مصر.. استعدادات لرفع أسعار الكهرباء    محمد الطيب كبّور يكتب: العوارة والعمالة والندالة بي قروش !!    لماذا يجب إعادة تشغيل الهاتف بشكل دوري؟    بعدما حاول حظره وهو رئيس.. ترامب ينضم إلى "تيك توك" وينشر أول فيديوهاته    الملكي فاز بدعاء الوالدين ودريموند لم يكن يستحق الخسارة،،    نجوم حي العرب بطلا لدورة تكريم الإدارة الأهلية بالضعين    اكوبام ينصب مهرجان من الأهداف في شباك الأهلي في دوري النخبة بحلفا    تصاعد الخلاف فى حزب الأمة القومي    رسالة البرهان لبوتين تتعلق بالتعاون الثنائي والعسكري وكافة القضايا المشتركة    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط دهشة المتابعين.. الحسناء "جورجينا" صديقة اللاعب كريستيانو رونالدو تطلب التصوير مع شاب سوداني بالسعودية ومتابعون: (والله عبرت يا ولدنا)    شاهد بالصورة والفيديو.. طفلة سودانية تبكي بحرقة إذا سمعت كلمة "دعامة" وتفرح وتشعر بالطمأنينة عند سماعها هتاف الجيش (أمن يا جن) وتطالب أهلها بترديده دائماً    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط دهشة المتابعين.. الحسناء "جورجينا" صديقة اللاعب كريستيانو رونالدو تطلب التصوير مع شاب سوداني بالسعودية ومتابعون: (والله عبرت يا ولدنا)    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    مدرب ليفربول الجديد يصدم صلاح في أول اجتماع له مع الإدارة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالسعودية.. الفنانة إنصاف مدني : (البنت الما عندها قروش دي ما تعرس نهائي وبدون قروش دايرين بيها شنو والما عرست شم العود قرب)    رئيس مجلس السيادة يتسلم رسالة من رئيس جمهورية جنوب السودان    والي الخرطوم: سيتم تقنين المقاومة الشعبية ودعمها وفقاً للائحة الجديدة    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    احتفالا بالذكرى الأولى لزواج الامير الحسين والاميرة رجوة.. نشر أول صور رسمية للأميرة تظهر حملها الاول    ريال مدريد يصطدم بأتالانتا في السوبر الأوروبي    بيلينجهام لمورينيو: ماما معجبة جداً بك منذ سنوات وتريد أن تلتقط بعض الصور معك    ريال مدريد الإسباني بطل أوروبا    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    بدء الضخ التجريبي لمحطة مياه المنارة    بعد الإدانة التاريخية لترامب.. نجمة الأفلام الإباحية لم تنبس ببنت شفة    دفعة مالية سعودية ضخمة لشركة ذكاء اصطناعي صينية.. ومصدر يكشف السبب    "إلى دبي".. تقرير يكشف "تهريب أطنان من الذهب الأفريقي" وردّ إماراتي    مسؤول سوداني يكشف معلومات بشأن القاعدة الروسية في البحر الأحمر    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    فيصل محمد صالح يكتب: مؤتمر «تقدم»… آمال وتحديات    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    مذكرة تفاهم بين النيل الازرق والشركة السودانية للمناطق والاسواق الحرة    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستثمار في الدمار والفوضي
نشر في الراكوبة يوم 14 - 08 - 2012


الاستثمار في الدمار والفوضى
د. حسن بشير محمد نور
[email protected]
ما ان هطلت الأمطار في خريف حقيقي حتى حل الدمار بالبلاد وتساقطت منازل وضاعت ممتلكات ، والأسوأ أن أروحا عزيزة لا تقدر بثمن ولا تعوض قد أزهقت.تحولت الخرطوم الي مجموعة من البرك والمستنقعات الراكدة تحركها المطرة التالية بينما تعوم فيها أكوام الأوساخ والنفايات وأصبحت بذلك مزارع خصبة لتوالد الناموس والذباب والحشرات مصحوبة بجوقة من الضفادع الصادحة المنتشية. ما يسمي مجازا بالشوارع تحول الي جداول تجري فيها المياه عند هطول الإمطار وتتكوم في منتصفها وأطرافها بعدما تتوقف. كان مصير الشوارع التهتك والذوبان في أنحاء كثيرة كأكوام من الزبالة الهشة.حتي اكبر الشوارع مثل المطار، أفريقيا، الستين ، عبيد حتم وشارع النيل لم تشكل استثناء، أما الشوارع الصغيرة فقد ضاعت معالمها في المياه وأصبح الخوض فيها مغامرة تغني هواة المغامرات من البحث عن أدغال لممارسة هواياتهم.
لا علم لي بعاصمة تغوص في الأوحال والنتانة من أول مطرة تصب عليها وتبقي كذلك الي ان تخلصها الشمس بقدرة إلهية من عذابها، إذا وجدت مثل هذه العواصم فهي تعد علي أصابع اليد الواحدة وتلتحق بمدن الملح والمستنقعات في قصص ماركيز. لكن ما كان لتلك المدن ليل يغني عليه كما كانت الخرطوم قبل عقود من الزمان.
