أنشيلوتي يكشف كواليس خسارة ريال مدريد في الكلاسيكو    بكرى المدنى يكتب: مع كيكل – الحقائق والوقائع!!    الهلال ونواذيبو في قمة لفك الارتباط    494819264_2305764233150834_4412989733308335398_n    تأجيل جديد لاجتماع مجلس المريخ    ثلاثي المريخ يعتذرون للقاعدة المريخية    شاهد بالصورة والفيديو.. الراقصة آية أفرو تعود لإثارة الجدل على مواقع التواصل بأزياء فاضحة ورقصات مثيرة على أنغام (انا مغسة لكل الناس)    بالصورة والفيديو.. ناشط سعودي ينشر مقطع لمنزله بمدينة "جازان" ويشبهه بالمنازل السودانية: (اعلم كما قيل لي انها تشبه السودان ونفس كل شي في السودان و لذلك احس بكل الشوق الذي في دواخلكم إلى بلدكم)    شاهد بالصور.. الخرطوم تتعافى.. 50 حافلة تنقل المواطنين مجاناً من "الجرافة" حتى السوق العربي يومياً دعماً للقوات المسلحة والقوات المساندة لها    وفاة جندي بالدعم السريع بعد تعرضه لنوبة هلع أثناء قصف الجيش لمطار نيالا    شاهد بالصورة والفيديو.. بعد أن شاركتها الغناء في حفلها الجماهيري بالقاهرة.. الفنانة هدى عربي تتغزل في "بلوبلو": (في فنان بخلي الغناء بس الغناء ما بخليهو وفي فنان الغناء بخليهو رغم انه بكون عايز لسة)    بثلاثية الفيحاء.. الاتحاد يضع يدا على لقب الدوري السعودي    ((مبروك النجاح يانور))    صاحب أول حكم بإعدام رئيس مصري سابق.. وفاة قاضي محاكمات مبارك ومرسي    إدارة جامعة بحري تقف على سير الامتحانات بمقر الجامعة بالكدرو    توثيق ذاتي لمفقودي جرائم الدعم السريع بمخيم زمزم    حاكم إقليم دارفور يهنئ القوات المسلحة والقوات المشتركة عقب معارك مدينتي الخوي وأم صميمة    تجهيزات الدفاع المدني في السودان تحتاج إلي مراجعة شاملة    السعودية: تدريبات جوية لمحاكاة ظروف الحرب الحديثة – صور    رونالدو يضع "شروطه" للبقاء مع النصر    "نسرين" عجاج تهاجم شقيقتها الفنانة "نانسي": (الوالد تبرأ منك عام 2000 وأنتي بالتحديد بنت الكيزان وكانوا بفتحوا ليك التلفزيون تغني فيه من غير "طرحة" دوناً عن غيرك وتتذكري حفلة راس السنة 2018 في بورتسودان؟)    الطاقة تبلِّغ جوبا بإغلاق وشيك لخط أنابيب النفط لهجمات الدعم السريع    ترامب: الهند وباكستان وافقتا على وقف النار بعد وساطة أميركية    محمد وداعة يكتب: التشويش الالكترونى .. فرضية العدوان البحرى    على خلفية التصريحات المثيرة لإبنته الفنانة نانسي.. أسرة الراحل بدر الدين عجاج تصدر بيان عاجل وقوي: (مابيهمنا ميولك السياسي والوالد ضفره بيك وبالعقالات المعاك ونطالب بحق والدنا من كل من تطاول عليه)    إتحاد كرة القدم المصري يدرس دعوة فريق سوداني للدوري المصري في الموسم الجديد    بمشاركة زعماء العالم… عرض عسكري مهيب بمناسبة الذكرى ال80 للنصر على النازية    أصلا نانسي ما فنانة بقدر ماهي مجرد موديل ضل طريقه لمسارح الغناء    خدعة واتساب الجديدة لسرقة أموال المستخدمين    عبر تطبيق البلاغ الالكتروني مباحث شرطة ولاية الخرطوم تسترد سيارتين مدون بشانهما بلاغات وتوقيف 5 متهمين    شاهد بالفيديو.. بعد غياب دام أكثر من عامين.. الميناء البري بالخرطوم يستقبل عدد من الرحلات السفرية و"البصات" تتوالى    بيان توضيحي من مجلس إدارة بنك الخرطوم    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بين مصطفي سعيد وقادة حركات الإسلام السياسي
