ود الحسين (والغشة) التى قصمت ظهر البعير بقلم/ منتصر نابلسى [email protected] عوض ود الحسين قذفت به امواج المعيشة الطاردة ....وكساد الحال.. من قمة حياة القرية الهانئة ،البسيطة، الى حضيض جحيم المدينة المعقدالمتلاطم ،الغارق فى الازدحام ..وجبال الهموم...صخب وضجيج....رائحة العوادم الخانقة... التوترالقلق ....كل يمضى على عجل من امره .. دنيا لم يسبق لود الحسين ان دخل مثلها بهذا العمق وبين ذاك الزخم الرهيب والاحاسيس المتضاربة، تاهت خطوات ود الحسين الانسان البسيط بساطة اهلنا فى الريف ترتسم على محياه بشاشة الروح ، وسماحة النفس .... وسلامة الصدر... هكذا بدأ اول ايامه فى الخرطوم، دوامة لم يحسب لها حساب ... حاله اقرب مايكون الى عصفوربللت اجنحته امطار ليلة ليلاء فاسقطته عمدا من عشه الامن ، الى اوكارارض مجهولة وانفاق مهجورة مشئومة .... وجد عوض ود الحسين حاله كحال السمك اذا اخرج من الماء ...نامت نجمات الليل ولم يغمض لود الحسين غمض ابدا،هل ضلت ايامه طريقها الى ضياع وسط هذا الجحيم ياترى ؟؟ام سطر قدره رزقا اخر قد لا يكون سهل المنال فى مدينة تضج من اعلاها الى اخمص قدميها بالهرج والمرج ...والغلاء والاحتيال الغش المتمكن فى كل حدب وصوب استراحت النفوس فى اكنان الاطمئنان، وظل القلق رفيقه وصديقه ، لايزوره سواه، ارقه المتذايد من يوم قادم مجهول فمنذ ان فارقت اقدامه المتعبة قريته الحبيبة وهو يكابد الامرين فراق اهله فىها ، ودنياهائلة لم يحبها ولاترحب به ولا تعرف الرحمة ولا امان له فيها... ولا يعلم من اين يبدأ واين سينتهى ..... منذ ايام ليست بالبعيدة كان ود الحسين وعياله السبعة من سكان قرية الفتها ايامهم واحلامهم والفتهم بسعة صدرها ونقاء هواءها وطيب عيشها... عشق ودالحسين ارضه وقريته .... تمرغ بين احضانها واستنشق بحب عبير طينها الف اصوات البهائم والطيور وخرير مياه الجداول المنسابة... لم تنسى احلامه شجرة النيم الفارعة الظليلة المترامية التى طالما طاب له فيها الجلوس مع سلبمان الجاك والنو ود على وبابكر ود شاويش ايام تسللت هاربة من بين يديه خلفت ورائها حلوالذكريات للايام الغضة ،والخير الوفير،والتى لم يتبقى منها الا دمعات احلام وشجون الام... وزفرات ايام ستظل جاثمة على صدره قد اعتلجت فى وجدانه الممكون بالحزن الدفين.....هبت عليهم رياح لم تكن تخطر على البال جالبة معها اسراب من الجراد العجيب فاكل الاخضر ولم يترك لهم بقايا من يابس .... لاينسى الايام التى كان الفال فيها طريقه ورفيقه وهو يحرث ارضه ويصلح جداوله ويشذب الشجيرات من الطفليات وهو مترنم يتغنى يرفع عقيرته بالغناء تارة ويخفضه تارة اخرى .... حتى كان اليوم الذى لاينسى حين منحه البنك سلفية تساعده على الانتاج حسب زعمهم على ان يسددها من الحصاد اضعافا مضاعفة .. رغم ذلك استبشر خير بالموسم الجديد ،فقد علمته الزراعة الامل والصبر، كد تعب لم تعرف اياديه الراحة حرصا منه ان يسدد سلفية البنك، وفوق ذلك يبحبح لاهله ويعوضهم عن ايام الحرمان .... جاء حصاد العام ، اى ايام عيد المزارع وكل من المزارعين من اهله واصحابه يمنى نفسه بالامانى العراض .. وقد سمعوا ان سعر المحصول ارتفع كثيرا فى الاسواق ، فاستبشروا خيرا ... فاذا بالجراد عفوا اقصد البنك يرسل مندوبه الناطق باسمه لبطالبهم ببيع محاصيلهم للبنك اجباريا ... وبالسعر الذى يحدده البنك فقط ولا خيار لهم نعم هكذا كانت الضربة القاضية لهولاء البسطاء من اهلنا .... كانت تلك بداية النهاية لايام مليئة بالهموم فقد باع اغلى مايملك لسداد ماعليه من التزامات للبنك وطبعا اغلى ما عنده كانت ارضه محبوبتهجوجوهرته الغالية.... وهكذا ادمت قلبه تلك ( الغشة) عفوا اعنى حقيقة الغغغشة التى قصمت ظهر البعير.