[email protected] العزيز عبدالله لك التحيات اذا ساعدنى الفهم بانك تقصد اننا أسرنا كل ود الكى داخل حدائق شعره إلإاننى اعتقد بأننا الاسرى وهو بكلياته آسرنامنذ ان قدم بقطار الغرب الشائخ التائه لأنه كان ومازال روحا من الزمن القادم كان ود المكي هو الشاعر الذي وجدناه نحن جيل السبعينات يخاطب فينا ما لا يخاطبه الآخرون . فالشعراء الآخرون يستنطقون المشاعر والأحاسيس ويلتمسون لغة ولفظاً يصيح بما هو مخبأ ومختفي ليس بين الجوانح وإنما بين العواطف والظنون، ولكن ود المكي غير ذلك . فهو لا يستنطق المشاعر ولكن يحرّك الشعور، يلتمس إلى ذلك السبيل الموصل مباشرة للكوامن في النفس البشرية كلها, وإن لم نقل في الحصر للنفس السودانية الأصيلة، إنه يدخل إلى دهاليز وتلافيف المخ السوداني ويجوس فيها منتزعاً منها صور التراث والثقافة والتربية والتعليم وتقاليد المجتمع وتقاليد القبيلة ويعبر بكل هذه وتلك إلى الشرف الجديدة إلى الأماني والأمنيات وإلى التطلّعات الواثقة والواسعة الخطى نحو العالم الجديد الذي كان يراه طالعا مثل رؤوس النبت تصارع تحت التراب. حتماً ستظل بذور الخصب ونور الحب كان شعر ود المكي يدوزن لنا الحياة ويمدنا بصور ما خطرت على بيدبا ولا ابن المقفّع . وكنا نجد في شعره ما نحتاجه وما يعبّر عنا , وما يوجه خطاوينا، حب لا متناهٍ للطيبة والطيبين من الأهل والقرية والام والاخت وكل عزيز لصيق .وكل قريب نسيب وكل رفيق درب ونضال. كنا من شعره نستمد العبارات والجمل والمفردات التي نستخدمها في مختلف المواقف والمواقع لو صد الحبيب وضنّ. وقصائده الجريئة كانت تفتح لنا مغاليق الدروب وتحطم كل التأوهات التي لم نكن نجرؤ على القرب منها وتهز قناعاتنا بالعديد من المسلمات التي لم نكن نفكر في ابعادها ودلالاتها بقدر ما كنا نقدسها دون وعي، وبحكم التيار الجارف «اهانات شخصية لابن الملوح» قصيدة زلزت قناعات الكثيرين في صورة العاشق النبيل. وحولته إلى عاشق خيبان يستحق الاهانة لانه لم يدفع عن حبه خشية الرضا العام.. أهينك ها انا عبر القرون أهين حلمك بالخلود العذب أهين نذالة الكسب الذليل على حساب القلب أهين جميع من باعوا الشباب وفرطوا في الحب ومن خفضوا الرؤوس وطأطأوا الهامات واعتذروا عن الأيام أهين لك الرضا العام . الديوان الأول أمتي الذي طبع في بيروت لأول مرة عام 1968م هو الذي منه ارتشفنا ما ارتشفنا وما روينا، وزادت مفرداتنا ثراء وتوسّعت استخداماتها، عرفنا الحمى والطبول والشعاليل وكانت هايدي اسماً جديداً أطل على سماء المجتمع السوداني، ودخل على أوسع نطاق منظومة اسماء البنات، عرفنا الجليد ولم نره تخيلناه مثل لآلئ البحر التي لم نرها أيضاً، ورغم هذا وذاك كان الديوان يمدنا بمدد لا ينقطع بالعنفوان والجرأة حتى صرنا نرفع أصابعنا في الشمس ونهتف: من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدة والسير من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياة القادمة وما كنا ننتبه لهذا الترتيب: الوعي، الحلم، الغضب الذي جاء في «أمتي» والذي ظل سراً مغلقاً لم نحاول فضه فقد اعتدنا ان نحلم اولاً ثم نعي ثم نغضب حينما ترتضم أحلامنا بالواقع. وعرفنا الآن أن الحلم يحتاج للوعي أولاً وعندها يأتي الغضب النبيل ، وعرفنا الآن ان ود المكي كان روحاً غير روحنا، ولم يزل يستشرف القادم ويعي الحاضر ويرواح بينهما ليكتب شعراً هو أقرب إلى النبوءة يرى بين معطيات الحاضر ظلال القادم فيشير ويشير ويشير. ففي أيام وزمان الصبا الباكر كانت نفوس الناس من حولنا نحن جيل السبعينيات من القرن الذي تسرب بين أيدينا كباراً وكانت الأماني والتطلعات أكبر، ولذلك تعبت في مرادها الأجسام .اليوم نحن نجترها مخلوطة بحاضر أمر من المر .وتلك كانت أياما لا تعرف إلا الحب.. ما أحلى أياما لا تعرف إلا هم الحب ها نحن الآن تشبعنا بهموم الأرض اليست هذه نبؤة باكرة ؟ ام كانت الهموم غير الهموم العاصفات اليوم ؟ كانت تأسرنا روح العشق والمحبة ويهز كياننا ايقاع الجاز ولم نكن ندري إيقاع الحياة . لأننا كنا الحياة والأحباء من حولنا هم نحن: يثب الجاز في أعصابنا أملدا رخوا مدينا خائنا ومليئا بالشجى والجوع والرعب الخرافي فلتكن من بعدنا اللعنة ولنأت على أعقابنا حتماً حتماً يا أجدادي شعراء الشعب «وإن طال الزمن» لغة هي ليست لغة الطير في الباقير وليست لغة «أكلوني البراغيث» ومع هذا وذاك فهي ليست لغة العوام التي تستهدف دغدغة الأحاسيس وتهييج الأعضاء والتحويم في السماوات المدخنة إلى شعيرات الدم قبل أن تصل إلى العقل فتكون عالماً من الواقع ومن الحب والأمل والتطلّع والطموح والجموح نحو المعالي ونحو الشرف الجديدة ونحو الزمن الآتي الأجمل: مات التوحّد وانتهى دهر العقوق وهالنا الدنيا الرحيبة والخلود لغة لا تتشرّنق، ولكنها تجمع وتعي أجمل ما في الكائن وأحسنه، أنضر ما فيه، لغة تجمع بستان الحياة بكل جمالياته في وردة مذهلة تسر الناظرين.. من جمالك في الموت نأخذ درساً بليغاً.. هكذاأسرنا ود المكى وأسرّنا -بالراء المشددة- بانه معنا بذات الصف مأسورافى زمن "المواسير"