نشر في الراكوبة يوم 09 - 02 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
ما بين مصطفي سعيد وقادة حركات الإسلام السياسي
رحم الله الطيب صالح الرجل الصالح، الذي أثري حياتنا بإبداعه الأدبي وأفكاره الخلاقة وبساطته المريحة التي تقربه من الوجدان الجمعي وتفتح له ابواب القبول والرضا المجتمعي، وهو من ظل طوال حياته الإبداعية الغنية يبيض وجه هذه الأمة بين العالمين وهي لأ تستحق أقل من هذا لولا حظها العاثر وتعثرها بأقدام قوم لا يرحمون، وما أكسب إبداع الطيب صالح هذا الزخم والإنتشار هو تغلغله داخل نسيج وتقاليد وثقافة وعلاقات هذا المجتمع، وهو يكشف عن جوانب هذه الحياة بكل تفاصيلها وشخوصها، ليس بشكل وصفي تصويري فقط ولكن عبر أفكار وتصورات تنفذ الي جوهر المجتمع وتشتبك معه في حوار جدلي بأبعاد ومضامين تنحو نحو ابراز قيمه الجيدة ونقد ما علق به من ركام العادات البالية، لذلك نجده يتخطي الظواهر العرضية التي تخفي الكثير والمثير وتحرف الرؤية المتبصرة عن مسارها الطبيعي، إضافة الي أنه تمسك بمشروعه الذي يدعو المجتمع لعوالم أكثر رحابة واخوة وتسامح وتلاقِ، وهو يضع نصب عينيه الإعلاء من شأن الوطن وساكنيه، وهو يوطئ لهم أكناف الكتابة ويحملهم علي ايدٍ من حرير حفاظا علي التماسك الوطني وتمتينا للروابط الإجتماعية، حماية لها من غدر الزمان ونوائب الدهر التي لم تنفك تغرس أنيابها وتضيق عليها الحصار والخناق، وللأسف ومن سخرية القدر ان تمت رعاية وتنمية هذه النوائب من بني جلدتهم، وحياة هذا المبدع العامرة لم تسلم من النيل منها، كغيره من أشجار بلادنا المثمرة التي تبادل الحجارة بالثمار، والسب وسوء الفهم والعجز عن تقدير الإمور بمزيد من التسامح والإبداع! وذلك بالطبع لا يعني تحريم نقد مشاريعه الإبداعية او تجريم تقييم مواقفه من القضايا العامة كغيره من الشخصيات العامة، ولكن المقصود ان يتم ذلك بعيدا عن التجريح وفي حدود اللياقة العامة مع إستصحاب مجمل إنتاجه الإبداعي ومعظم الظروف والملابسات المحيطة بمواقفه المعينة، اي بعيداً عن تجزئة المواقف او الإنتقائية المخلة التي قد تخدم اغراض محددة ولكنها بالتاكيد لا تخدم الحقيققة! واقصد بذلك موقفه الأخير قبل وفاته بفترة قصيرة! وهو يمد حبال التواصل مع نظام يسئ لكل من يقترب منه، نسبة لعظم الذنوب و حجم المآسي التي سببها لهذا الوطن الجريح! ولكن روح أديبنا الشفافة والنفس الصوفي الذي يسم حياته وإبداعه شكلا جزءً أساسياً من سلوكه المتسامح وغفرانه المجاني، وهو قد وصل الي هذه السن التي تعلي من قيم التعافي الوطني ولملمة الجراح والتجاوز عن الأخطاء، بغض النظر عن حجم الضرر الذي سببه هولاء الذين كان قد تساءل سابقا عن الوجهة التي اتوا منها؟ وهم يحملون كل هذا الغدر والتواطؤ مع الفواجع والمحن، او هم والمصائب وجهان لعملة واحدة! وهو لا يعلم سوء النية والتربص وإستغلال المواقف والرجال الذي برع فيه هولاء، ومن ثم توظيف هذه المواقف لإكتساب أكبر قدر من القبول الذي يفر منهم كما يفر السليم من الأجرب المسعور!
