البحارة التائهون بابكر عيسى [email protected] قضايا كثيرة تضج في عقل الإنسان، يسعى جاهداً لاحتوائها فيجد أن المسألة ليست بالسهولة التي يتصورها، فقضايا الواقع العربي شديدة التعقيد وبالغة الصعوبة، وحلها ليس بالأمر اليسير لأنها نتاج سنوات من التيه والإهمال واللامبالاة، وحلها جميعاً بين ليلة وضحاها أمر مستحيل، إن لم يكن غير ممكن على الإطلاق.. نتيجة لهذه التقاطعات الحادة والطرح العنيف والتجاذبات المتداخلة نجد أنفسنا أمام حائط مسدود، يوهنه ضعف الإرادة وقلة الإمكانات وغياب الرؤية المتكاملة أو ما يعرف هذه الأيام بخريطة الطريق.. دروبنا متشعبة ومتداخلة ولا تحتاج فقط إلى خريطة وإنما إلى حزمة إرادات متجانسة وقادرة على العبور بنا إلى الناحية الأخرى من الشط.. وهو شط الأمان الضائع. كثيرة هي المشاكل التي تبرز على سطح الأحداث وتغرس رماحها الصَّدِئة في قلب واقعنا التعيس، فعلى الصعيد الاجتماعي تجد مجتمعاتنا تئن من مخرجات الفقر وتداعياته، وغياب الدولة والخدمات الأساسية المتمثلة في العلاج والتعليم والتي يشكل غيابها أو تراجعها المريع طوقا يشد الخناق على رقاب أغلبية الناس المحرومين من الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية. ووسط دائرة الفقر الجهنمية حيث البطالة وانعدام فرص العمل وتزايد الأعباء والالتزامات المالية يصبح الناس -رجالاً ونساءً- مثل البحارة التائهين، وتتساقط القيم ويصبح للثراء رائحة كريهة وتكثر حكايات الفساد والرشوة والسقوط الأخلاقي. عندما خرجت الثورات إلى الشوارع تهتف بسقوط الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية وتطالب بالحرية والعدالة والخبز لم نكن نملك «مصباح ديوجين» لنرى من خلال الحكمة ما يجب أن تكون عليه الأمور، وفاتنا في ذروة الفرح أن نتنبه أن هناك قوى أخرى تتصيد الدروب، لسرقة الانتصارات الجماهيرية وتجييرها لنفسها، ولأننا خرجنا مندفعين في عفوية يملؤنا الغضب، لم نأخذ احتياطنا لما هو آت، وتحت رايات الإسلام السياسي تصدروا الصفوف، وبحكم قدرتهم التنظيمية أزاحوا كل القوى الثورية الشابة إلى الوراء وتسيدوا المشهد.. وعوضاً عن تكوين جبهة عريضة للهيئات ومختلف القوى بدأ الاستئثار السياسي بكل السلطة، وبدأت مرحلة التمكين وبات الثوار في الميادين يحسون بالغربة ويتجرعون مرارة الفشل والإخفاق، وباتت الحلقات تضيق على الإعلام وعلى حرية التعبير، وعلى القضاء كضامن للإنجاز الثوري، وعلى الناس في حياتهم اليومية.. وبين هذا وذاك تتواصل لعبة الإلهاء السياسي لتستحكم حلقات التمكين من القمة إلى القاعدة وفي مختلف الميادين والقطاعات. دول تعاني من الطائفية والمذهبية وأخرى تئن من القبلية والعنصرية وثالثة ما زالت تقبع تحت القبضة الأمنية وتقاتل بسيف الإسلام، والبقية تغيب عنها الديمقراطية وسلطة المؤسسات وينخرها الفساد الذي أصبح مثل الأخطبوط له ألف ذراع وذراع، النيران تشتعل في أكثر من مكان والحريق يتمدد عله يصحح المسار أو يطهر الظلامات التي ما زالت تعاني منها جماعات كثيرة، من الأمازيغيين والطوارق في شمال أفريقيا إلى صراع السنة والشيعة على أعتاب أرض الرافدين.. وبين هذه المسافة الجغرافية يغلي بركان الغضب. جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي كقوى مؤسسية قومية وإقليمية هل يمكن أن يقدِّما على غرار الاتحاد الأوروبي حلولا لمشاكل الواقع العربي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ألم يعد في هذه الأمة عاقل واحد أو مجموعة من العقلاء ليدلّونا إلى الطريق الصحيح.. لا أحد يريد أن يبادر، ويبدو أننا هبطنا في بئر لا قرار لها.