للتواصل: 2348166561834+ E-mail:[email protected] السودان بلد تتلاقى فى رحابه أقوام متنوعون وثقافات مختلفة نتيجة لحراك بشرى تعرض له السودان مثله ومثل كل دول العالم وكان أهل السودان الأصليين من النوبة والبجة والقبائل النيلية والمجموعتين الأولى والثانية تنحدر من المجوعة الحامية الشرقية كما ذكر عالم الأجناس البريطانى سلجمان (1935) ثم انصهرت فيها مجموعات أخرى من عرب بعد قيام دولة الفونج (1504) ثم لاحقاً الأقباط والأتراك والأغاريق حيث كانت مدينة أمدرمان عاصمة المهدية هى بوتقة الإنصهار الكبرى لهذه المجموعات حيث بدأت القومية السودانية فى التشكل ثم هضمت تلك القومية الناشئة أعراقٌ وسلالاتٌ من أتراك وشوام وأغاريق وشعوب من غرب إفريقيا مثل الفولانيين والهوسا والبرنو والبرقو والشناقيط وأخيراً الزبيدية وهى آخر المجموعات التى دخلت السودان عام 1967، وكل هذه الجماعات إنصهرت اليوم فى كيان فيسفيسائى هو سودان اليوم وظل ذلك الكيان بموقعه المميز قنطرة تواصل بين شمال القارة ووسط القارة حيث تمثل تلك التركيبة الإثنية فى السودان إفريقيا مصغرة. أصل لإسم السودان إقتطفت من مفهوم ذى دلالة عامة واسعة وهو السودان الغربى الممتد من المحيط الأطلسى "السنغال" الى البحر الأحمر لتكون هذه هوية لمجموعة صغيرة من ذلك الإمتداد الجغرافى الواسع. فالسودان عبر الزمان يرجع الى أكثر من ألفا عام ارتبط بسكان أفريقيا جنوب الصحراء الذين حملوا ذلك الإسم، فالسودان ليس جنساً وإنما صفة كثيرة يجمعها اللون الأسود (دكتور أحمد إلياس - 2011). سكان شمال الصحراء ينتمون للمجموعة الحامية الشمالية التى تضم الفلانيين والطوارق (الشناقيط) والقرعان والتيدا والتيبو وكل هذه المجموعات ذو أصل واحد مع المجموعة الحامية الشرقية وهى البجة، الكوشيون، الإثيوبيين، الماساى، المحس، الدناقلة، الإرتريين و الصوماليين والنوبة الذين سكنوا وادى النيل منذ ألاف السنين. الهوية السودانية: كلمة الهوية تعنى ماهية الشئ وكينونة وجوده حيث ظل سؤال الهوية والإنتماء يشكل رهق فكرى لكثير من المثقفين السودانيين وهو السؤال من نحن؟ حيث بدأت المحاولات الأولى من رواد الغابة والصحراء من المفكريين مثل الدكتور النور عثمان والشاعرمحمد المكى إبراهيم ثم مدرسة الأفروعرب الدكتور محمد عبدالحى صاحب العودة الى سنار ثم أخيراً مصطلح السودانوية التى أول ما أطلقه فى مادة منشورة هو الدكتور نورالدين ساتى أستاذ الأدب الغربى جامعة الخرطوم حيث ظل مسكوناً بسؤال هوية السودان الوطنية لعقود طويلة، وهذه الصفة السودانوية تدل على النسبة والإنتساب الى السودان ولكنه نسبة تتجاوز مجرد الإنتماء بحكم الميلاد أو الجنسية أو الجذور أو سائر متعلقات الهوية الشخصية للفرد ذلك الإرتباط العقدى لهذا الكيان ومحاولة تمثل خصائص تلك الكيان المتفرد بمميزاته وكل ما يتعلق ويصدر من الفرد أو المجموعة من سلوك وإبداع وفكر. الإسلام وغرب إفريقيا: مثل تكوين الممالك الإسلامية فى غرب إفريقيا لحظة تفاعل بين الثقافات الإفريقية والثقافة العربية نتج عنها وتجذرت كثير من المفاهيم والمكونات فى الواقع الأفريقى حيث نتج عن ذلك مجد وحضارات وثقافة إفريقية حفظته تراجم التاريخ لممالك وسلطنات وحضارات ومأذن فى تمبكتو وجنى وغاو وسيغو وماسينا وكانو وبرنو، ثم فى إفريقيا الغربية وشمالها فى مراكش بمرابطيها وموحديها وفى مملكة غانا ومملكة مالى (كنكن موسى 1307 – 1493) ومملكة صنغاى. (وملكها أسكيا محمد 1493 - 1591) وأحمد لوبو فى ماسينا (1818 - 1862) والشيخ المجاهد عمر الفوتى (1865) فى حوض السنغال وفى برنو محمد الأمين الكانمى (1834)، ثم مع بداية القرن الثامن عشر أوراد المتصوفة وحركة جهادهم وأورقتهم العلمية الشيخ عثمان دان فوديو (1804) حيث كان الإسلام فتياً وقوة جاذبة متوحدة تستقطب العقول الكبيرة من ثقافات أخرى حيث نجد أن