وأشتهرت رواية الطيب صالح موسم الهجرة الي الشمال، وفتحت له ابواب الخروج الي العالم وفي نفس الوقت لفتت أنظار الآخرين لثراء هذه البلاد ومجتمعها وجذوره الحضارية الضاربة في القدم، وقد تلاقت هذه الرواية مع أجواء الصراع الحضاري بين الشرق والغرب ووجد فيها النقاد ضالتهم، فشرعوا ينهلوا من هذا الثراء الإبداعي ذو الاسلوب الجمالي والقيمة الفكرية العالية، لتشبع لهم ذاك التوجه سالف الذكر الذي وجدوه حاضرا بقوة في بطل الرواية مصطفي سعيد، وهو نموذج للإنسان الشرقي المحمل بكل إشكالات الماضي وغبنه وعلاقات الإستغلال من جانب الغرب! التي حكمت هذا الماضي وسجنته في مخيلة الإنسان الشرقي وجعلته يستقر بإطمئنان داخل عقله الباطن ويشكل بوصلة تحكم علاقته مع الغرب (المتهم) ككل، دون النظر الي مكونات الغرب وتقسيماته، وهي نظرة ما زالت تحكم رؤية الكثيرين وبالأخص تيارات الإسلام السياسي، علما بأن معظم قادتها عاشوا في الغرب وأختبروا الغرب عن قرب، ولكنهم لم يستطعوا الفصل بين الغرب العقلاني ومناهجه الحديثة وإنسانيته المتأصلة في صلب تربية أبنائه، وبين التوظيف السلبي لهذا المنجز الحضاري في الإستغلال او التعدي علي الغير الذي تمارسه بعض المكونات من منطلقات إقتصادية او سياسية او عرقية او دينية او غيرها، ولكنها باي حال لا تقوي علي سلبهم ريادتهم في التقدم المذهل الذي وصل اليه عالم اليوم علي كل الاصعدة، والمؤسف ان أسوأ ما في الغرب وهو توظيف هذه المنجزات الحضارية لإستغلال الآخرين هو عينه ما وقعت فيه تيارات الإسلام لسياسي التي تشتكي من الغرب وتحمله كل المصائب، اي استغلالها لقيم الدين الخيرة والمطلقة لأغراض سياسية ولمصالح خاصة وآنية!
ما يربط بين تجربة مصطفي سعيد الذي عاش في الغرب وقادة حركات الإسلام السياسي هو إنتماءهم لنفس الفضاء الحضاري المشرقي ومكوثهم في الغرب لفترات طويلة، بل شكل لهم الغرب منصة إنطلاق لكل إنجازاتهم وتطلعاتهم الخاصة، ووصولهم الي كراسي العرش في المنطقة العربية بعد طول إنتظار وعمل في الظلام(اظنه مس عقولهم وقلوبهم)! وتميز مصطفي سعيد بإمتلاك ادوات الغرب الهامة وهي العقل الحاد الذكاء وتمكنه من اللغة الإنجليزية والشغف بالحياة ولم يتوان عن إيصاله لأقصي مداه، وسمحت له شروط الغرب أن يصل لاعلي مرتبة علمية، وهي في الحقيقة شروط او منتجات او طريقة حياة ليست لها علاقة بالغرب او الشرق او الجنوب او الشمال، بالرغم من انتاجها في الغرب بعد تجارب مريرة وحروبات مدمرة إلا أنها اثبتت نجاحها وهي تعالج إشكالات الحكم ونظمه والتمايزات العرقية والدينية والحريات الشخصية والحقوق الإقتصادية والإجتماعية..