[email protected] أستطاع الأنسان وبفضل تقدم العلم ومنذ وقت طويل أن يضع قدميه على سطح القمر، بعد أن كان الشعراء يتغزلون فيه ويعتبرون الوصول اليه من سابع المعجزات .. ثم أنطلق العلماء الى ابعد من ذلك نحو المريخ وغيره من الكواكب وأجروا العديد من التجارب والدراسات فى جوانب عديده معقده وحققوا نتائج مذهله، فى الذره والطب والأستنساخ والأتصالات، فهل صعب عليهم أن يخضعوا للدراسه أنماط مختاره من هذا الجنس البشرى (الغريب) المسمى بتيارات (الأسلام السياسى) الذين قبحوا هذا الكون، لكى تبين لنا تلك الدراسه هل ينشأ (هؤلاء) بصورة طبييعه وترضعهم أثداء حنونه كما ينشأ كافة الأطفال الأسوياء فى العالم؟؟ وهل يأكلون من مال حلال أم حرام؟وهل يتعرضون لعنف وقسوه فى طفولتهم لذلك حينما يكبروا يصبحوا ديكتاتوريين ومصاصى دماء وكارهين لمجتمعاتهم وللجنس البشرى كله ولا يؤمنون بالديمقراطيه والعدالة المساواة مع الآخرين الا بالقدر الذى يجعلهم مستحوذين ومهيمنين على على كل شئ؟ هل القرار الذى اتخذ (والى النيل الأبيض) بطرد (الجنوبيين) وهم من اصلاء السودان، على ذلك النحو يعكس عن وجود (قلب) انسانى داخل صدر ذلك الرجل؟ وهل عبارة أديبنا الراحل الطيب صالح (من اين أتى هؤلاء) قبل أن يدخل فى (خرف) مبكر، كانت تعبيرا حقيقيا عكس أستغرابه لتصرفاتهم وأفعالهم المدهشه؟ هل يعقل مثلا أن يحكم شخص على أخيه بالجلد ويتلذذ بذلك الفعل ، ثم تجده يمارس نفس الفعل الذى حكم به على أخيه؟ هذا الأقتراح خطر على بالى وأنا ارقب تصرفات هذه الجماعه المنتميه لما يسمى بالتيار الأسلامى فى السودان ومصر، فلا أجد اختلافا بينهما. فحادثة التعدى على (الكنيسة) أو مكان صلاة المسيحيين فى (الجريف) يجب الا تمر مرور الكرام والا يسكت عليها المثقفون وحملة مشاعل الوعى والتنوير فى السودان ويجب أن تواجه بالشجب والأدانه وبالحجم الذى تستحقه، لأنها حادثه خطيره لا تشبه ثقافة اهل السودان الدينيه القائمه على الوسطيه والتسامح والأعتدال والتى أدخلها فى بلادنا المتصوفه الأوائل، ولولا التصوف (النظيف) لما عرف أهل السودان (الأسلام) ولما آمنوا به لأنهم قوم لا يمكن أن تفرض عليهم الأشياء (عنوة) حتى لو كانت دينا، وكنت مستغربا ومندهشا جدا للمرشح المصرى (الأسلامى) لرئاسة الجمهورية الدكتور (محمد سليم العوا) وأنا اشاهده واستمع اليه هو يتحدث فى انبساط وسرور ودون أدنى شعور بالحرج، قبل الثوره المصريه على قناة (الجزيره مباشر) مرددا فى أكثر من حلقه بأن مصر (فتحت) على أيدى المسلمين .. هكذا (فتحت) وأحيانا كثيره يبتسم بعد أن ينطق لسانه بتلك العباره.. فالسودانيون عرفوا الأسلام وأعتنقوه بعد أن عرفوا المسيحيه من قبله، لكن (المسلمون) لم يفتحوا السودان وما كانوا يستطيعون ولم يفرضوه على أهله وقد كانوا قوما اشداء أقوياء يجيدون ضرب النبال، لو فكر أى انسان أن يفرض عليهم شيئا لقاتلوه حتى اليوم. وأعتناق الدين عند اسلافنا كان بمفهوم السيده الصوفيه ((رابعه العدويه)) التى قالت ((انها لا تعبد الله طمعا فى جنته أو خشية من ناره وأنما حبا فيه)). وكنا فى السودان حتى وقت قريب نفاخر الأمم بشكل التسامح الدينى المتوفر فى بلادنا والظاهر فى سلوكايتنا داخل وخارج السودان، ولذلك كان السودانى يقترن (بالطيبه) حتى حل بوططنا مجروحى الذات هؤلاء، الذين يظهر اللؤم على وجوههم وأن اخفوا ذلك بابتسامات صفراء مصطنعه. فى (ابى ظبى) كان لنا صديق وجار سودانى (قبطى) من ابناء مدينة ود مدنى، دعانا أكثر من مرة خلال شهر رمضان للإفطار فى منزله، وكنا نلبى طلبه بسعادة وسرور ولم نشعر قط بادنى درجة من الحرج من ديانته أو اننا نفطر فى بيت أنسان مختلف عنا .. وكان صاحبنا يعد المائده على الطريقه السودانيه ويجهز برش الصلاه، وقبيل الأفطار بدقائق يفتح (التلفاز) على قناة يقرأ فيها القرآن بصوت عال وكنا نشعر بأنه يتمنى سماع صوت الأذان أكثر منا، نحن الصائمين رأفة بنا لا استعجالا لتناول الأفطار. أما ثقافة تحقير اصحاب الديانات الأخرى وارهابهم والأساءة اليهم والأعتداء على دور عبادتهم وكل هذا الشطط الذى نلحظه هذه الأيام، لم نعرفه قبل أغتصاب السلطه فى السودان بواسطة (العصابه) الفاسده