أهم رموز الثقافة والحضارة الإسلامية ترجع أصولهم الى قوميات غير عربية فيضع الأصفهانى أهم كتاب لأشعار العرب (الأغانى للأصفهانى) وهو من أصفهان ويؤسس سيبويه وهو عجمى لقواعد اللغة والنحو، ويجمع البخارى والترمذى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهما من آسيا الوسطى وغيرهم من صنو العلم والفكر الذين وصلت اليهم رسالة الإسلام بعد أن تخطت بالعقل حدود اللغة وإنتقلوا من لغات شتى الى سحر العربية ليضيفوا اليها اسهامات عقولهم ورحيق أعمارهم ومن هؤلاء شيخ علماء تمبكتو أحمد بابا والشيخ العلامة عبدالله بن فوديو والوزير جنيد والشيخ عمر الفوتى والشيخ مالك الفوتى ومدرس الحديث النبوى فى المدينةالمنورة ألفا هاشم والعمدة الشريف محمد (عمدة البرداب). علاقة السودان بغرب أفريقيا: هنالك وضع قائم وطبيعى للذين يعرفون ديناميكية الحياة الرعوية ليس فقط فى السودان بل فى القارة الأفريقية كلها، حيث ظل السودان يستقبل قبائل الفلانيين الرعوية مروراً بتشاد ودارفور الى مناطق النيل الأزرق وأعالى النيل لمئات السنوات، وكان الإداريين البريطانيين يتعاملون مع ذلك بكل سلاسة. ما قبل دولة المهدية: المرحلة الأولى: الوجود الفلانى فى السودان: ظل السودان معبراً طبيعياً للحجاج من غرب إفريقيا لألاف السنوات من خلال ميناء سواكن وعيذاب. فيمكن رصد الوجود الفولانى فى السودان فى مملكة دارفور حيث كان الشيخ مالك الفوتى وزير للسلطان محمد فضل فى القرن السابع عشر(كما ورد فى كتاب تشهيذ الأذهان فى أخبار بلاد السودان للكاتب التونسى) حيث هناك وجود مقدر للفولانى فى تلس –سعدون- وكريو حيث يؤرخ لهذا الوجود بالقرن السابع عشر حيث وصلت الطريقة التيجانية من قبل هؤلاء المهاجرين. المهدية: المرحلة الثانية: عند قيام الثورة المهدية فى السودان كان المرتكز الأساسى لدعمه من غرب إفريقيا حيث أسر الشيخ عثمان دان فودى لأتباعه بظهور المهدى فى الشرق وأمرهم بالإسراع لمناصرته فهاجرت مجموعات كبيرة من غرب إفريقيا الى السودان لمناصرة المهدية حيث إستشهد الشيخ أدم الإعيسر فى معركة قدير ثم الشيخ قدح الدم وأبارو فى معركة كررى وغيرهم وعند إستقلال السودان كان نائب دائرة السوكى الغربية يعقوب حامد بابكر والأستاذ محمد صالح الشنقيطى حاضرين فى البرلمان. الهجرات بعد الحقبة الإستعمارية من دولتى مالى والسنغال: بعد مقتل المجاهد الشيخ عمر الفوتى عام 1865 عن طريق المتعاونين مع القوات الفرنسية وبداية إحتلال مالى والسنغال بدأت هجرة كبيرة من دولة مالى والسنغال وكانت وجهت هذه الهجرة الشرق نحو مكة وصلت طلائع تلك الهجرات على دفعات أولهما وصلت الى تشاد ولم تدخل السودان من خلال دارفور ولكن آثرت الدخول من إفريقيا الوسطى عن طر يق كيفا كانجى ثم واصلت مسارها تحت زعامة العمدة الشريف محمد ماول المردى وهو من الإشراف حيث استقرت تلك الهجرة فى قرية البرداب بالقرب من كادقلى فى أواخر القرن الثامن عشر وتم تأسيس عمودية العمدة الشريف ثم هجرة أخرى خلال فاصل زمنى قصير آثرت التوجه الى النيل الأزرق بقيادة الشيخ الرفاعى بوبكر وكونت قرى أبوجيلى، الحجيرات، أم لبن، والشيخ إسماعيل الذى كون قريتى ودهاشم، روينا، ثم أحفاد الشيخ عمر الفوتى فى دار السلام – وترجع تاريخ هذه الهجرات الى عام 1898. الهجرات السياسية من نيجيريا بعد الهجمة الإستعمارية: بدأت طلائع القوات الإنجليزية تصل شمال نيجيريا عام 1903 حيث توجد خلافة سكوتو الإسلامية التى تم تأسيسها عام 1804 بقيادة المجاهد الشيخ عثمان دان فودى وكان سلطان سكوتو فى ذلك العهد هو السلطان محمد الطاهر حيث هاجمت القوات البريطانية المدينة ومن ثم قرر السلطان وأتباعه بالهجرة الى الشرق حتى وصلوا عام 1904 الى بورمى حيث دارت معركة أخرى مع القوات البريطانية قتل فيها السلطان محمد الطاهر ولكن ابنه واتباعه واصلوا هجرتهم الى الشرق حيث