[email protected] لا تمنح الجوائز للنهر لأنه يجري .. و لا للجامعة حين يتخرج فيها الطلاب، أو حين تستحدث بوابة إلكترونية أو حتى خشبية.. و لا تمنح لمسؤول “جعظري" بلغ سن التقاعد، و لم ينجز، طوال مسيرته، سوى التوقيع في سجل الحضور و الانصراف، بل تمنح لشاب احترق غبنا من شح المياه، ازدحام المدن، البطالة، الفقر، الطائفية، والفساد. وكأنه استشعر المستقبل... فتواطأ مع ذلك في مغزى الاستقراء، واضعا جملة مفيدة للمُقبل حين كتب توفيق الحكيم فصلا في ثنايا كتابه: “ثورة الشباب"، تحت عنوان “قضية القرن الواحد والعشرين".وهنا، أورد على لسان شاب أمريكي اتهم بالتخطيط لنسف تمثال الحرية بنيويورك، وذلك بعد أن كان القاضي قد اتهمه بجريرة تغيير المجتمع بالعنف: “نعم، إذ مما ينافي الكرامة الإنسانية أن يبقى مثل هذا المجتمع ليراه القرن القادم". ولما سأله القاضي مجددا: “ولماذا الشباب هم المعنيون بالثورة؟" فنّد الشاب: “ لأنهم هم الذين سيشاهدون القرن الواحد والعشرين .. ويريدون أن ينقلوا إليه مجتمعا نظيفا.. هذه هي القضية لا نسمح نحن الشباب لهذا المجتمع الفاسد أن يتخطى أعتاب القرن الجديد، سنفعل كل شيء كي نمهد للقرن الجديد بأفكار جديدة". ألجمتني قراءة الحكيم في ثورة الشباب في القرن الواحد والعشرين، وفي ذات الوقت أخطأ التقدير، فقد حدثت الثورة الشبابية وتحدث اليوم في قلب العالم العربي، وليس في الولاياتالمتحدة. ترى، هل غيّر" البوعزيزي" مصائر العرب حين تدثر بالنار.. هل ساق “عربة خضار" القدر؟ مورّثنا موازين وأثقال كافية نزن بها المستقبل؟. قبض على جمر راحته فتفصد مدلول كبير، وفي الأخرى دم عاصف، .. فهرول المطر صاغرا إليه، ولم يك للخوف نصيب في حريقه الاحتجاجي حين كان التوجس على خبز الأسرة، دقيقها، زيتها، عرسها ومأتمها. ترى، كيف أحكم معاييره بين الماء والنار، .. ماذا تبقى من متفحم جسده؟.. أهي الروح؟ .. وما الذي سكن القبر؟ أهو الرمز؟ أم صرخة حبيسة في الجسد التعب، وزنزانة السجان،.. أمِن غصة في الحلق؟. أضرم البوعزيزي النار في تاريخ جوعنا الطويل، .. مسغبتنا المتوارثة، .. تجهيلنا المقيم، .. وسقمنا القديم، وصرخ في رابعة النهار : ملعون في دين الرحمن من يسجن شعبا .. من يخنق فكرا .. من يرفع سوطا.. من يسكت رأيا..من يبني سجنا.. من يرفع رايات الطغيان، وصمت بعدها. وقتها، من يدين لا تستريحان، .. من عربة خضار متهالكة، .. أتى الطوفان. هل كان في ليبيا كل هذا الغضب، .. هل حقا كان هذا الشعب هو ذات الشعب، .. أين وأين وأين كانت هذه السواعد الشابة ..؟ ظننا أن القذافي وجد ليبيا صحراء وقاعا صفصفا، فأحياها بشعب اشتراه بمال النفط، إذ لم نك نرى في البلاد متحدثا غيره، مهرطقا غيره، مختل غيره. كان يخطب وحده، ويمشي وحده، ويركض كالوحش في الصحراء وحده متأبطا كتابه الأخضر الذي أوحى به إلى شعب المختار الذي تربى على أدب السجون ووطّن تاريخه لفصوله. ثم اعتلى عرش ملك ملوك أفريقيا وزمجر: أليس يجري من تحتي نهري العظيم، ومن حولي كل هذه الآبار؟ .. فلن تروا إلا ما أرى .. وما أعلم لكم من رمز للحياة غيري. أين كنتم يوم صنعت ليبيا؟.. لم يع القذافي أن العالم يتغير بسرعة، وإذا كانت السلطة قوامها الشرعية، فهي في نموذجه، مانعت الاستجابة لمطالب الشعب وحاجات تقدمه نحو الحرية والكرامة، بعد أن أصبح احترام حقوق الإنسان أحد أهم المعايير الدولية لقياس تقدم الدول, ومن ثم فإن أي انتهاك لها يعرّض الدولة المدانة لضغوط وإدانة دامغة من المنظمات العالمية ومن المجتمع الدولي. وفي المقابل، كأن سقوط القذافي سيؤدي إلى منعطف دراماتيكي في السياسة الغربية. إذ خبر العرب رهان أنفسهم في تعاكس مع نظرية “نهاية التاريخ" التي ترفض فكرة الحتمية التاريخية، وترفض أيضاً فكرة التكرار الدائري في السياسة الدولية، لأنها أخفقت في قراءة مستقبلهم ومراوحتها دائرة التهليل لما حدث في الواقع الدولي أكثر من كونها تقدم تحليلا شاملا لواقعهم. مصر.. يا أمّ الدنيا، هذه الزفّة لك، .. الدفوف ورقصة الدراويش، لتستقيمي على الأرض التي تدور، وأشعلنا الشموع في الحسين. ياطيور النيل ونوارس المتوسط، .. يا أصوات الباعة، الخبز والبرسيم و “ طق حنك" الرواة، .. الفلاحون والعمال “والحرافيش".. إن توقف كل شيء مع بداية الحدث المصري، فالأمر لم يك فقط حركة متظاهرين، بل مجموعة أسئلة أحاطت الواقع العربي، وربما دفعت المؤسسات الرسمية أو تلك الخاصة بالمجتمع المدني للتفكير في مستقبل لم تتضح معالمه بعد أن ينتهي الحدث، فالمراجعة اليوم هي في اتجاهين: كيف ستدعم تلك المؤسسات تطور تلك الظاهرة ، والاتجاه الآخر كيف ستستفيد من التجربة. ربما علينا فهم الظاهرة المصرية من جديد، فهي حركة الأجيال الجديدة، وهي ستحمل معها تشكيل نوعي بشرط واحد مرتبط بنوعية التفاعل معها، فالمسألة ليست “استنساخ" للثورة بأماكن أخرى، وهو ما يتم الحديث عنه على الأخص في التحليلات الأجنبية. إنما بالنظر للثقافة التي طرحتها واعتبار أن التحول الذي يمكن أن يحدث هو في النهاية نتيجة رؤية جديدة تعامل معها الشباب وكانت قادرة على الانتشار. صنعاء .. طفلة القبائل المدللة، .. يا تاج بلقيس المرصّع بالأرواح، .. لم يعد لوضاح ذلك الوجل. خنجرها على الخصر، لكن صوتها أمضى من شرر الحناجر على شواطئ عدن. آهِ، أيها السعيد آه، أيّ حليب رضع أطفالك، .. وأي مهد كان أرجوحة الزمان؟ .. سنقلب التاريخ على وجوهه ونعثر على الإجابة بعد أن أدرك الراحلون أن أحد مشاغل عالم اليوم تتلخص في التحول المؤسسي القائم على مجموعة قيم عالمية: الديمقراطية، حقوق الإنسان، التداول، والحكم الصالح. حين يدفع هذا التحول الحكومات إلى الانتقال من شخصنة السياسة ، إلى مأسستها، وربط مصير الخلق والمجتمعات وعلاقتها بمدى حيوية المؤسسات وتكيفها للتعاطي مع التروس الكوكبية. جُلّق الشماء .. تسأل أمها : أين مهدي الخرافي، أرجوحة النوم على إيقاع دجلة .. كيف أغفو على هدهدة القتلى ؟ إن انحسر حراك الفعل الجماعي في المجتمع السوري يوما.. وتمخض ذلك، في البدء، عن احتجاج الأقلية المعارضة “الاستحيائي" في مواجهة الفئة الحاكمة، مرد ذلك إلى الشرط المثالي والبيئة الحاضنة للاستلاب العام، فضلا عن حامل فيروس احتجاج الأقلية، وهو الطبيعة السياسية القمعية للسلطة السورية، كما أن هناك السيطرة الجوارية على مقدرات الواقع السياسي في البلاد، جميعها استقدحت احتدام الفعل الجماعي. الاحتجاج الذي تمارسه الأكثرية في المشهد السوري الآن، ترفده مظاهر الإحساس بالعجز، قلة الحيلة، وضيق السبل، فاستحال هذا العجز، من احتجاج وهو سلبي إلى الانفجار الجمعي، وإلى مناهضة مقننة الإيجاب، من حلب إلى إدلب، وتكفيرا عن تقاعس الاحتجاج السلبي في السابق، إلى مبلغ المناهضة الجمعية حتى مباني جامعة “الجزر" العربية. ( أخبار اليوم) - - - - - - - - - - - - - - - - - تم إضافة المرفق التالي : My pic543.jpg