بروفيسور/ نبيل حامد حسن بشير [email protected] قسم المبيدات والسميات كلية العلوم الزراعية جامعة الجزيرة 29 أغسطس 2010 في الحلقة الرابعة تحدثنا عن المجلس الزراعي ومسؤولياته ونقاط ضعفه وتقدمنا ببعض المقترحات لتفعيله وجعله فعالا ومؤثرا كما هو الحال في المجلس الطبي والمجلس الهندسي. انتقدنا القائمين عليه ولم نعلم انه قد تم تغيير قياداته التي عزينا كل هذا الضعف لعدم فعاليتها. أشكر للبروفيسر/ أزهري عبدالعظيم حمادة (المدير العام السابق لهيئة البحوث الزراعية) لفته لنظرنا بأن المجلس يرأسه حاليا كبيرنا البروفيسر/ حسن عثمان عبد النور و أمينه العام الأخ العزيز البروفيسر/ بابو فضل الله. كما أن بعضويته الأخ أزهري وبعض أساتذة الجامعات. عدم علمنا بالتغيرات يؤكد ضعف علاقة المجلس بعضويته ، خاصة القديمة منها مثلنا ( دفعة 1971)، وبالجامعات على وجه الخصوص!!! لكننا نستبشر خيرا بوجد علماء على درجة عالية من العلم والتنظيم والمنهجية العلمية والغيرة على الوطن والمهنة مثل البروفيسر/ حسن عثمان والبروفيسر/ بابو والبروفيسر/ أزهري. فعليكم إعادة صياغة كل الأمر ووضع الوطن والمهنة في حدقات العيون وأنتم تعرفون أغلب العضوية معرفة شخصية وتعرفون إمكانيات ومقدرات كل عضو. خدمة الزراعي (جزء) من واجباتكم وليس (كل) واجباتكم (أراضى الزراعيين السكنية والزراعية بسوبا شرق!!). مثل هذا العمل من واجبات النقابات والاتحادات. نعود إلى موضوعنا (العنوان). أعتقد من الحلقات السابقة قد وصلنا إلى قناعة بأن الزراعة عبارة عن عدة علوم، وبدون الالتزام بها وبتطبيقاتها نصبح كمن يحرث في البحر. القوانين واللوائح التي تحكم هذه المهنة الغرض منها تحسين الأداء ورفع الإنتاجية وحماية المهنة والزراعيين والمزارع واقتصاد الدولة. الفوضى التي عمت الزراعة كسياسات وتخطى للاستراتيجيات التي وضعتها الدولة تحت إشراف كبار العلماء ولأسباب غير واضحة مع انعدام الشفافية تقودنا حتما إلى أوضاع كارثية يصعب الخروج منها ، خاصة وأننا دولة مستهلكة ومستوردة لكل شئ من مأكل وملبس ومواد البناء ووسائل النقل . بمعنى آخر اقتصادنا اقتصاد طفيلي. الدولة تعتمد حاليا على الضرائب والجمارك والجبايات، وديوننا فاقت 33 مليار دولار. الانفصال يهدد حرمان الخزينة من عائدات البترول. الشرائح الضعيفة تعادل أكثر من 95% ولا تتحمل اهتزاز الاقتصاد ومعدلات الغلاء في تزايد بدرجات مخيفة لدرجة أصبحنا غذائيا لدينا ما يعرف باسم مس كول لحمة (ثمن كيلو!!!). يا حليل زمن الماجى و الكجيك. سبحان الله. طالما أن هنالك علماء سودانيون متخصصون وهيئات بحثية وجامعات وبيانات وإحصائيات سودانية ومنذ بدايات القرن الماضي حتى تاريخه، فلماذا نلجأ إلى تقانات مستوردة لانعرف غير ايجابياتها، أما سلبياتها فهي لا تخصنا؟؟!! الله كريم. عقدنا في نهاية العام 2004 المؤتمر القومي الثاني لإدارة الآفات بالسودان الذي نظمه قسم المبيدات والسميات بجامعة الجزيرة والذي حضره أكثر من 750 مشارك من كل المراكز والمحطات البحثية والجامعات المهتمة بأمر مكافحة الآفات. نحيط سيادة القارئ الكريم بأن المؤتمر الأول (ورشة عمل) كان قد عقد في العام 1978م!!!