[email protected] لم يك من المأمول أن يصل الغضب او الحماس باى انسان درجة تقلب قضيته التى ينافح عنها من كونها قضية وطنية يتشارك كل الوطنيين فى الزود عنها الى مجرد حرب بين نظامين المنتصر و المنهزم فيها نظام الحكم على اية صورة جاء فهو لا يجسد كامل الارادة الوطنية . و لو ان هذان النظامان شمالا و جنوبا حملا عدتهما الحربية و ساقا انصارهما و ادارا معركتهما خارج حدود الوطن التى تتشارك فيه اطياف سياسية و اعراق عديدة و تقاتلا ما شاء لهما القتال لما تدخل بينهما احد حتى يهلك احدهما الاخر او يقولا معا "الروب " والقادة فى الجنوب اقالوا إنهم ليس لديهم أي مشكلة مع الشعب السوداني، وعلى المواطنين السودانيين الاطمئنان. و كذلك فعل قادة المؤتمر الوطنى فى الشمال مع الجنوبيين . الا يؤكد ذلك تقتال القيادات فقط ، لو فعلا ذلك فليس فيه ما يؤرق اى ضمير وطنى مخلص لتراب وطنه . و لكن عندما يشتط هذا الحماس او تلك الغضبة الى درجة ان يتماهى الحاكم مع كل مكونات الوطن و يجيّرها لصالح بقائه او زواله عن كرس السلطة فهذا هو الغضب فقط بعيدا عن الحكمة و الواقع . وقد عرفت البشرية منذ الازل أن الغضب وحده ليس كافيا لنيل المراد اوتحقيق مايعتمل فى النفس من رغائب و رغبات و هو طريق مسدود . ترى ماذا يقول الطيب مصطفى فى ما اكده الرئيس بانه إما المؤتمر الوطنى او الحركة الشعبية فى حكم السودان بكامل حدوده الجغرافية قبل الانفصال. و تأكيده العزم أيضا على تحرير الجنوبيين أنفسهم من حكم الحركة الشعبية التى قال انها مجرد" حشرة " و هذا النعت الاخير مما يروق سماعه للطيب مصطفى . و لو تحقق هذا الوعيد و تحقق انكسار الحركة الشعبية و هزيمتها او لم لم تنجح حملة المؤتمر الوطنى الانتقامية فهذا يعنى بالضرورة عودة السودان القديم واحدا موحدا ومتحدا تحت حكم احد المنتصرين إما المؤتمر الوطنى او الحركة الشعبية حسب نتيجة المعركة او المعارك - فما اقل الاعتبار- بالطبع هذا سيناريو مستحيل التحقق بواسطة قوة السلاح . و لكنه السلام سهل التحقق فى حال انقشاع كلا المتقاتلين او إرتدادهما لحكم العقل و الفطرة السليمة . وفى كل الاحوال فانه لا الحرب سوف ترضى قائد منبر السلام العاقر ما لم يضمن زوال الحركة و المؤتمر معا .و لا السلام ما يؤمن به حاضرا و مستقبلا حسب عقيدته الصفوية والعرقية . و فى كل الاحوال هو ضائع لو ادرك ذلك ام لم يدرك . هو ضائع داخليا لأنه لا يعجبه العجب فى المؤتمر الوطنى و اعلن مرارا أنه أجدر منه فى قيادة الدولة الرسالية و لو لا صلة الدم بالرئيس لسمع منه ما لا يعجبه، و لان المؤتمر الوطنى قد اقرّ بعدم امكانية تطبيق حكم الشريعة فى الجنوب كما وٌّقّع علي ذلك فى نيفاشا و ما هو مكتوب فى سطور الدستور الان . و ما زال لم يطرح ما ينفى ذلك حتى لو سحق الحركة الشعبية . مما يعنى انه ليس من المؤمل ان يطبقّها فى حال سحقه للحركة الشعبية لإعتبارات ما قد يستجد فى موازين القوى او تقديرا لفقر الدم الذى سيصيبه نتيجة المعارك .