[email protected] حملت الانباء خبر توقيع قوي الاجماع الوطني علي وثيقة البديل الديمقراطي وهو الامر الذي تأخر بعض الوقت لمزيد من التداول وإشراك قطاعات واسعة من القوي المعارضة كما صرحت بذلك مكونات الإجماع او لخلافات سادت المداولات حول الوثيقة كما تناقلته دوائر الاعلام الحكومي. علي كل فإن مخرجات تلك الوثيقة يجب ان تخضع للبحث العميق والنقد البناء ليس لانّها الميثاق السياسي الذي يفترض به إدارة الفترة الانتقالية أو لانّها البرنامج الذي سيحشد حوله الجماهير لتحقيق الثورة والتغيير المنشود فحسب إذ تتعداه لتُعبر عن روح وطريقة تفكير القوي التي تأمل في أن تنقل الشعب الي ضفاف الديقراطية والحكم الراشد. قبل الشروع في محاولة تشريح الوثيقة وتلمُّس مابين سطورها وإستعراض بعض من التناول الذي حُظيت به من الفاعلين في الساحة السياسية لابد من الاشارة الي حالة التشكك وسوء الظن الذي ينتاب الكثيرين كلما ذُكرت مكونات قوي الإجماع الوطني وذلك لتجارب فاشلة عديدة يحفظها الوعي السوداني لتلك القوي فهي وعلي مدار تاريخ السودان المستقل ظلت الوريث الدائم لثوراته علي فترات الحكم العسكري فلم تنجح لافي المحافظة علي ذلك الميراث ولا في تقديم نموزج حُكم يبكي عليه الشّعب كلما ازاحها إنقلاب ولعل هذا يلقي بعبء ثاني علي كاهل الوثيقة فهي مطالبة إبتداء بتقديم بديل قابل للنجاح كما هي مطالبة بإزالة الشكوك في مقدرتها علي ذلك. بعد التأمين علي منطلقات الوثيقة والمتمثلة في ضرورة تغيير نظام الحكم لما آل اليه حال البلاد ولمتلازمة علل يشكو منها النظام الحاكم وتحد من قدرته علي تقديم حلول ناجعة تُخرج السودان والمواطن من أزمته، تجدر الإشارة الي إغفال الوثيقة لنقاط مهمة والي إحتوائِها ايضا علي عدد من الفقرات الغامضة والعمومية كما نلاحظ إن بعض من فقراتها تتجاوز الشرعية الثورية التي تستند عليها الفترة الإنتقالية لتُرسي دعائم خطط وبرامج هي صميم عمل حاكم وبرلمان منتخب و شرعية دستورية. أول ما أغفلته الوثيقة هو الإعلان الدستوري الذي ينبغي أن يكون ملحقا بها ومفسرا لشكل الدولة وطبيعة المؤسسات الانتقالية وللقيود الدستورية التي ستحكمها والمدي الزمني للفترة الانتقالية ومجاوبا كذلك علي السؤال الجوهري حول كيفية حكم السودان (إنتقاليا) وبدلا عن هذا ركّزت الوثيقة علي من سيحكم السودان إنتقاليا لتؤكد حقها في ذلك هي الموقعة علي الوثيقة مع آخرين. لم تعبر الوثيقة عن إي نوع من الحوار المُسبق مع القوى السياسية الاخري والحركات المسلحة وإكتفت في موضوع المشاركة في الحكم بالاشارة الضبابية لما سمته بالفصائل الملتزمة والموقعة على برنامج ووثيقة البديل الديمقراطي في إغفال لفاعلين مؤثرين في الساحة السياسية (فصائل دارفور والحركة الشعبية - شمال) وكذلك تحدثت عن تمثيل وليس مشاركة لمؤسسات المجتمع المدني والنساء والحركات الشبابية في تناسي للدور الريادي لتلك القطاعات في إشعال شرارة الحركة الاحتجاجية وفي إستمرار إذكاءها. بُنيت الوثيقة تماما علي إفتراض السقوط الناعم للنظام مع بقاء كامل جهاز الدولة المدني والامني وهي في هذا الافتراض تتغافل تجارب معاصرة تداعت فيها مؤسسات الدولة كما في النموزج الليبي حيث تلاشي الجيش النظامي وجهاز الشرطة وكثير من البنيات والمعلومات عن الاقتصاد والموارد أو تتداعي كما يحدث الآن في الشقيقة سوريا، صحيح أنّ وسائل الوثيقة السلمية قمينة بضمان مسار آمن ولكن نجاحها