[email protected] ما يلفت الانتباه سريعا , ويجعله يبحث بين طيات النتائج المستقبلية , هو ان محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك هي اول محاكمة لرئيس عربي في التاريخ امام قضاء بلاده مع تطور الاتجاه لمحاكمة الرؤساء امام المحاكم العالمية , وتطور الوعي الدولي بجرائم الحكومات ضد شعوبها , وتعتبر المحاكمة اول سابقة قانونية وسياسية تعتبر الرئيس بشرا تقع تصرفاته تحت طائلة القانون وغير منزه من ارتكاب الجرائم مما يحتم تفعيل انظمة المساءلة والمراقبة وتحديد صلاحيات وعمل الرئيس دستوريا , واللافت كذلك ان الرئيس لا تحاكمه جماعة عسكرية انقلبت عليه من جيشه حيث تكون الاغتيالات والتصفيات هي النتيجة المتوقعة دائما وانما يحاكم بناءا على مطالب شعبية ثورية اطاحت به وبنظامه وضغطت على المجلس العسكري الانتقالي بالاعتصامات المتواصلة حتى اوصلته الى قاعة المحكمة في جنايات القاهرة التي حكمت عليه بالمؤبد وعلى وزير داخليته , ومن اللافت ايضا ان مبارك مثل امام محكمة قانونية عادية اقتصرت فقط على الجرائم التي حدثت خلال الاسبوع الاول من الثورة دون ان توجه له اتهامات بشأن الخيانة العظمى كما طلب كثير من معارضيه او اتهامات بالتعذيب والقتل كما حدث كثيرا في السجون المصرية طيلة حكمه الثلاثيني . برأت المحكمة نحلي الرئيس المصري جمال الذي كان مرشحا لوراثة والده وعلاء من قضايا التربح والفساد المالي في البورصة والعقارات بحجة تقادم القضية ولكن سبب هذا التقادم هو وجود والدهم في السلطة والسماح لهما بممارسة الفساد تحت حماية رموز النظام المشاركين في الفوائد ولا يجب ان تسقط قضايا نهب المال العام التي تؤثر في حياة المواطنين والوطن بالتقادم كأنها قضايا شخصية تخلى عنها اصحابها لاي سبب من اسباب التقاضي او العفو المبطن مع امكانية مواصلتها والوصول بالقضية الى حكم ينهيها النهاية الطبيعية وكان يجب على الاقل مصادرة الاموال التي انتهبوها كمقابل لاطلاق سراحهم ولقد ادى هذا الحكم بتبرئتهما الى التشكيك في مصداقية المحكمة والى اتهامها بممالأة المجلس العسكري الحاكم وان حكمها على ابني الرئيس ومساعدي وزير الداخلية المسؤولين عن قتل مئات المتظاهرين انما كان سياسيا بعيدا عن حيثيات وماديات التقاضي النظيف مما زاد من حدة المظاهرات في المدن المصرية ومن تجمعات القوى الثورية خاصة بعد المخاوف من انتخابات الاعادة التي يتنافس فيها خصمان متنافران يزيدان من حدة الاستقطاب الشعبي وقد يتجهان بالبلاد تحت ظروف معينة الى استنساخ الدكتاتورية المباركية السابقة . ٍ برأت المحكمة مساعدي وزير الداخلية بحجة عدم ضبط المتهمين بالقتل العمد او الشروع فيه اثناء او بعد الثورة وعدم وجود قطع او يقين في الاتهامات او وجود مستندات تدل على اصدار اوامر بقتل المتظاهرين مع ثبوت الجريمة على مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلي اللذين امتنعا عن طلب وقف اطلاق النار وبذا تكون المحكمة قد حملت الرئيس و الوزير كل الوز والمسؤولية واتهمت جهات عديدة وزارة الداخلية باتلاف الكثير من المستندات التي يمكن ان تدين وتسهل محاكمة اناس اخرين غير من حكم عليهم بالسجن المؤبد . ان محاكمة حسني مبارك في حد ذاتها بغير نظر في نوعية الحكم الذي وقع عليه تعد خطوة مهمة في مجتمع عاش لقرون تحت حكم الزعماء وتحت قداسة اصحاب الصولجان ومفيدة لمصر في مستقبلها الديمقراطي وهي تضع اولى لبناته وتجرب وتتدرب على ادواته لان ذلك يعلن بلا مواربة عن خضوع السلطة التنفيذية لحكم القانون , وهو درس قاس لرئيس مصر المقبل يقول ان عقارب الساعة لن تدور الى الوراء وان الشعب هو صاحب السلطة الحقيقي ومانحها لمن يشاء وقتما يشاء .