[email protected] أعني أولا بمصطلح سوء الخاتمة السياسية أن يبدأ السياسي حياته السياسية مدافعا عن العدالة ، والحرية ، والديمقراطية منتميا لجوع شعبه ... لينتهي في قبو الدكتاتورية المظلم ، واضعا يده في يد من ولغ في دماء شعبه، وأمواله ، وأعراضه ، ومقدراته ... أعني بها أيضا متلازمة التيه السياسي التي يُبتلى بها بعض الساسة المخضرمين ، ففي لحظة ما يفقدون بوصلتهم السياسية ، ويتخبطون في متاهات الأنظمة الغاشمة مؤسسين لموتهم الأول الذي كثيرا ما يتأخر عنه موتهم الثاني! الأمثلة على الذين انتقلوا ببراعة بهلوان من فضاء الحرية والديمقراطية إلى ظلمات أنظمة القهر أكثر من أن تحصى ، والذاكرة السودانية يمكن أن تلتقط من أقرب رفوفها أسماء مثل : فتحي شيلا ، عبد الباسط سبدرات، محمد زياد حمور ، أحمد سليمان، غازي سليمان ، محمد محمد خير ، خالد المبارك ( الذي بدأ حياته ناقدا يضيء خبايا النص الأدبي ، وانتهي بتلميع أحذية الطاغية البشكير وزبانيته راهنا سمعته وعلمه لمن أهانوا الشعب السوداني وأدخلوه في بيت الاشباح الكبير المسمى بالإنقاذ ..مقابل منصب وهمي اسمه مستشار إعلامي في لندن ) ... إلى آخر القائمة التي أظلمت بياض هذه الصفحة ... أخشى أن يأتي في ذيل هذه القائمة تاريخا .. وليس ترتيبا .. السيد الصادق المهدي ..لأننا إذا طرحنا جانبا خطاباته المتكاثرة كفطر ، وتنظيره الذي يتمدد كحبل لانهاية له ، وأحاديثه التي أصابت مركز الفعل السياسي المعارض بالشلل ... وإذا طرحنا أيضا مماحكاته ومناوراته ومداوراته للنظام فما يتبقى منه في رصيد العمل السياسي الفعلي في الزمن الإنقاذي الزنيم يساوي القدر اللازم من التشويش على الفعل الثوري وتبعاته.. ولكي أكون محددا وواضحا سأشير هنا بعجالة لثلاث نقاط في بحر الصادق الزاخر في خدمة النظام (ربما بأكثر مما خدمه زبانيته المباشرون..) أولا : في كل لحظة كان نظام الإنقاذ يعاني عزلة داخلية وخارجية مريرة ، وتكون الظروف مهيأة تماما لانتفاضة شعبية يمد (السيد) له حبل الإنقاذ ..حدث ذلك في جيبوتي ، وفي نداء الوطن ، وفي إضرابات الأطباء قبل سنوات قلائل حيث اعتقل وعذب الأطباء ... وفي الانتخابات الأخيرة بمواقفه المتذبذبة وبقبوله نتيجتها صراحة ، وبتصريحه أن النظام ( لم يقل النظام طبعا وإنما قال الحكومة ) قد استجاب ل 80% من مطالبه معطيا الانتخابات شرعيتها ، ولقاؤه حينها بالبشكير معطيا النظام هدنة لم يكن يحلم بها .. وصورتهما في أجهزة الإعلام حينها وهما يضحكان في وجوهنا العابسة ..والقائمة طويلة ... ومؤلمة .. ثانيا : ما أكثر ما حذر الإمام العصري الشعب السوداني من ثورة شعبية على غرار الثورة الشعبية في مصر وتونس بحجة عدم دفع البلاد إلى الصوملة ( وهو في صوملة يا أخوانا أكتر من الحاصلة هسع ؟!!) ....... وقال السيد الموقر أن المعارضة ينبغي أن "ترعى بقيدها " ...أي القيد الذي وضعته لها الحكومة .. مما يثير تساؤلا حول وعي السياسي مؤاده : كيف يكتشف الطفل التونسي ذو السبع سنوات الحقيقة الساطعة بأن تغيير الأنظمة يبدأ من الشارع وتغيب عن السياسي المخضرم الذي يحتفل غدا بعيد ميلاده السابع والسبعين ؟ وكيف يحل الصبي المصري أو السوري أو البحريني أو اليمني أو الليبي ذو الثمانية أعوام معادلة السلطة والشعب ببساطة مذهلة عبر رفع راية سقوط النظام وليس ترقيعه ، أوتعديله ، وتغيب عن (السيد )المخضرم هذه الحقيقة ؟... ثالثا : في انتفاضة الشباب الباسلة في يونيو ويوليو 2012 رأى البعض أن مسجد السيد عبد الرحمن يمكن أن يمثل انطلاقة لشرارة الانتفاضة .. وكان ما كان من تخذيل الشيخ أبو والسيد الصادق للانتفاضة الباسلة ... وشهدت ُ مع غيري الإمام العصري ورهطه يتسللون لواذا من الباب الخلفي للمسجد في العربات الفارهة .. بينما كان الجرحي والمصابون في كل مكان من حوله .. ولم يطالب الإمام العصري جماهيره حينها ولا الآن بالخروج والانضمام إلى إخوانهم المتظاهرين .. وظل يتحدث عن المرحلة الأولى .. والثانية .. والثالثة إلخ إلخ ... وهكذا سيظل الإمام مهووسا بتعداد المراحل حتى تدهم هذا البلد المنكوب كارثة لا مراحل لها ...