[email protected] لقد وصلت الانقاذ من بين الضباب والتدليس الى آخر محطاتها وتوقف قطارها الكسيح المهلهل . وهنا لن يصلح العطار ما أفسده الدهر . لقد انتهت دورتها الزمانية , وتكاملت مراحل نهايتها , وجنت على نفسها ما لم تجنه ( براقش ) على نفسها وأهلها , لأنها حاربت الإرادة العالمية المجسدة لصيرورة التاريخ ومنجزات العقل , وحاربت الإرادة المحلية الجمعية الطامحة للإلتقاء بالإرادة العالمية في أي نقطة تضمن لها التكريم الآدمي والمعاملة الإنسانية التي ترقى بها الى مصاف افضل من حياة استجداء الحكومات والخوف من البطش . إقتصاد الانقاذ السهل الممتنع ما عاد يأتي بريع . الخزينة خاوية كبيت الفأر ومراكز القوى لا تعرف إلى أين المفر , واسلحتها البيضاء التي جلبها وزير الدفاع من اصقاع لا تحسن تصنيع السيوف ستباع بعد حين بالكيلو بعد ان استيقظ الدبابون على حقيقة الحياة والموت التي أعلن عنها العراب المعزول والتي تقول إن من يموت وهو مؤمن بزعامته وقيادته فستتلقاه الحور العين بقبول حسن وأما من يؤمن بزعامة الانقاذ وقيادتها ويموت في صفوفها فلن يكون في حساب الآخرة سوى ( فطيس ) , وهكذا قسموا الشهادة بين الزعامتين , فانفض الباحثون عن الشهادة من حولهم . الإنقاذ طول وقتها لم تحم نفسها من الشعب , ولم تكن تراه , ولم تكن تعترف بوجوده , ولم تحم ظهرها بالقرش الأبيض من زراعة وصناعة ومشاريع وعدل في صرف الأموال العامة وخدمات ضرورية وتوفير العمل والأعمال بل كانت تنافس الناس عن طريق شركاتها وطفيلييها وتثقل عليهم بالضرائب والرسوم كأداة من أدوات المحاربة غير الشريفة وكانت تمارس الضبابية في المعاملات المالية الحكومية فتجنب الأموال خارج وزارة المالية ولا تحرك ساكنا لتعديل سياسة الأجور الظالمة في الخدمة المدنية وتقوم بإحتكار السلع لمصلحة جماعات حزبية ترفع الأسعار وتمتص قروش المتعبين ليل نهار وكانت تتاجر بالحرب مع تدفق عائدات النفط فتحل المشاكل السياسية بالمدافع والدبابات وتخلق الاعذار العسكرية لتوجيه 75% من اموال الموازنة للأمن والتسليح كباب من اوسع واضمن ابواب الفساد والتربح الشخصي ولم ينهب الشعب السوداني نهبا منظما متدرجا وخفيا يصعب اثباته الا في حالات قليلة الا من باب التسلح والأمن ولذا كان الوزير المنوط به حماية الحدود وحماية ارواح المواطنين من قصف الطائرات والصواريخ هو آخر من يعلم شيئا عما يدور في الحدود وما يدور في المدن بعد أن رقي من فساد وخراب وزارة الداخلية الى وزارة الدفاع حيث تجارة وأرباح الأسلحة مع الدول الكبيرة والصغيرة والعمولات الضخمة المشبوهة التي يتقاسمها مع من يعطونه الضوء الأخضر من الصامتين والمتخفين والمطأطئين من دستوريي الانقاذ الذين أدركوا أن السلطة فراغ لا طائل من ورائه دون جمع المال العام في بلاد اهلها نائمون او خائفون او لامبالون . صارت الإنقاذ وهي تصارع على مدى ثلاثة وعشرين عاما بين امواج البقاء كقافلة كبيرة لا تحمل معها سوى قطرات قليلة من الماء , وها هي تلهث من اجل التقشف الإقتصادي الذي يفيد في البلاد المصدرة او المنتجة ذات قاعدة انتاجية متنوعة وواسعة والذي سيكون طامة كبرى في البلاد التي تستورد موادها الخام على قلته وطعامها على كثرته وسيزيد ضعف الانفاق الحكومي مع ضعف البنية الاقتصادية السكانية من الركود ويخرب حركة الاسواق المتعثرة مع تعويم سعر صرف الجنيه ويؤدي الى تآكل ما تبقى من رؤوس اموال في أيدي الناس وستشهد الفترة القادمة اغلاق الكثير الباقي من ابواب المصانع التي تعمل باقل من ربع طاقتها وإغلاق ابواب الشركات والمحلات وستزيد حدة المعارضة مع تشكيل حكومة طبقة ضيقة قليلة العدد قليلة الانتاج قليلة الإمكانيات وخروج الكثيرين من النفعيين من اصحاب الوظائف السياسية الوهمية الى صفوف الاحتجاج لقطع الرواتب الجزيلة عنهم ( ان كان ذلك صحيحا ) وستلعب الإنقاذ ومن معها من الطفيليين باخر كروتها بإلغاء احتكار استيراد السلع الاستراتيجية لتحدث المضاربات في السوق وارتفاع الاسعار المرتبطة بدولار مرتفع وغير مستقر في اسعاره . الحلول واضحة وضوح الشمس وهي ان المحطة التي وقفت عندها الانقاذ لا توجد بعدها محطة اخرى الا ان تترجل الانقاذ , وتأخذ عفشها فوق رأسها , وتختفي في ظلام التاريخ .