الخ وكل ذلك مَكَّن لمجتمعاتهم ووضع دولهم علي درب الإنطلاق لأعلي درجات التطور العلمي والتقدم التكنولوجي، ومكنتهم من السيطرة علي البيئة وتوظيفها بأمثل مستوي مما إنعكس رخاءً وإستقراراً علي مجتمعاتهم، أي هي مناهج حيادية يشترك فيها ويستفيد منها الجميع من غير عقد او إحساس بالدونية والإغتراب او التغريب، ولكن سيطرة الماضي علي ذهنية ونفسية مصطفي سعيد غلب فيه روح الإنتقام وهي من مخلفات الماضي كالقبلية والثأر وبالرغم من عواقبها الوخيمة لم ينجُ منها مصطفي سعيد وبالتأكيد المشرق ككل حتي الآن، علي الرغم من إنفتاح مصطفي سعيد وإنخراطه في تلك المجتمعات دون محاذير، فما بالك بقادة حركات الإسلام السياسي الذين عاشوا في الغرب ولكن تحت رحمة مظلومية مزدوجة من الغرب في الماضي ومن حكوماتهم في الحاضر (ولي زمانها الآن بعد السيطرة علي الحكم وطبطبة بعض حكومات الغرب علي كتوفهم كناية عن الرضا) ووقوعهم تحت قبضة ماضٍ إسلامي كان في بعض أحواله منفتحا علي العالم وقائد للعالم وباعث علي النهضة، ولكنهم لم يكترثوا كثيرا للشروط التي اوجدت ذاك الماضي الزاهي والحضارة المثمرة، ولكنهم توقفوا عند عتبة التاريخ الإسلامي ككل شامل وكامل غير قابل للتجزئة والمحاورة والنقاش بل والإختلاف، وهو ما يتلاءم مع طبيعة عقليتهم الاسطورية الإنطباعية التي تعمم كل الأشياء لكي ترتاح من عنت النسبية والتفاصيل التي لأ تنفك تفاجأها في كل حين وأوان، المهم هذه القيادات كانت أقل تماهي مع المنجزات الحضارية من مصطفي سعيد، وفي نفس الوقت لا تستحي من الإستفادة منها وتوظيفها لمصلحتهم ومتعهم الخاصة ولكن بما لا يمس ويخدش حياء الشعارات الدينية التي تتوكأ عليها مشاريعهم وبالتالي المكاسب التي جنوها بغير وجه حق من إستخدام هذه الشعارات!
ومصطفي سعيد عند عودته حاول ان يتجاوز ماضيه ويخفي تجربته او يصمت حيالها ليس خوفا من احد او طمعا في شئ، ولكن حتي يجد لنفسه موطئ قدم وسط مجتمعه الذي يحبه ولكنه يعلم عن عدم ترحيبه بالجديد او الخبرت المختلفة عموما، ولكن مصطفي سعيد لم يتوان عن إستخدام ما ناله من معرفة وخبرات وتوظيفها بما يراعي ظروف مجتمعه للنهوض به والسعي الجاد والحقيقي لإخراجه من ظلامه او تأخره، برفق وصبر ومحبة وهو يحاول بقدر الإمكان تغير شروط مجتمعه للافضل بغير استخدام مظاهر حداثية جوفاء مصطلحات/لغة او هيئة ناعمة ملبس/مأكل/مسكن/عربة او مكانة رفيعة رئيس/اهمية ذاتية او غيرها من ضروب واساليب ظاهرة او مستترة (تواضع مصطنع /مشاركات إجتماعية دعائية ..الخ) يحصل بها علي تميز مجتمعي او يسعي عبرها لرفعته، او يعتقد باحقيته في تسنم مركز القيادة وإحتكار المناصب وفرض وصايته علي الآخرين(الأقل قامة وذكاء وخبرة وأهمية). وحتي حياته نجده ختمها بشكل يتنافي مع مورثوهم الحضاري الذي يرفض الإنتحار كفعل هروبي وآثم وبالتالي يعاقب مرتكبه بالسيرة السيئة، مما يعني انه غير مكترث بمسألة الذكر الحسن وما تمثله من أهمية تصل الي درجة الفضيلة، لمجتمع ترتكز بنية وعيه علي ان إرضا المجتمع مقدم علي قناعة الفرد الشخصية حتي لو إمتلأ عن آخره بالنفاق والتمثيل علي بعضهم البعض! ولكن فعل الإنتحار نفسه يحمل