اما اعلان الجهاد المرفوع اليوم فهو تكرارا للجهاد الذى قاد الى اتفاقية نيفاشا للذين يعلمون . او لاسباب ما يطرأ على الوضع السياسي من تغيير الموازين وإستجابة لترميم ما تشقق منها فى محاولة قد تكون ظرفية لإسترضاء كل المتساكنين فى بلد المليون ميل مربع العائد رغم كيد الاعادى . و لكن السناريو لن يكتمل على هذه الصورة الافتراضية البسيطة . فتجارب الحرب و السلام و تبرعم بعض الافكار العنصرية و تغييب مفهوم الوحدة و السيادة الوطنية لا بد ان تلقى بظلالها القاتمة على ظهر النظام المنتصر حربا . فعلى افتراض ان نظام الحكم فى الجنوب انهزم هزيمة نكراء و زالت الحركة الشعبية من الساحة السياسية . هل يعنى هذا استسلام كل الجنوبيين و دفعهم الدية عن انف و هم صاغرون كما كان الطيب مصطفى و جماعته يمنون انفسهم ؟ أم انهم سوف يعودون مرة اخرى الى ذات سيرة الحرب التى دامت عقودا دامية من الزمن حتى جاءت اتفاقية نيفاشا ؟ المرجح ان هذا هو الاقرب للتحقق فى وسط الساحة التى يبرطع فيها دعاة الحرب و التخوين لدعاة السلام . و لان السلام للبناء و الحرب للهدم فما اكثر العاجزين عن البناء . فهل هذا ما يطلبه السودانيون شمالا و جنوبا ؟ يبدو ان الغضب او الحماسة التى دفعت بكلا المتحاربين للوصول لاقصى درجات التباغض و كشف الاوراق سوف تفرض على العقلاء سيل من الاسئلة عليهم الاجابة عليها بروح و حس وطنى متجرد إن لم تسرّب الى نفوس كل المواطنين اليأس فيحزموا جميعا امتعتهم و يغادروا الوطن شمالا و جنوبا . و عندها ليبحث الحكام الحربيين لشعب يحكمونه بذات العقلية الحربية . لو ان ذات الطغم الحكمة لم تتحارب حتى العجز عن مواصلة الحرب و لو انهما لم يجلسا و على مدى عام كامل و قتلا كل جوانب الخلاف بحثا و دراسة و تقصيا ووقعا برضاء كامل اتفاقية وقف سيل الدماء و هدر الامكانات ، لوجدنا لهما فرصة تجربة الحرب . و لكن ما القول فى من يعتقدون انهم الدولة و الدولة هم فى تغييب متعمد او غافل لكل مكونات الامة و تعدد طموحاتها و طرحها الفكرى و احقيتها فى المشاركة فى تسيير دفة الدولة للصالح الوطنى العام .وخزلانها بتبديد فرحتها بالسلام على الصورة التى جاء بها ؟ لماذا لا يقر المتقاتلان الحاكمان شمالا و جنوبا بفشلهما فى تحقيق امانى و تطلعات شعب السودان فى كل حالاته عندما كان واحدا وتشاركا فى ادارته و عندما انفصلا و حكم كل منهما الجزء الخاص به عرقيا؟ .المراقب الامين يؤكدان كل الشعب دفع دفعالتسديد فاتورة الحرب المالية و الدموية و لقبول تقرير المصير و دفع الجنوبيون دفعا لاختيار الانفصال تحقيقا لرغبات بعض نخبه العمياء و التى إلتقت مع العماء الذى يحكم قبضته على بعض النافذين شمالا و اصحاب الاجندة العرقية من العنصريين فاقدى الهوية و زائفى العقيدة . الحرب ليست نزهة و ليست ميدانا لتزكية الغضب الانفعالى و قد جربها المتعاركان و عودتها تحت اية راية معناه غياب الحكمة و إدمان الفشل . و لن تكون غطاءا يحجب المحاسبة على اجتياح هجليج . [email protected]