شارك بالحضور علماء من انجلترا وكينيا (المركز العالمي لفسيولوجيا وايكولوجيا الحشرات). قدمت فيه أكثر من 175 ورقة علمية في كل مجالات الآفات ومكافحتها. كان العمل مكثفا خلال أربعة أيام وقسم العمل على أربع قاعات كل يوم طبقا لطبيعة الجلسة. أفتتح المؤتمر السيد نائب رئيس الجمهورية موسس مشار والسيد البروفيسر / مبارك المجذوب وزير التعليم العالي والبحث العلمي آنذاك. تبرع السيد نائب الرئيس بمبلغ 250 مليون للكلية والمؤتمر لم نتسلم منها مليما واحدا حتى تاريخه رغما عن مساعينا الجبارة لدى كل من نعرفه من ذوى السلطة. الغريب في الأمر لم يجد السيد وزير الزراعة المركزي وقت لتشريفنا، لكن تشرفنا بزيارات من عدد مقدر من الأخوة الوزراء الولائيين. أزيد سيادتكم علما واندهاشه بأن وزارة الزراعة المركزية لم تساهم بمليم واحد في ميزانية هذا المؤتمر ونشكر الأخ العزيز شرف الدين داؤود على تبرعه السخي نيابة عن إدارة وقاية الآفات المركزية. كذلك شكرنا يمتد للممولين الأساسيين وهم شركات المبيدات وشركات الرش الجوى وبعض وزارات الزراعة الولائية المجاورة للجزيرة وشركة السكر ومصانعها. المهم في الأمر خرج المؤتمر بعدة توصيات منها العام ومنها المتخصص (حشرات – حشائش – أمراض – طيور – فئران – نحل – مبيدات – سميات – ملوثات وتلوث..الخ). إضافة إلى خطط إستراتيجية للمستقبل وضعت بواسطة أعظم وأشهر علماء الوقاية السودانيين وسلمت للوزير المختص بواسطة مدير الجامعة ولم نتسلم حتى ما يفيد بالاستلام كتابة. قمنا مرة أخرى بتسليمها للوزير الذي تولى بعده وأخطرناه بأهمية هذه التوصيات وبثقتنا التامة بأنها ستجد كل الاهتمام من سيادته بصفته عالما وبصفته مهتما بكل ما يعيق التنمية الزراعية..الخ. النتيجة: يظل الحال كما هو. في نهاية 2008 عقدنا المؤتمر الافريقى الأول لعلوم المبيدات والسميات بالتعاون مع الشبكة الأفريقية للتحليل الكيميائي للمبيدات (آنكاب) ولمدة أربعة أيام أيضا وحضره حوالي 350 متخصصا من 16 دولة أفريقية وأوروبية. عدد الأوراق المقدمة أيضا فاق المائة وسبعون ورقة. قام بالتكلفة كل شركات المبيدات والرش الجوى و الجمارك وشركة السكر وبعض مصانعها ومشروع الرهد وغطى بقية التكلفة مشكورا السيد الفريق عبد الرحمن سرالختم الذي تكرم علينا باستضافة كل الأجانب بقصر الضيافة وفندق نادي الجزيرة وفرغ لنا كل العاملين بالمراسم وأقام لنا حفل الفولكلور السوداني بمسرح الجزيرة، وعومل الأجانب معاملة رئاسية جعلتهم في حالة اندهاش من السودان وكرم السودانيين ولم يصدقوا بأن السودان يمكنه تنظيم مؤتمرا ضخما مثل هذا وبهذه الدقة والفخامة (المبسطة) وأخبرونا بأنهم (تعلموا) من السودان الكثير وعلموا أن الإعلام العالمي يتجنى على السودان!! أيضا خرجنا بتوصيات في كل مجالات المبيدات والسميات والتلوث والملوثات..ألخ وقمنا بتسليمها للجهات المختصة، ولم نتلقى منهم كلمة شكر أو تشجيع، ناهيك عن المساهمة المادية رغما عن مخاطبتنا لهم وللمجلس الزراعي (عبر رئيسه في ذلك الوقت والذي كان يشغل أيضا وزير الدولة بالتعليم العالي) قبلها بعامين حتى يضمنوها بميزانياتهم مع استمرار التذكير كلما التقينا (لازال المؤتمر مديونا حتى تاريخه 15 ألف جنيه جديد!!). ذكرنا المثالين السابقين حتى نوضح للقارئ بأن وزارة الزراعة المركزية وكذلك بعض إداراتها (في أغلب الأحيان) لا تهتم بالعلم أو بالرجوع إلى توصيات المؤتمرات العلمية والتي كانت تعقد كل عام بنهاية الموسم الزراعي وقبل بداية الموسم الجديد إما بالخرطوم أو بقاعة هيئة البحوث الزراعية بمدني. كان البروفيسر/ عبد الله أحمد عبد الله من أكثر المهتمين بانعقادها، كذلك الوزير الأسبق عثمان حاكم والذين تولوا الوزارة بعدهم. نحن لا نحتاج للمزيد من المؤتمرات أو إلى إصدار الجديد