جوانب عدة منها إنتحار حالة المواجهة بين الشرق والغرب(يمثلها مصطفي سعيد) أي هي فعل طارئ علي مسيرة التاريخ سببه الأفكار المسبقة(دائماً سيئة) وسوء الظن بينهما، إضافة الي عدم معرفتهم ببعضهم البعض تماما، وعدم وضع ملابسات التاريخ في موضعها الصحيح ومعرفة بواعثها وأسبابها ومن ثم الإعتذار عن أخطاء الماضي وفتح صفحة جديدة بين أجيال غير مسؤولة عن ماضٍ لم تغترفه يداها، ومن أجل بناء مستقبل قائم علي التعاون وتبادل المنافع والخبرات والمصالح، وهنالك جانب آخر يتعلق بقضية الإنتحار فهي تمثل صدمة للذهنية الوثوقية اليقينية الشرقية، من أجل إستبدالها بذهنية تشككية قادرة علي الهدم وإعادة البناء او قابلة للتجديد والتغيير، لتخرجها من كهوف الماضي بكل شخوصه ورموزه وقيوده وتدخلها في عصر جديد بروح جديدة من أجل تعمير الحياة وتنشيط المجتمع للمحافظة عليه من الإنحلال والضياع, وهذا عينه ما يصيب المجتمعات الراكدة (الإبنة الشرعية للإستبداد والفساد والبؤس والشقاء)، يؤكد ما ذهبنا اليه من حالة التجديد والتغير أن عملية الإنتحار كانت داخل النيل وما يحمله ذلك من رمزية إستمرارية التجديد والتغيير ووجود الطمي الذي يحمل معني الخصوبة والنماء وإرادة الحياة/ التجديد علي الدوام.
تري كيف سيتصرف قادة الإسلام السياسي الذين تولوا السلطة في بلدان الربيع العربي؟ بعد الثورات والإنتصارات التي حققتها شعوب تللك البلدان وعلي رأسها الشباب ممثلين بكل ألوان الطيف السياسي والإجتماعي والطبقي، وقد دفعوا الكثير من الدماء والجراح الجسدية والنفسية من أجل التخلص من أنظمة متعفنة ومتحللة و من سدنة الإستبداد وأعمدة الفساد! فهل ستتم الإستفادة من منجزات الغرب وتوظيفها بما يراعي خصوصية الشرق من أجل الإنطلاق والتقدم الي الأمام؟ أم سيتم التنكر لها والإلتفاف عليها بعد أن أستفادوا منها ووصلوا عبرها الي غايتهم المركزية(السلطة)، وهل الثورات الحديثة إلا إمتداد لتلك الثورات التي عاشتها تلك الشعوب وساعدتهم علي التحرر والنهوض، وسمحت لهم بوضع الأسس والبرامج والمناهج التي مكنتهم من الوصول الي ما هم فيه الآن، وقطعت الطريق نهائيا أمام عودة مثل تلك النظم والأساليب الإستبدادية والإمبراطورية والفاشية والنازية او علي الأقل اتاحت الفرصة للتخلص منها، ووضعت الإرشادات ووضحت الخطوات التي تمكن الشعوب من إدارة نفسها، واظن أن الشعوب لأ تطمع في أكثر من ذلك أي أن تكون مشاركة في إدارة شؤونها وهي بالتأكيد ليست قاصرة بل قادرة علي بناء مستقبلها والمحافظة عليه أذا منحت الفرصة الحقيقية ورفعت عنها يد الوصاية الثقيلة وسيفها المرعب! وكل ذلك تم بفضل قادة حقيقيون تميزوا بالصبر والبصيرة وبعد النظر والإنضباط الأخلاقي والقدرة علي تحدي الصعاب وتضميد الجراح ولملمة الخلافات والزهد في المناصب والإمتيازات، إلا من إمتياز شرف التأسيس لبلاد ديمقراطية تسع الجميع! ومن خلفهم نخب تميزت بالتجرد والتسامي علي التجاذبات الحزبية والدينية والأثتية مع رغبة مخلصة في التضحية من أجل الآخرين وسلامة البلاد ولإيجاد ظروف أكثر إنسانية ورفاهة لأجيال الحاضر والمستقبل. والسؤال هل تستجيب قيادات الإسلام السياسي لرغبات شعوبها وحقها في التطلع الي الحرية و العيش الكريم و المساهة في بناء وإدارة بلادها؟ بعد ان وثقوا بها وصدقوا دعواتها وهي تخاطب موروثهم الحضاري بمشروعها المستند عليه كما تزعم، وإستخلصت اقصي ما فيه من طاقات القبول والصبر علي المكاره! فهل تعوضهم خيرا ، أم تصم آذانها وتمارس هواياتها وألاعيبها المعتادة بمحاولات الخداع والإلتفاف علي العهود والتعهدات بالمحافظة علي المنجزات الثورية، وتستثمر في بيع الوهم وشراء الوقت عبر الشعارات الجوفاء للشعوب التي أعطت ولم تستبق شيئا، وهي بالتأكيد شعارات لا تطعم من جوع او تؤمن من خوف ولا تحافظ علي حاضر او تبني مستقبل، بل تشكل مدخل للسيطرة و إعادة إنتاج للإستبداد بصورة أكثر قسوة ووحشية وهي ترتدي لباس الدين وتحتمي بقداسته وحساسيته في نفوس الشعب لوضع الخطوط الحمراء التي تحمي مكاسبهم الشخصية والتنظيمية وتحافظ علي ديمومتهم في السلطة، وفي هذه الحالة سيكون الحصاد هو الفشل الذريع للسلطة والخسران المبين للشعوب، ويا لها من بيعة خاسرة محصولها الندامة وإرهاق الشعوب وإعادة إختراع العجلة، و من أجل الوصول الي نقطة الصفر فقط يتم لك بقدرٍ عالٍ من الأكلاف والتضحيات، وللأسف هذا ما يبدو في الأفق.
قبل الوداع
غيب الموت الكاتب والمفكر الإسلامي المصري جمال البنا عن عمر يناهز 93 عاما، قضي معظمها يبحث وينقب في بطون الكتب ليستخلص منها ما يعين أبناء شعبه والإنسانية جمعا علي معرفة افضل السبل التي يسلكونها من أجل الفلاح في دنيهم ودنياهم، من غير مَنّ او أذي فقط كرسالة وهب لها عمره الغني بالعطاء، ويظهر أن قلبه الشفاف الجميل والعامر بالخير لم يحتمل ما يجري للمحروسة من إضطربات تترافق عموما مع لحظات ميلاد الشعوب بعد خروجها من رحم الإستبداد المظلم او ليله حالك السواد الذي يسبب ضعف الرؤية ويعكر المزاج العام، وفراق المفكر جمال البنا لهو أشد وقعأ وألماً علي النفوس، خصوصا في هذه اللحظة التي تحتاج فيها بلاده لفكره وحكمته وطموحاته من أجل بناء دولة أكثر رحمة وإشراق، ونحن لفراقه لمحزونين أشد الحزن ونسأل الله أن يتقبله قبولا حسنا من عنده يليق بجلال أعماله وعظم عطائه وأن يجعله مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا وهو القادر علي كل شئ. لكم تمنيت أن تقام صلاة الغائب او لحظة حداد من المصريين عامة والثوار بصفة خاصة في جميع الساحات والمساجد والكنائس والنجوع والقري علي روح إنسان أحب بلاده واخلص لها، وقدم عمره وصحته وماله قربانا لرفعتها ولراحة اهلها وسلامتهم وللفكر والمعرفة، إنا لله وإنا إاليه راجعون.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.