في زمان (الطفرة البترولية) – وطفرة هذه شائعة الاستخدام في الخطاب الإعلامي السوداني الرسمي حتى لتعتقد ان السودان هو جمهورية الطفرات- كانت 3 مليارات من الدولارات تكفي لإقامة شبكة متكاملة من الصرف الصحي ومجاري المياه تكفي لإلحاقها بركب المدن المتحضرة ولاستيعاب مثل مياه هذه الأمطار عشرات المرات، إضافة لشبكة حديثة من الطرق والجسور والممرات لتؤسس لبنية تحتية لمدينة متعددة الملايين وتجوب طرقاتها ملايين السيارات يوميا، إلا ان شيء يقترب من ذلك لم يحدث، كما لا أفق لحدوثه في الأمد المنظور، وهنا تبدو مشكلة حقيقية لن تجدي معها عربات النفايات وبضعة طلمبات للشفط وعدد من آليات الردم.بذلك تبقي الخرطوم كائن متضخم بدون مقومات للتمدن او التحضر. لكن لماذا لم يحدث ذلك؟
للإجابة علي السؤال أعلاه يجب البحث عن جدوى الدمار والفوضى التي تحدث جراء الأمطار. سيحتاج الأمر لكميات من مواد البناء وتشغيل شركات التشييد والترميم. من الذي سيقوم بالتنفيذ؟ ومن إي موارد سيتم الشراء؟ومن الذي سيدفع الثمن؟ ما هي تكلفة صيانة المركبات العامة والخاصة ؟ كم من قطع الغيار يلزم شراؤها؟ وما هي تكاليف الصيانة؟ من الذي يكسب ومن هو الخاسر؟هذا الاحتمال ليس غريبا او جديدا علي السودان فهناك الكثير من أبناء الأرياف علي قناعة بان التقاعس عن إرساء بنيات تحتية ناتج عن الطمع في مكاسب الاحتكار والتخزين لموسم الخريف عندما تتقطع الطرق وترتفع الأسعار إضعافا لتحقيق إرباح تفوق بكثير ما كان يمكن جنيه في الظروف الطبيعية، هذه ليست أسطورة عند أهلنا في مختلف أقاليم السودان وإنما حقيقة راسخة، لكن الجديد في الموضوع أنها أصبحت ظاهرة شاملة تجمع الريف والحضر.
الجانب الثاني في جدوى هذا الاستثمار هو التكاليف غير المباشرة وأولها تكلفة المرض. ستنتشر إمراض التلوث والملاريا وسيتجه من تبقي لديهم شيء من دخولهم الي العيادات والمشافي الخاصة ، لان العامة لا تلبي الطلب.سيدفعون تكاليف المقابلات والفحوص الطبية وسيجاهدون للحصول علي الدواء وشراء ما استطاعوا إليه سبيلا. كم هي تكلفة العلاج وما هي تكاليف الغياب عن العمل؟ ما هي تكلفة تغيب التلاميذ عن المدارس؟ما هي تكلفة تأثر المدارس وعدم تمكن المعلمين عن الحضور؟ كم تبلغ تكلفة الفاقد في التعليم؟كم تبلغ تكاليف الأعمال الخاصة الصغيرة المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن تضرر المنتجات خاصة الزراعية وعن تعطل وسائل النقل وانعدام التخزين المناسب؟. كم تبلغ تكلفة المنازل المنهارة والمتصدعة؟ الكثير من المنازل البسيطة تتم إعادة بنائها او صيانتها بالمجهود الذاتي وبمواد أولية لكنها تكلف أصحابها الكثير من الجهد وفقدان أيام من العمل الموجه لأكل العيش، وهذه تكاليف إضافية.
ان الإنسان في السودان ليظل يحلم طيلة عمره بحياة طبيعية بسيطة ينعم فيها بالأمان ولقمة العيش الكريم ويمارس فيها إعماله بساعات عمل معلومة وساعة عودة الي البيت بمواصلات منسابة ليتناول وجبة عادية مع أسرته.يحلم بان يجد الماء والكهرباء وان يسير في الشوارع لزيارة الأهل والأصدقاء ، حياة عادية جدا بسيطة جدا بشكل طبيعي دون خوف أو غم. أما ان يحلم مثلا بالتمتع بعطلة ما وصحبة أسرته إلي مكان للاستجمام حتي ولو كان في قرية سودانية نائية هادئة تتوفر فيها الخضرة والهواء النقي ، فهذا يبدو من المستحيلات. لن نخوض في العطلات التي ستدخلنا فيما يسمي بالفقر السياحي الذي سيكون نسبته قريبة جدا من 100% اما بسبب فقر حقيقي كما هو حال الغالبية المطلقة او بسبب الفقر الثقافي لمن تتوفر لديهم الموارد وهؤلاء تحوم نسبتهم حول ال 1% من سكان السودان. إذن دعونا في تكاليف المعيشة التي ستضاف إليها تكلفة المبيدات الحشرية وتلوث الهواء. هناك بالتأكيد من يربح من الفوضى والدمار ، لكن من الذي يدفع الثمن؟
- - - - - - - - - - - - - - - - -
تم إضافة المرفق التالي :
11.2011_4457.jpg


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.