي يقبل الآخر المختلف ومن ثم الحوار معه، بمعني آخر تحول الآخر الي قضية/مشكلة/منبع شرور لذلك فهو أمام خيارين لا ثالث لهما إما قبول طرح الطيب مصطفي(الرسالي /المُخلِص) وبالتالي النجاة وإما الاجتثاث من ظهر الأرض لتطهير المقدس(العقيدة/الأرض/العِرض/ والمحصلة السلطة) من دنس الآخر لتصفو البلاد للسيد الطيب مصطفي ليقيم فيها تصوره للحكم وشكل الحياة (دا لو فضل فيها حياة!) لإكمال رسالته المقدسة. وعن طريق الإسناد العائلي والمالي والسياسي تمكن الطيب مصطفي من التحكم إعلاميا وسياسيا وذلك عبر التحكم في التلفزيون سابقا وامتلاك صحيفة لها مطلق الحرية حاليا وحزب يمثل واجهة سياسية ويكمل به حلقات السيطرة ومن خلال هذه التسهيلات والمنافذ وجد الفرصة للتعبير عن خطابه الأجوف المتعالي والخالي من أي مضمون مفيد والمكرر الذي يرتكز علي الثلاثية الثابتة وهي مهاجمة الحركة الشعبية وشيطنتها والإساءة لرموزها بمناسبة ومن دون مناسبة وتحويلها لشماعة تعلق عليها كل الإخفاقات إضافة لحملها مشروع استئصالي تآمري يتغذي من الخارج والأمر الثاني الخوف المتوهم علي العقيدة والإصرار علي ترحيل هذا الخوف للآخرين ليلتفوا حول أوهامه ويدعموا هذه الخزعبلات وثالثا الدفاع المستميت عن هذا النظام وخاصة مؤسسة الرئاسة والذي في حقيقته خوف علي مصالحه الشخصية التي وفرها له هذا النظام الذي اتبع طرق وعرة في السيطرة علي مقدرات البلاد عن طريق التأسيس للفساد وإلباسه ثوب العادية ليسهل التعايش معه داخل المجتمع كممارسة طبيعية بل أحيانا يعبر عن الشطارة والفهلوة والسعي لخلق قيم جديدة داخل المجتمع السوداني تتماشي مع مصالح النظام وتضمن له الاستمرارية الي اجل غير مسمي برضي المجتمع الذي يتعرض لتجريف شديد وممنهج يطال أفضل ممسكاته وركائزه التي تحمل روح الأصالة والتسامح والتكافل والنخوة والأمانة وغيرها لتأخذ مدلولات معاكسة لما تعارف عليها مع استمرار حالة التضييق والفقر المدقع المفضي للسقوط. هذه الظروف أوجدت البيئة المثلي لظهور نموذج الطيب مصطفي الشاذ والمخالف و المعادي لطبيعة المجتمع السابقة ومما ساعده علي هذا الظهور الكارثي غياب او تغييب الرموز الإعلامية الموهوبة والمبدعة بعد بدعة الصالح العام ويا لبؤس التسمية والتمكين والإحلال والانقلاب ألقيمي والتقيمي داخل مؤسسات الإعلام المسيطرة بالإضافة لقابلية الطيب مصطفي نفسه للاستفادة من هذه الأجواء بتشوهه الذهني والنفسي ليصبح مثل أشجار الدمس(كما يسميها السودانيون وهي أشجار تنمو بسرعة شديدة عندما تتوفر لها المياه بصورة غزيرة) لذلك يجوز ان نصفه بالرجل الدمسي الذي امتصت جذوره أموال وثروات البلاد وتطاولت وتشابكت أفرعه لتملك كل الفضاء وليحتكر الحاضر والمستقبل ولا يكتفي بهما ولكنه يبشرنا بمعرفته بأفضل الدروب الموصلة للآخرة نفسها وهو يعتقد بكل ارتياح أن ما يقوم به مجاهدات ستكتب في صحيفته البيضاء، ولكن مهلا يا ود المصطفي ان ما يدور في ذهنك مجرد توهمات وضلالات ومحن أوردت البلاد موارد الحروبات والفتن والانفصال والخراب وتنذر بذهاب ريح البلاد نفسها وضياعها في عالم المجهول الذي تقودنا اليه، ولكن لحسن الحظ ما زالت بلادنا تذخر بأبنائها العقلاء والأوفياء الذين يؤمنون بدولة المواطن والوطن الذي يسع الجميع ويرعي حقوق المواطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، و بالرغم من صعوبة المشوار وقلة الزاد إلا أن وضوح الرؤية وقوة الإرادة كفيلة ببلوغ اليوم الموعود. قبل الوداع انتقدنا كثيرا الحكومة بسبب تحرشها بحكومة الجنوب وكل ذلك خوفا علي البلدين من الحروب العبثية التي لن تحل مشكلة ويدفع ثمنها أبناء البلدين الغبش من دمائهم وراحتهم ومعيشتهم ومستقبلهم ولإيماننا بالحوار كوسيلة وحيدة وفعالة وحضارية واقل كلفة لحل الخلافات في كل مكان، لتفاجئنا حكومة الجنوب بدخول هجليج وتفجير الوضع المتأزم أصلا وتعريض البلدين لحرب شاملة تقضي علي الأخضر واليابس وهذا التصرف يدل علي قصور النظر وضعف الخبرة لدي حكومة الجنوب لأنها بهذا الموقف أضعفت حججها التي تستقطب بها تعاطف الآخرين و المجتمع الدولي وخففت الضغط علي النظام في الخرطوم وأكسبته حجة مجانية ودعمت متعهدي الحروب في كلا البلدين، وأثبتت بما لا يدع مجال للشك أن الأزمة في حقيقتها هي أزمة حكم في كلا البلدين، وهو حكم فشل في دفع استحقاقات الشعوب في المشاركة والتنمية والعدالة ولجأ للهروب الي الأمام بافتعال الأزمات غير مكترث بنتائج هذه الأفعال علي ألمدي البعيد وعظمة التكاليف التي تدفعها الشعوب المغلوبة علي أمرها ، وليؤكد أن الهوة مازالت كبيرة بين وعي الحكومة بواجباتها ووعي الشعب بحقوقه ذاك الوعي الذي يجسر المسافة و يحافظ علي العلاقة السوية والشفافة بين الحاكم والمحكوم.