العلاقاتُ السودانية الأمريكية منذ بداية الإنقاذ شقّت طريقها نحو عداوة تجلّت ملامحُها بإصدار وزارة الخاريجية الأمريكية لبيان عبرت فيه عن أسفها للإطاحة بحكومة ديمقراطية منتخبة، كما كتب فشل مباحثات أديس أبابا برعاية الرئيس الأمريكي (كارتر) في طي ملف الحرب بين الشمال والجنوب بسبب تمسك الخرطوم بالشريعة الإسلامية.. سيناريو جديد في توتر العلاقات زادت حدته عقب لقاء الرئيس عمر البشير وهريمان كوهين مساعد وزير الخاريجية الأمريكي للشؤون الخاريجية، وفي مارس من العام 1990 حيث كشرت الإدارة الأمريكية عن أنيابها ومنعت السودان من المساعدات الاقتصادية والعسكرية تنفيذاً للقرار الذي يحرم النظم العسكرية التي تصل إلى الحكم بالانقلاب من المساعدات، ما لم تُبدِ استعدادها لإعادة الديمقراطية خلال ثماني سنوات، وها هي الخرطوم بعد (23) عاماً لم تُعبِّر عن رغبتها في التحول من النهج الشمولي إلى الديمقراطية السلسة عبر تسوية سياسية تعيد ترتيب البيت السوداني، وتفتح الباب لتلاقي الفرقاء الشيء الذي جعل الإدارة الأمريكية تمارس عملية الابتزاز المنظم لتمرير أجندتها لقناعتها بأن النظم الشمولية تتعاطى معها مقابل تخفيف الضغط الدولي بعد أن أصبحت القوى العظمى التي تحرك خيوط اللعبة الدولية. حرب الخليج الثانية كانت القشة التي قصمت ظهر العلاقات السودانية الأمريكية بوقوف الخرطوم بجانب العراق، فأغلقت واشنطن سفارتها في الخرطوم في العام 1991، وفي العام 1993 وضع السودان في قائمة الدول الرعاية للإرهاب ولم ينفك وثاقه منها بعد.. وبهذا الخطوة فقد السودان المساعدات الإنسانية، وفي العام 1999 أصدر الكنغوريس الأمريكي قراراً يدين فيه الخرطوم بتنظيم غارات لصيد العبيد، كما طالب الكنغوريس الرئيس الأمريكي كلنتون دعم التنظميات التي تعمل خارج نطاق الأممالمتحدة للتنسيق وتقديم المساعدات لجهود الإغاثة والديمقراطية والإدارة المدنية في مناطق سيطرة المعارضة.. إلا أنّ أحداث 11 سبتمبر غيرت مؤشرات العلاقة من العدواة إلى الغموض والتعقيدات التي جعلت واشنطن تضغط بملف الإرهاب لتمرير أجندتها مقابل لا شيء للخرطوم التي صارت لا تملك إلا نعت الإدارة الأمريكية بالتدخل في الشأن السوداني، وتأجيج الصراع بين الفرقاء كما ورد على لسان الجزب الحاكم بشأن مطالبة واشنطن للخرطوم بالكف عن قصف متمردي دارفور، الشيء الذي اعتبرته الأخيرة تأجيج للصراع.. في نهاية كل سيناريو تنال فيه واشنطن ما تريده، وتمضي الوعود الأمريكية للسودان هباءً منثوراً. إذاً المطلوب لإعادة التوازن للعلاقات السودانية الأمريكية نظام ديمقراطي مسنود بإرادة شعبية تُحدّد مؤشرات المصالح السودانية في إطار المنظومة الدولية التي تشكل فيها واشنطن عنصراً ثابتاً في دالة إدارة المصالح.. الشيء الذي يفرض على الإنقاذ إعادة النظر في سياسة الإنفراد بالرأي في إدارة شؤون البلاد، ولا يتأتى ذلك إلا بالتواضع على حكومة قومية تفك طلاسم الأوضاع السودانية المهددة بالحروبات والتناحر السياسي بين الفرقاء. بلا انحناء فاطمة غزالي [email protected] الجريدة