إليكم الطاهر ساتي [email protected] ( دس المحافير)..من المستفيد؟ ** إبن الرباطابي، بعد أن جلده والده، خرج إلى الشارع باكياً ومبتل الوجه دموعاً.. إستوقفه أحد المارة وسأله : ( ياولد ابوك دقاك لشنو؟)، فلم يجبه، فلاحقه بسؤال آخر : (يا ولد أنا باتكلم معاك، أبوك دقاك لشنو؟)، فلم يجد الصبي لهذا المزعج من الرد المناسب والغاضب غير : ( دقاني في تحشر متل تحشرك ده)..وكذلك حال الأهل بالخرطوم، إذ لم تغضبهم إسرائيل فقط، ولم يحزنهم ضحايا قصفها فقط، بل مزق أكبادهم ( تحشر والي الخرطوم) أيضاً..و(التحشر) في قاموسنا هو التدخل في (ما لايعنيك)، وهذا ما جاء به والي الخرطوم في تلك الليلة، وهذا ما أغضب - ولايزال - الناس..فالحدث لم يكن إنفجاراً للصرف الصحي بشرق النيل، ولاتوزيعاً للخراف الهزيلة لعمال الولاية بالأسعار الخرافية، ولا أزمة في المواصلات، ولاحريقاً بأسواق الحاج يوسف..ولذلك، لم يكن هناك داع لذاك ( التحشر الولائي)، بلا علم لتفاصيل الحدث..للرئاسة ناطق، ولمجلس الوزراء كذلك، وللجيش أيضاً.. ومع ذلك، تقدم والي ولاية متحدثاً بمنتهى الجهل..!! ** وكان محزناً للأهل أن نسمع سيادته يقول للناس : (ليس هناك ضحايا)، في ذات اللحظة التي كانت تبلغ فيها آهاتنا الأهل بأن العائلة فقدت عزيزاً، وأكرم الله حبيبنا الفاتح بالفردوس مقاماً وأكرمنا بالصبر نعيماً، ورحم كل الضحايا وأثابهم جميعاً..وهي ذات اللحظة التي كانت تستقبل فيها مشافي التركي وبشائر و طوارئ الخرطوم الجرحى ومن هم في الرمق الأخير..من أين إستقى والي الخرطوم معلومة (ليس هناك ضحايا)..؟..ولمصلحة من كان حريصاً على بثها بتلك العجالة، قبل إطفاء الحرائق وقبل عودة الأسر من سوح الخوف إلى بيوتها؟.. لم يكن مطالباً بالحديث، إذ هذا شأني قومي، ثم ما كان عليه أن يتحدث بتلك اللامبالاة واللامسؤولية وبمنتهى الحرص على نفي الحقائق، وكأن صواريخه هي التي تسببت في موتهم وجرحهم، وليست صواريخ إسرائيل، أو كأن الضحايا- حين يكون من المدنيين الأبرياء - ليسوا برعاياه، بحيث لايشملهم حتى جهد (التفقد والإحصاء).. !! ** ولم يكتف بهذا، وليته إكتفى به، بحيث يكون الحزن خاصاً لأهل الضحايا..بل تجاوزهم بحديث غير مسؤول أيضاً، وهو الحديث الذي لم يُفرح في تلك الليلة غير إسرائيل، وكان حديثاً فحواه : ( ليس هناك مؤثر خارجي)..هكذا برأ الوالي إسرائيل في ذات اللحظة التي كانت فيها آثار صواريخها تصيب الناس والبيوت بالموت والدمار والتوجس والجنون والإجهاض..لم ينتظر إكتمال فصول مآسي الناس، ولم ينتظر إكتمال تحري الحكومة، بل سارع بنفي وجود مؤثر خارجي بحرص غريب، وكأنه لسان حال ذاك المؤثر الخارجي والذي لايزال ينفي التهمة بالتبرير.. نعم، كان على والي الخرطوم أن يتمهل قليلاً لحين إكتمال التحري ومعرفة المتهم بالقصف، هذا إن عجز عن الصمت وعدم التدخل في (ما لايعنيه)..ولكنه - كما أي مسؤول غير مسؤول - مزج كل السلطات ببعضها ثم مارسها جميعاً، ولذلك ليس في الأمر عجب بأن يتحدث بغير علم، أوأن يكون حديثه لصالح (إسرائيل)..!! ** نعم، فالمعتدي يخفي - أويقلل - حجم ضحاياه خوفاً من الرأي العام، إقليميا كان أو عالمياً، وكذلك ينفي إرتكابه للفعل ليجنب نفسه سيل الإدانات الدولية والإقليمية..ولكن العجز عن إدارة الأزمات دائما ما يعكس الأشياء، ولذلك كان طبيعيا أن يضع والي الخرطوم في موضع (المعتدي)، لينفي وجود الضحايا في أوساط المدنيين، ثم يتمادى وينفي وجود عدوان خارجي( من أصلو)..على كل حال، درء الأزمات والكوارث عن الناس والبلد لم يعد طموحاً في أزمنة جلب تلك الأزمات والكوارث من وراء البحار، بل تقزم ذاك الطموح وصار كل المطلوب هو تعلم الولاة ( إدارة تلك الأزمات والكوارث المستوردة)، بدلا عن النهج المتبع حالياً والمسمى شعبياً بنهج (دس المحافير)..!!