حروب الفقراء خالد بابكر ابوعاقلة [email protected] لا يوجد نظام لا يتماهي مع الوطن , ويكون صورة له , ولو جزئيا , ومثال لذلك الدول الاوربية التي تتحد فيها النخبة بالشعب والسياسة بالضرورات والعلم بالواقع والقانون بالمنطق وحقائق السياسة ومكونات الوطن , ويهيئ ذلك التماهي لعمليات التبادل السلمي للسلطة ولتقارب برامج الاحزاب وتوافقها في اختيار الأولى من القضايا لنقاشها وابداء الحلول بشأنها , كما يهيئ لنشر الحرية وقبولها في كل القطاعات فينتج التقدم المتساوي والابداع العلمي والتقني المتساوي والمشاعر والافكار المتساوية والمتقاربة . هناك الانظمة التي تزرع زرعا وقد يكون زرعا قسريا كما يزرع العضو الغريب في الجسد المريض ومثال لذلك من واقعنا المشاهد نظام الانقاذ الذي لم يكن صورة لتاريخ مشاعر الوطن ولو جزئيا ولا صورة لضخامة الدين واتساعه وعمقه في كثير او قليل وتنافرت فيه النخبة الغبشاء الحافية المدفوعة على الابواب واثرت وافسدت تحت شعارات عظيمة كالقرآن دستور الامة عن الشعب وهو يكابد ويعاند الشظف والمسغبة واهوال اقتصاديات الشعوب المتطورة التي يدور بلا رأس في فلكها وتضاربت السياسة مع الواقع والقانون مع السياسية وانحدر الفقراء في حروب الفقراء التي تكون نتيجتها دائما المزيد من القتلى من الجوعى المجندين الذين يعتاشون على العدس والخبز اليابس الباقي من عنفوان المخابز المهجورة ومن الجرحي الذين لا ناقة لهم ولا جمل في غنائم المعركة بعد ان تنجلي اصداء المدافع والصواعق حيث يتدفق الاطفال والنساء وكبار السن في صفوف طويلة لا يلوون على شيئ فلكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه . التماهي ليس مزجا كليا او ذوبانا تاما في حالة الانقاذ بل هو مجرد قبول مؤقت وموافقة مشروطة لأنهم يعتمدون على ايدلوجيا الدين الذي تفرق بوجودهم الى اكثر من سبعين فرقة ومزقة ويعتمدون على دين موغل في التغيرات واكبر من الايدلوجيا من حيث التمعن في الروح الانسانية التي لا يستطيعون تحمل اعبائها ثم يعتمدون على نظام اقتصادي مشذب ومستلب من الرعاية الاسلامية ومن لب الحقيقة المحمدية آت من صندوق النقد الدولي فيؤمنون به ويعملون بمقتضياته كما تؤمن به الصهيونية في اسرائيل حذو النعل بالنعل ولا تماه بين دينهم الذي عادوا به الى العبادات التقليدية والى كسل الصوفية في التكايا ولو رموا بالشريعة خلف ظهورهم وبين دين الشعب المعتدل الذي ذاب وسيطر على ثقافة الشعب الوجدانية فاصبح الشعب غير محتاج لفتوى ليعرف ما يصلح وما يضر واصبح دين الشعب هو الدين الذي اكتمل قبل قرون , ونحن نتصور ان الايدلوجيا تكفي كي يكون الذوبان تاما والتوافق مكتملا ولكن هذه الايدلوجيا المنقوصة من جوانبها بفعل الاحداث التاريخية واتساع مدى ا لابحاث العقلية واكتمال مسؤولية الضمير في العقل البشري تحاصرها الآن في السودان مجموعات من النفعيين المتصارعين المنقسمين الذين حولوا رئيس الجمهورية الموقر الى اسير من اسرى اوكامبو وفتحوا بهذا بابا رخيا من ابواب الابتزاز الاقتصادي والسياسي يجعل الحديث