[email protected] وافق المثل الدارفورى الشعبي ( شنقلى طوباية تلقى دهباية ) حال أهل السودان اليوم في بحثهم المحموم عن الذهب ومغامراتهم المضنية التي جعلت البعض بين ليلة وضحاها وبين ضربة فأس وقلبتها, من الأثرياء الذين يتعاملون بالملايين وانقلب حالهم إلى التنعم والرفاهية مودعين بذلك الفقر والضنك . تواردت أخبار انقلاب الأحوال وشنقلة الحال للكثيرين من الشباب والرجال إلى المال والثروة مما حفز وشجع الجميع للضرب في وجه الأرض بحثا عن الذهب وترك الزراعة والأعمال الذي لم يخيب آمال الكثيرين في الحصول عليه في كل زاوية من زوايا الوطن المعطاء بفضل الله رب الأرض والسماء . وقد رزق الله شعب السودان مباشرة بعد أن فاتهم اقتسام كعكة البترول مع الدولة التي بقيت بلا حول ولا قوة بعد قرار الجنوب وقف تصدير البترول عبر السودان مما أربك الاقتصاد وأحدث الغلاء في الأسعار وضّيق المعيشة تزامنا مع هجمة مواطني دول الجوار جراء سماعهم هذه الأخبار البراقة .وهو الذي كنا في غنى عنه لو صاحب بداية اكتشاف وبيع البترول بعد نظر استراتيجي بدعم للتنمية الزراعية والصناعية تحسبا للمفاجئات غير المتوقعة للاقتصاد المحلى والعالمي وهو ماأوهمتنا به الدولة عند تكوينها مجلس أعلى للتخطيط الاستراتيجي ولمدة خمسة وعشرين سنة تمهيدا للجمهورية الثانية والتي توقعنا حسب الوعود المغلظة بالحلفان أن تكون جمهورية الرخاء والاستقرار والتنمية ووداع الفقر والأزمات وتمزيق الفواتير ( طبعا بعد سدادها) وكفايتنا شر الديون والقروض . وبما أننا من المؤمنين بأمثالنا الشعبية الموروثة ومنها (رزق اليوم باليوم) و(أصرف مافى الجيب يأتيك مافى الغيب) , فقد عملنا بذخا في صرف أنصبتنا من عائدات البترول في التعيين والتوظيف والتوزير والاستراضاءات الجهوية والحركية واستحداث ولايات بكل الاتجاهات شرقية وغربية وجنوبية وشمالية ولا نستغرب إذا طلعت شمس أحد الأيام ومجلس الولايات يستحدث ولايات جديدة بمسمى ولاية الجنوب الشرقي أو الجنوب الغربي لهذا الإقليم أو ذاك . ثم تجديد مكاتب الدولة وتظليل العربات والتوسع في المؤتمرات الإقليمية والعالمية وصرفنا مافى الجيب في انتظار مايأتى به الغيب , وهو ماحدث الآن من وجود للذهب بكميات كبيرة والعهدة على وزارة التعدين تستدعى عمل مصفاة للتعدين بمواصفات عالمية وتصديره كناتج قومي يعوض ميزانية الدولة عن فاقد دخلها من البترول ,والفرق هنا أن ماجاء من باطن الأرض ( البترول ) كان للدولة حلالا بلالا وما جاء من وجه الأرض ( الذهب ) فهو من حق الغبش من مواطنيين عاديين وهى هبة من الله الكريم لشعب السودان ( في الانتظار لمدة 40 عاما ) لتتجاوز الدولة منعطفات الحصار والمقاطعة ومطبات الحروب الأهلية . أدعوا من هنا الأثرياء الجدد لتكوين جمعية أو هيئة باسم يعبر عنهم وأن تكون الهيئة الراعية الرسمية لإيجاد أفكار استثمارية لتنمية ثرواتهم الذهبية بمشروعات تكون مفيدة ومجدية للاقتصاد الوطني وليس (المؤتمر الوطني ) لتلافى إخفاقات الدولة السابقة تجاه استثمار عائدات البترول التي تبخرت هنا وهنااااك...... !! ولامانع من