رهين بإستجابة السلطة للضغط الشعبي فعنف السلطة في المواجهة في المثالين اعلاه قاد الي عنف مضاد أودي في نهاية المطاف بسلمية التغيير وهو الامر الذي لم تتحسب له الوثيقة. غاب التركيزعن برنامج الفترة الانتقالية فعلي عكس ماهو متوقع من إهتمام بإجراء المصالحات وإسكات لصوت البندقية والاتفاق مع حاملي السلاح علي سلمية الوسائل وكيفية إنتقال تلك الحركات لمؤسسات سياسية تعمل علي المطالبة بالحقوق المشروعة لجهاتها ولتضمينها مشروع الدستور المقبل مما يمهد لاجراء إحصاء سكاني دقيق وأمين تعقبه إنتخابات شاملة تنتظم كل ربوع السودان مفرزة لبرلمان وحكومة هي التعبير النزيه عن إرادة الشعب ومتمتعة بسنده وقادرة علي صياغة دستور دائم تُضمن له وسائل المشاركة الواسعة في صياغته ويجيزه أهل السودان في إستفتاء شامل. بدلاً عن هذا فصّلت الوثيقة في برامج الاصلاح الاقتصادي والمؤسسي (الفقرات 11، 14، 16 و 17) وهي في أغلبها برامج طويلة المدي من الاجدي تركها لحكومة منتخبة. تعطي الوثيقة وبالتحديد في الفقرة رقم (10) الاحساس بضبابية رؤية مكونات الاجماع الوطني تجاه قضايا الفترة الانتقالية فهي توصي بعقد مؤتمرات متخصصة لتقديم رؤي لادارة الفترة الانتقالية في (الاقتصاد والتعليم والصحة والثقافة والبيئة ... إلخ) مما يطرح سؤال حول ماكانت تفعله تلك الاحزاب طوال الفترة الماضية فمن الادوار البديهية للحزب المعارض الراغب في الحكم إعداد البدائل لسياسات الحزب الحاكم ليشرع في تطبيقها متي ما تولي السلطة. كثير من هذه الملاحظات حملته رؤي بعض الحركات المسلحة نحو الوثيقة وابرز الملاحظات ما جاء علي لسان الاستاذ محجوب حسين المستشار الاعلامي لرئيس حركة العدل والمساواة في تعميم صحفي حمله موقع الحركة الالكتروني ووصف فيه الوثيقة ب "غير متسقة مع قضايا كثيرة و حملت معها عيوبا لا تنسجم مع ما تطمح إليها الثورة السودانية في مجمل قضاياها" وعاب عليها إيضا "إستعجال أغفل معه حقائق الواقع السياسي السوداني الجديد و الشركاء الآخرين".ذات التحفظات تقريبا أبدتها الحركة الشعبية – شمال علي لسان أمينها العام الاستاذ ياسر عرمان. نتفق مع الجميع ان الوثيقة خطوة في الاتجاه الصحيح إن تم النظر اليها كمسودة قابلة للتطوير ومفتوحة لتستوعب شركاء آخرين لاملاحق واراء تضاف الي متن الوثيقة لتخرج بقدر ما ينتظرها من تحديات ومن المهم هنا أن تستوعب كل قوي التغيير حقيقة أنه ليس بالامر السهل وأنّ أزمات السودان اعقد من أن تحل بذهاب نظام وحلول آخر ومن المهم أيضا التأمين علي أهمية الوصول اولا الي صيغة إتفاق بين مكونات المعارضة السياسية والمسلحة علي وسائل سياسية مدنية للتعبير عن مطالب الاطراف. لانجد بدا من الاشارة الي أهمية الحوار بين أطياف المعارضة من جهة وبينها وبين الحكومة من جهة فقناعتنا الراسخة أن اجدي وسائل التغيير وأقلها تكلفة هو ذلك الذي يؤمن إنتقال سلس من السلطة إلي حكومة إنتقالية قومية نأمل من الاحزاب المعارضة أن تدعها لشخصيات قومية مهنية (تكنوقراط) وأن تنشغل الاحزاب بإعادة بناءها استعدادا للتحدي الإنتخابي المقبل فكل القراءات تشير لتغيرات كبيرة في الخارطة السياسية. لتحقيق ذلك لابد من تحريك ميزان القوي بين المعارضة والسلطة وهنا تكمن أهمية مواصلة الحركة الاحتجاجية وتفعيل مؤسسات العمل المدني ولابد هنا من الاشادة بتحرك أطباء السودان في سبيل إستعادة نقابتهم وهو ما نرجو ان تحتذى به بقية فئات الشعب.