لعلم من لا يركبون المواصلات العامة ، فإن الهايس هي ذلك الميكروبص الصيني الذي ينقل الركاب بقيمة أعلي من قيمة البص أو الحافلة المعتادة ، وأن العديد من الشباب يعملون في مجال قيادة الهايس من أجل توفير لقمة العيش لهم ولأسرهم في زمن تفشي العطالة و( الشغل ) عن طريق الواسطة . كانت هنالك شلة من المحظوظين استطاعت أن تجد مقاعد بالهايس وسط زحمة الركاب وانعدام المواصلات العامة بالخرطوم ، جلس شاب في منتصف الثلاثينات في المقعد المجاور لي وما إن رفع رأسه حتي هتف في الشخص المقابل له وينك يا فلان !! وكان فلان هذا كهلاً قد خط الشيب رأسه . وتبادلا التحايا والأشواق والسؤال عن الأحوال طيلة سنوات انقطاعهما عن بعضهما ، ويبدو أنهما ما زالا يعملان في مرفق حكومي هام ولكن في أماكن مختلفة . وسأل أحدهما الآخر عن فلان فأجابه ( الجماعة إتآمروا عليه ونقلوه لأم دافوق ولكنه لم يهتم ، ومشت معاه تمام عمل بقر وضان ومواشي ولما شافو أموره تمام جابوهو بي طيارة ) . وظلا يتحدثان عن مؤامرات الجماعة التي لا تنتهي وقدرتهما علي احتمال اللؤم والنقل التعسفي لمناطق الشدة وعن ضياع الأموال العامة والقرارات التي لا تستند لأي قانون . ولما أراد أحدهما أن يترجل من الهايس قال لرفيقه مازحاً أعمل حسابك من ام دافوق ، فأجابه الثاني أنا جاهز ولكنني لن أدخل في زمرة الفاسدين ، ثم تفرقت بنا السبل بعد أن وصلت الهايس لآخر محطة . وكم في بلادنا من عامل أو موظف أحيل للتقاعد لأنه قال النصيحة والمدير ( شمّاهو ) . وكم في الخدمة المدنية من مديرين وكبار موظفين سدنة أو تنابلة هبروا في المال العام ، وحولوه للحسابات الخاصة ثم نالوا الترقيات والأوسمة والنياشين . ومن معايير الترقي والصعود في سلم الوظيفة الإنقاذية أن ( تأكل ) و تأكّل بمعني أن تقسم الغنيمة ولا تستأثر بها لوحدك ولا تخشي بعد ذلك المراجع العام بل ارقص وغني دخلوها وصقيرها حام . ولهذه الأسباب ولغيرها تراجع أداء المؤسسات العامة وضعفت مساهمتها في الميزانية ، وبدلاً عن إرجاع الأموال المنهوبة صاح بعض السدنة ( ما قلنا ليكم خصخصوها ) . ويدقون الجرس فيها بعد أن يأخذوا العمولات ، ويحرقوا المستندات ولا تسليم ولا تسلم ولا حركات . وهكذا عندما يحال عمال وموظفي مسلخ الكدرو للشارع بفعل الخصخصة ، يستلم آخرون إشعار التحويل البنكي بالنقد الأجنبي ويحتفلون باليوبيل الذهبي ثم يقولون هذا من فضل ربي