[email protected] منذ مدة ليست بالقصيرة، أصبحنا نسمع، كلمة حكومة، تخرج من أفواه الكثير، والكثير هؤلاء، حتماً فيهم نسبة كبيرة، من منسوبي النظام، وهذا شيء طبيعي ومفهوم، أن يطلقوا على إنفسهم كلمة حكومة، لكن ما هو غير طبيعي ومفهوم، أن نقرأ ونسمع هذه الكلمة تخرج من أقلام وأفواه من يتحدثون بأسم المعارضة، ولعل هذا الأمر يلاحظه المتابع، للصحف والمواقع السودانية في الشبكة العالمية أي الانترنيت، والحوارات عبر الفضائيات التي تستضيف ممثلي النظام، والمعارضة أو المحسوبين عليها وما أكثرهم، مما يجعل المرء يتساءل، الى هذا الحد نجح النظام في تسويق نفسه للناس ..؟ للدرجة التي لم يعد معها، يفرقون بين كلمة نظام، وحكومة..؟ حتى بين صفوف من يدعون المعارضة..؟ إن إطلاق كلمة نظام وليس كلمة حكومة، على نظام الإنقاذ، في تقديري، هو الوصف الصحيح، وذلك تحتمه المسؤولية الوطنية والأخلاقية، ومبدأ وصف الأشياء بأوصافها وأسمائها. فشتان بين كلمة نظام وحكومة! لكن الغريب في الأمر حقاً، هو بعد كل المدة الطويلة التي قضاها النظام متربعاً على سدة الحكم، بلا شرعية لمدة ناهزت الربع قرن بلا مكاسب أو إنجازات للشعب، بل كانت مليئة بالجرائم والتجاوزات بحق الملايين من أبناء وبنات الوطن، عسكت طريقة مجيئه، وأدارته غير المسؤولة للأمور في البلاد، كما شكلت حيثيات ووقائع عرت الشعارات الزائفة التي أطلقها، لكن يبدو للأسف، أن هذه الحيثيات والوقائع لم تساعد البعض على تبين الخيط الابيض من الاسود، وتبني موقف وطني مسؤول، يعينهم على السير في درب النضال الوطني بإرادة صادقة لإستعادة الديمقراطية. كون الديمقراطية كنظرية وممارسة، تشكل وسيلة حضارية، تمكن الشعب من إختيار ممثليه في البرلمان، والرقابة على الحكومة التي تنبثق عنه، عبر الإعلام الحر، ومنظمات المجتمع المدني، حكومة بهذه المواصفات تستحق أن نطلق عليها كلمة حكومة..! أما أن يتآمر حزب ما على الديمقراطية في الخفاء ومن ثم يقوم بإنقلاب عسكري ضد الخيار الذي إرتضاه الشعب كآلية لتداول الحكم بين المكونات السياسية، وينتهك حقوق الإنسان، ففعل كهذا، هو أخطر من فعل السارق، الذي يسطو على بنك، أو قطيعاً من الأغنام، أو من يكوش على حصة سكان الحي، من السكر والطحين، أو النشال الذي يدس يده في جيوب الناس أثناء الزحمة، أو من يسرق المال العام، ومع ذلك يؤدي صلواته الخمسة، بل ويخطب في المنابر. فالسارق، هو سارق..! سواء كان المسروق إبرة، أو جمل..! عقوبته ستكون العزلة الإجتماعية، والسجن أو الغرامة، أو الاثنين معاً، إن قبضت عليه الشرطة وقدمته للمحاكمة! أو المرمطة التي تصل حد الموت، إن وقع في يد المواطنين! وحتى لو أفلت السارق من القبض، فهذا لا يلغي عنه صفة كونه سارق، وتظل العدالة تلاحقه مهما طال الزمن..! إذا كان هذا هو حال الشخص الذي يسرق الإبرة، فكيف ستكون حال من يسرق الجمل وبما حمل..؟ فنظام الإنقاذ مهما ظل هارباً من عادلة الشعب، فذلك لا يلغي عنه صفة السرقة، كونه سرق ما هو أعز من الإبرة، والجمل، أنه سرق حرية الشعب، سرق الوطن، وعاث فيه خراباً وفساداً ودماراً، تحت شعارات الدين، التي لم تروي الحقول العطشى، أو تشبع البطون الجوعى، أو وفرت دواءاً للمرضى! لذلك يتساءل المرء كم هي الأقلام والعقول والأفواه في هذا الزمان، التي تحترم نفسها وشعبها وتاريخه و وإرثه، وخياراته، ولا تبيع كرامتها وشرفها بأرخص الأثمان، للصوص ومزوري إرادة الشعب، صانعي الغباوات والحقارات والدمامات في ربوع الوطن، في مدنه وقراه وأريافه، وحاراته، وشوارعه وبيوته..؟ ما أقبح صورة الوطن بعد عقدين وأكثر من حكم هذا النظام..؟ ومع ذلك نقرأ ونسمع من يسمون أنفسهم بالمعارضين والمحللين والكُتاب والصحفيين، يطلقون كلمة حكومة، على هذا النظام..؟ وهنا يتساءل المرء أليس للكلمة شرف..؟ أليس للكلمة موقف..؟ أليس للكلمة واجب..؟ لذلك نخشى على الكلمة ان تصير حقيرة، دميمة، بلا قيمة أو معنى.. محتقرة كشهادة الزور، والغش والكذب والخيانة، ومن ثم يحتقر الشعب كل من يتعاطها، من كٌتاب وخطباء ومتحدثين وصحفيين وسياسيين،، كما يحتقر الناس اللصوص والقتلة والمفسدين، والصراصير والذباب..!