عن الحكومة القومية او الدستور الوطني او مبدأ التوافق المتساوي ( بندق في بحر ) وجعلوا من رئيس الجمهورية بابا للفساد والتعالي والانقسام واطالة عمر النظام المنتهي افتراضيا فبعضهم يقولون يحب تسليمه ليحاكم كي يفتدوا به انفسهم المحاصرة والبعض الاخر يقول بل يحب تركه في منصبه حتى يتواصل فسادهم وتطاولهم على اهم منصب في الجمهورية . هذه الايدلوجيا الدينية لا تكفي الا اذا كان التماهي بين الحاكمين والنظام كاملا , وهذا ما لا يفترضه احد الان . فقد يسقط النظام بثورة شعبية ويبقى الوطن كما عهدناه , وقد بسقط من داخله باعتقالات واغتيالات وتبقى باقية الوطن شامخة ورايته خفاقة – وهذا ما تفترضه الاحزاب الكبيرة التي مدت اذرعها داخل السلطة , فدفع الامام الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني بابنيهما ليأتيا بسني الفيل الكبيرين – ولن يسقط الوطن اطلاقا في زمننا الحاضر ولن يصل وطن ان كان في سوريا او افغانستان او السودان او لبنان الى ما وصل اليه الصومال من قبل او لبنان من قبل واكبر دليل على ذلك ما حدث في ليبيا حيث سقط النظام المزروع في مفاصل الوطن عقلا وجسدا وتاريخا وبقيت ليبيا تحرسها وتحميها شراذم المسلحين رغم عدم وجود دستور , وعدم وجود احزاب بل عدم وجود جيش وطني قومي اللهم الا مليشيات آل القذافي التي يقودها اولاده . ان اكبر صمام امان ابتكره النظام العالمي بعد انهيار الصومال في يناير 1991 ومجازر الهوتو والتوتسي التي حدثت في عهد بل كلنتون وندم على تجاهلها وتحركه البطئ لايقافها وانهيار افغانستان بيد المجاهدين الذين دربتهم وسلحتهم امريكا دون ان تخطط لمستقبل وصولهم الى الحكم هو الاجماع الدولي في مجلس ا لامن على الاطاحة بنظام او ابقائه بتنسيق كامل ووجود كامل ودعم كامل من المجتمع الدولي ومتابعة لصيقة حتى اكمال الجوانب السياسية والقانونية للحكم الجديد مهما كلف ذلك من مليارات الدولارات ودماء وارواح مثلما حدث في ليبيا التي حماها المجتمع الدولي من الصراع بين الفصائل وحماها من ا لتفتت ووجهها نحو الديمقراطية والانتخابات , اما في السودان الذي لن ينهار بذهاب او بقاء نظام مهما ادعى ذوبانه في الدولة او الوطن فانه لا يوجد مجتمع دولي وحسب وانما قوات دولية جاهزة ومنظمات نشيطة كثيرة العدد ساعدت في اماكن اخرى من انهيار اوطان قريبة في الجوار كما فعلت القوات الفرنسية في تشاد التي فكت حصار ادريس دبي الذي حاصرته قوات المتمردين في قصره حينما ايقنت ان المعارضة المسلحة غير متفقة على اسس الحكومة الانتقالية التي ستأتي بعد الاطاحة به , ففي الوقت الذي سيسلح فيه المجتمع الدولي الثوار السودانيين بالصواريخ المضادة للطائرات وسيكون ذلك متاحا في القريب العاجل كما يقول دكتور حيدر ابراهيم فان المجتمع الدولي سيكون قد وضع يده على كل مفاصل تحركات القوى السياسية وامكانيات الانهيار الكامل من عدمه وسيكون قد حسم امره نهائيا واعلن ان ساعات الرحيل قد ازفت وعلى زعماء المليشيات في الخرطوم ان يحزموا حقائبهم , فالامن صار عالميا مثله مثل الاقتصاد .