استحداث وزارة للذهب أسوة بوزارة البترول يكون وزيرها أكثرهم (استذهابا) ولمعانا و أعتقد أنه سيكون هناك أكثر من طامح وطامع ومتقدم للمنصب بلاخوف من مطالبات الضرائب والزكاة والولاية أو المحليات لان المناصب كفيلة بجبها وإلغاءها لكل القوانين بل وتدعمها بعض الفتاوى !! ويمكن للحكومة الاستفادة منه في إرضاء أي متأخر ملتحق باتفاق الدوحة أومن أحزاب الفكة وبذلك لن يكون هناك أي حردان ولازعلان طالما الذهب بالكوريك والمناصب موجودة واللاندكروزرات مظللة . في كتاب تاريخ السودان (زمان ) المقرر دراسته في المدارس الأولية كانت هناك قصة جبال بني شنقول التي قصدها الخديوي إسماعيل باشا بعدته وعتاده ضمن حملاته الشرسة على السودان والتي كان من ضمنها أسر الرجال الأقوياء لجيشه وبناء دولة الخلافة العثمانية و جمع ريش النعام للوسائد الفاخرة لقصورهم وحريمهم .وبما إننا ضمن أمم لا تقرأ وتجهل تاريخها فأننا جهلنا طيلة هذه السنوات أسرار وخفايا ماتحمله أرضنا من خيرات كثيرة ومتنوعة كان ضمنها الذهب رغم أنه مكتوب في مناهجنا الدراسية المقررة وضمن أسئلة الاختبارات لتلاميذ ذلك الزمان الغابر , ولم نلتفت للتشابه بين المثل (شنقلى) طوباية واستهدف الحملات الخديوية لجبال بني (شنقول) من قديم الزمان رغم التقارب اللفظي بين الشنقلة هنا و والشنقول هناك , أو لربما أننا تشنقلنا فترة طويلة من الزمن بسبب فاولات الحكومات المتعاقبة بالانقلابات و لم نلتفت لهذا الأمر أو ندرك أبعاده ومعانيه . ..وها نحن انعدلنا فجأة من الشنقلة مثل انقلابة النائم لنبدأ في (شنقلة الطوباية) لنلقى الدهباية وهو ماكان وانتظم حياة الكثيرين من السودانيين طمعا في الكسب السريع والثراء أسوة بالحكام ومناصريهم في السودان . وبما أننا في الشنقلة والشنقول ونحن نستشرف المأمول من أهل اسطنبول , لنا أن نسأل مجرد سؤال عن ذهبنا الذي استعاره الخديوي إسماعيل إبان حملاته المحمومة عسى أن نستعيد منه ولو القليل لموازنة ميزان الاستثمار مع العثمانيين الجدد الذي بلغ 500 مليون دولار حسب الرواية الحكومية لتعافى الاقتصاد السوداني وعون النازحين واللاجئين ..!! و أن نعفى الأمريكان من التطبيع والدعم (بطيب خاطر) بصفتهم مانحين وان نضع ألستنا داخل أفواهنا بعد أن اعترفنا بأننا لم نربى العضلات ( التبش) الكافية على مصادمة ومواجهة الأمريكان وإرغامهم على تطبيع علاقاتهم ووقف العقوبات وأن نطلب منهم العمل لدينا كمستشارين بعقود ورواتب مجزية لبناء الدولة السودانية الحديثة( بحقنا ) للتشابه الكبير بيننا وبينهم عند قيام دولتهم والتي بدأت بحرب بين الجنوب والشمال ثم وجود الثروات الكبيرة والبحث معنا عن الذهب والبترول للتشابه الجغرافي والطبيعي الذي لاحصر له إضافة إلى التركيبة المتنوعة من الجنسيات والاثنيات والمهاجرين والتي كونت فيما بعد المجتمع الامريكى وخلقت قوة أعظم وأغنى دولة في العالم ..!! نطمع أن نكون مثلها لو وظفنا ثرواتنا ووزعناها بعدالة لبناء قاعدة وبنية تحتية صلبة لكل الولايات المنتجة بدلا من التجييش والتسليح والتوزير . بشرى مكي [email protected]