وصلوا السودان عام 1904 وإستقروا فى قرية الشيخ طلحة بالنيل الأزرق تحت ضيافة الشيخ طلحة بن حسين الفولانى ومن ثم تم تأسيس مدينة مايرنو عام 1905 وقبلها قرية ودهاشم التى أسسها الشيخ محمد ود هاشم الفولانى (التور الضالع) فى العهد التركى. الهجرة: تعريف الهجرة: وهو انتقال المرء من أرض تدعى المكان الأصلى أو مكان المغادرة الى أخرى تدعى المكان المقصود أو مكان الوصول. الهجرة بكسر الهاء إسم المهاجرة التى هى مصدر الفعل هاجر والمهاجر هو الذى غادر موطنه الأصلى وقد تكون الهجرة منظمة يشارك فيها بعض الأفراد والأسر أو هجرة جماعية لعدد كبير من السكان، أما الجلاء وهو ترك السكان لبلادهم لنازلة نزلت بهم أو كارثة ألمت بهم. المراحل التى يمر بها المهاجرون قبل عملية الإندماج وهى: المرحلة الأولى: حيث يجد المهاجرون الوافدون جواً جديداً فى البلاد التى وفدوا اليها فلا يلبثون أن يمتزجوا بسكانها، ثم يبدأ المهاجرون فى الإنسجام مع مجتمعهم الجديد. المرحلة الثانية – عملية الإستيعاب: وهو دخول المهاجرين فى النشاط الإقتصادى فى البلد التى هاجروا اليها. المرحلة الثالثة-التكيف: الذى يبدأ من المشاركة فى العادات والتقاليد والأعراف لأهل البلاد الأصليين، ثم تأتى عملية التطبع الثقافى أو التثاقف وهو إعتماد تلك الأعراف والعادات فى قيمهم الإجتماعية المرحلة الرابعة: وهو عملية التمثل وهو إندماجهم فى النظام الإجتماعى على قدم المساواة مع السكان الأصليين. غير الإندماج: وفيه يتجمع هؤلاء المهاجرون فى بلد الهجرة ويحتفظون بعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم الأصلية ويؤلفون ما يعرف بالجالية التى يقال لها مستعمرة أو جيب وظهور مثل هذه الجاليات فى البلاد المأهولة بالسكان الى خلق إشكال بين هؤلاء المهاجرون والسكان الأصليين. عناصر الأزمة فى السودان: المحور القبلى: وهو جذور المكون الذاتى للأزمة التى تنبع من صميم هيكل وبنية المجتمع السودانى حيث تشكل أزمة الإندماج الوطنى بين المكونات السكانية مثله مثل غالبية الدول الأفريقية التى تعانى من خلل فى بنائه الإجتماعى والثقافى ويتمثل ذلك فى التعارض بين الإنتمائات الأولية للأفراد وإنتمائهم للدولة وذلك مرتبط بتوزيع القيم السياسية والإقتصادية والتكوين الثقافى للجماعات. إن التنوع العرقى والثقافى فى السودان يعتمد على رأسمال ثقافى ضخم قائم على تفاعلات الحياة اليومية بين تلك المكونات المختلفة. إن ما يهم حقاً هو اللقاء المثمر للعناصر المتنوعة والمتنافسة والمتكاملة أى حوار هذه العناصر فى جدلية وتكافؤ وإحترام الهويات الخاصة للمجموعات السكانية ومصالحة تلك الكتل الإجتماعية والتعاطى الإيجابى مع بعضها البعض وجعل خطاب الهوية مرن ومنفتح لأن هذه العناصر لا تشكل تهديد للهوية بل إثراءٌ وإغناءٌ لها بدلا من اعتماد هويه احاديه ملتبسه يعتمد على نقاء عرقي مزعوم لا يستند على حقائق التاريخ او الجغرافيا هؤلاء غير ناطقين باللغة العربية هذه حقيقة ولكنهم ليسوا جيب كما وصفهم الوالى بل مواطنون سودانيون تجاوزت مدة استقرارهم فى تلك المناطق حيث يدخلون المائة الثانية من تاريخ وجودهم فى تلك المنطقة وإقتصاد ولاية سنار بل كل النيل الأزرق يعتمد بشكل رئيسى على عرق وكد وجهد هؤلاء البسطاء. أما فى مجال التعليم فلنحتكم الى لغة الأرقام: قرية ودهاشم حملة الدكتوراة فيها خمسة والماجستير ستة، مايرنو: إثنان بروفيسورات، وست من حملة الدكتوراة، قريتى الحجيرات وأم لبن: ثمانيه من حملة الدكتوراة، وستة حملة الماجستيرفهل يمكن مقارنة هذه الأرقام بالمتعلمين فى كل من ودالعباس وكساب بل أن قرية روينا أصغر قرى هؤلاء غير الناطقين باللغة العربية تفوق نسبة التعليم فيها قرية كساب، إنما ندعو له هو تجاوز كل هذه العصبية وما يثير من استعداء مكونات الولاية بعضها على بعض الى العمل الجاد لتطوير انسان الولاية.