التى تلتحف الدين وتتدثر به ولا تعرف منه غير القشور .. ومصدر تلك الثقافه الأساسى جماعة الأخوان المسلمين خاصة الشريحة (المتطرفه) منهم أن كان من بينهم معتدلين، وهو فكر وفد الينا من (مصر)، واختلط بفكر (سلفى) اشد منه تطرفا وأنغلاقا ويقوده متشددون على شاكلة (عبد الحى يوسف) الذى يروج لفكر دخيل كذلك على أهل السودان لم ينبع من أرضهم الطيبه . ومثل حادثة كنيسة (الجريف) تكررت كثيرا فى مصر قبل الثوره وبعدها وغالبا ما تقيد البلاغات والشكاوى ضد مجهولين ولا يفصل فيها بصورة حاسمه تردع المعتدى وتبطل شروره. وبذات الصوره وكما بدأ السودان يعيد انتاج فعل مصرى قبيح، تمثل فى الأعتداء على دار للعباده خاصه بأصحاب ديانة أخرى، فمصر كذلك بدأت بعد الثوره المصريه فى اعادة انتاج سلوك سودانى ظهر مع بدايات انقلاب نظام الأنقاذ الكوؤد. حيث بدأ جليا الأهتمام بالجانب (المظهرى) لا (الجوهرى) للدين، وكما عرف السودانيون (اللحيه) التى سميت (دعونى أعيش) ولا زال الكثيرون يعتمدون عليها فى تسيير امورهم وقضاء حوائجهم والحصول على قروض بنكيه وتسهيلات جمركيه، مع ان كثير من الذين يعفوها لا يصلون أو يصومون بل أن بعضهم يعاقر الخمر ويلعب الميسر وما خفى أعظم، لكنهم يؤيدون المؤتمر الوطنى ولا يرون له بديلا لحكم السودان، كذلك خالف بعض الضباط والجنود فى (مصر) التعليمات المهنيه وأخذوا يعفون لحاهم، وكأن (اللحية) هى الدين ولا شئ غيرها. ومن جانب أخرى يصر أنصار الشيخ السلفى (ابو أسماعيل) على عودته لسباق الرئاسه رغم المستندات والوثائق الى كشفت جنسية والدته الأمريكيه، بدلا من مطالبته بألأعتذار والتوقف عن الأعتصام، طالما كان القانون ينص على ذلك. وهذه الشريعه .. وتطبيقاتها التى تستعجلها تيارات (الأسلام السياسي) فى مصر مثلما استعجلها رفاقهم فى السودان، سوف تجلب على مصر الكثير من المصاعب والويلات. فحتى اذا استبعدنا الرؤيه الصحيحه التى تفصل بين (الأسلام) و(الشريعه) والتى تقول أن احكام الأخيره نزلت فى ظرف تاريخى محدد لقوم بعينهم وفق احتياجات محدده ومن الصعب أن تعاد تجربة تطبيقها بذات النجاح فى المجتمعات الآنيه . حيث لا يوجد بيننا الآن من هو فى قامة النبى (محمد) صلى الله عليه وسلم، ولا فى قامة صاحبيه (ابو بكر) و(عمر). ثم من هو ذلك الحاكم العادل فى عالم اليوم الذى يستطيع الوفاء (بحد الكفايه) لجميع شعبه ثم يبدأ بتطبيق الشريعه؟ وهل يسمح المجتمع العالمى فى العصر الحديث الذى تتعامل معه الأنظمه التى تدعى بأنها (اسلاميه) وتلجأ له قياداتها حينما تضيق بهم الحياة فى بلدانهم، بكفاره شرعيه مثل (عتق) رقبه، التى تؤكد وجود فعل قبلها وهو (الأسترقاق) والأستعباد للآخرين حتى لو هزموا فى حرب وقتال؟ وبدون الخوض عميقا فى توضيح الأختلاف بين (الأسلام) الذى يشتمل على قيم رفيعه وغير متنناهيه ويسمح للأنسان (بحريه) مطلقه لا تحدها سوى المسوؤليه الفرديه للأنسان ومستوى علمه وفكره والآيه تقول (فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر) و(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وبين (الشريعه) التى تمنح الأنسان (حريه) محدوده ولكى يمنح تلك الحريه المحدوده لا بد أن يكون (مسلما) .. أما اذا كان غير مسلم فهو مخاطب بهذه الآيه "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم". مرة أخرى بدون الخوض فى تلك التفاصيل التى تحتاج الى مجلدات، لماذا لا تتواضع (تيارات الأسلام السياسى) وتعترف بجهلها وأنها ليست اكثر علما من باقى (المسلمين)، فتدخل مجال السياسه وفق (برامج) دنيويه تستند على تجارب الفكر الأنسانى وفى ذات الوقت (يلتزموا) فى أنفسهم قيم الدين وأخلاقه، فيمنعوا انفسهم عن الفساد وعن تقبل الرشوه ومنحها وأن يتعاملوا مع الآخرين بصدق لا بالكذب واظهار التكالب على المناصب .. ان يكونوا اطهارا تعرفهم بافعالهم لا بمظاهرهم فيقال ان النائب فلان أو الوزير فلان اخلاقه سمحاء وأنه طاهر اليد واللسان ، لأنه يلتزم الأسلام. آخر كلام: ظن مسار أن منافقته للنظام ووقوفه مع (العصابه الفاسده) ضد اهله المهمشين سوف يعصمه، فهل يستفيد من الدرس باقى المنبطحين فى الأحزاب والحركات التى باعت قضية الوطن؟