من التوصيات. المطلوب الآن حتى نعود إلى وضعنا الطبيعي ووضع الزراعة الطبيعي وتطويرها بالرجوع التي التوصيات التي صدرت من عشرات المؤتمرات (المركزية والولائية) التي عقدت منذ العام 1975م حتى تاريخه. نقوم بدراسة كل توصية بواسطة لجنة مختصة ونحدد ماذا نفعل بصددها حتى نجد (الحلقة المفقودة) التي ذكر السيد الأمين العام للنهضة / النفرة الزراعية أنهم قد اكتشفوها، ولا زالت غائبة عنا نحن المهمومون بالأمر وأمثالنا الذين أضاعوا زهرة شبابهم في التدريس والبحث. النقطة الهامة الثانية هي (عدم الالتزام بالاستراتيجيات) التي وضعتها الدولة، وعن طريق كل وزارة. بمعنى أن استراتيجيات الزراعة وضعتها الوزارة والخبراء الذين استدعتهم الوزارة وقبلتها الدولة. هل يمكن تفسير التصريحات التي جاءت قبل عدة شهور من شركة الأقطان بأنها ستزرع 300 ألف فدان قطن منها 150 ألف بمشروع الجزيرة، ثم صرحت بأن ما سيزرع بالمشروع بمفرده هو300 ألف فدان، وأنها ستوفر المدخلات والسلفيات وفجأة يصرح السيد مدير عام المشروع قبل يومين (27 أغسطس) بأجهزة الإعلام بأنه تمت زراعة 600 ألف فدان ذرة ومن المتوقع أن تنتج حوالي 20 جوال للفدان وتمت زراعة 50 ألف فدان قطن، علما بأن معلوماتي الشخصية والتي استمدها من داخل المشروع بأن ما تمت زراعته حتى اليوم هو 11 ألف فدان أكالا و25 ألف فدان بركات!!! اليوم (29 أغسطس) قمت بزيارة لمنطقة الحوش ولم أجد غير الذرة التي لا زالت في مراحلها المبكرة، أما القطن فهو مشتت بين النمر وبمساحات صغيرة جدا ، وأطوال النباتات تتراوح مابين 10 سم إلى 30 سم، لكنها تتميز بنمو جيد مع نظافة الحواشات من الحشائش. ثالثا، التسويق من أساسيات الأنشطة الزراعية. ما لم يعرف المزارع مقدما الثمن الذي سيحصل عليها مقابل محصوله لن يقوم بالزراعة. لابد أن تقوم الدولة بتحديد السعر مقدما وبأسس علمية مقبولة حتى تشجع المزارع على الإنتاج، خاصة القطن والقمح مع توفير السلفيات (تحت الحساب) أو من البنوك مقابل سعر فائدة (اسلامى !!) مقبول. أما بالنسبة لمزارعي الخضروات والفاكهة فان المشكلة الرئيسية هي الإرشاد المتخصص والتسويق. السماسرة هم المستفيد الأوحد من منتجات البساتين. منتج المواد البستانية يفضل أن يجد من يسلمه المنتج مبكرا وبسعر متفق عليه مع تسلم المقابل فورا حتى يستفيد من بقية يومه في المزرعة أو شراء بعض المدخلات. نقترح أن تقوم الدولة بتأسيس جسم بالتعاون مع اتحاد المنتجين يقوم بتحديد الأسعار يوميا واستلام المنتج من المنتج مباشرة وتسليمه مستحقات اليوم أو على الأقل مستحقات التسليم (اليوم) الذي يسبقه حتى يقضى احتياجاته بالأسواق والعودة لموقع الإنتاج وكسر احتكار السماسرة والطفيليين. كنا نود أن نستمر في التوضيح بالأمثلة، لكن نظن أيها القارئ العزيز بأن الرسالة قد وصلت إلى كل من نريد أن تصله، و أكدنا أنه دون العلم لن تتقدم زراعتنا، وعلى السادة الوزراء مراجعة خطط الوزراء الذين سبقوهم ، وإحياء اللجان التي كونوها أو إلغاؤها، ومراجعة التوصيات وتبنى المناسب منها، والاهتمام بالخريج الزراعي ووضعه في المكان المناسب بالوزارات الإقليمية والمركزية وإداراتها. وزارة الزراعة للزراعيين فقط. هنالك أكثر من 13 تخصص زراعي تغطى كل الإدارات بما في ذلك الحسابات وشؤون الأفراد. مشروع الجزيرة (سابقا) كان به حوالي 7000 من المدير حتى صغار العمال. الزراعيون فيه لا يتعدى عددهم 300 زراعي!!! هل يستقيم ذلك. انتهى (بس خلاص كما يقول شعبولا).