أننا و منذ الاستقلال اصبحنا نرزح في بوصلة التوهان ، و فقدنا نتيجة لذلك اي معني لثوابت وطنية أصلية او أهداف نبيلة نرمي من ورائها الى تحقيق ذواتنا ، فقد بنينا قناعاتنا بالثقافة وفق معيار التنظير و في نفس الوقت تشبعنا بالافكار الخيالية التي لا تقبل التحقيق ، و أكتفينا بحل مشاكلنا الأنية علي الورق ، و من شدة عجزنا اهملنا كل الطرائق التي كان يمكن ان تؤدي بنا الي صنع حضارة ,الى أن تحولنا عجزا,الى التسول على الله مبتهلين اليه بالادعاء بتطبيق شرعه حتى يرضى الله عنا و يصنع لنا حضارتنا التي لا نعرف حتي ماهية بوصلتها ، و المحصلة كانت هي اننا انتهينا الى بناء حضارة علي الشكليات الفقهية و ليس العملية ، و افترضنا ان ما نحققه من اصلاحات عقدية سوف يؤدي بنا الي أن نستأسد علي العالمين ، و في نفس الوقت فأن المحصلة النهائية لتلك المشاريع الدينية كانت كارثية حتي على نطاق الدين نفسه ، فقد قدمت نمازج تمثل مسخا مشوها لما جاءت به الاديان ، فعملت تلك المشاريع على تفتيت بيضة الأمة نفسها في تقوقعنا في مذاهب و نحل تخاصم بعضها بعضا ، فضلا عن ذلك ان تلك المشاريع لم تساهم في رتق اللحمة الوطنية و تصويبها من أجل تفجير طاقاتها من أجل استغلال مواردها البشرية و الطبيعية لتحقيق حضارة تنسب لنا من خلال كدنا و عملنا ، و ليس من خلال التسول على الله بألادعاء بتطبيق شرعه حتي يصنع الله لنا حضارتنا التي لم نتصورها و لم نتخيلها حتي و لم نعرف ماهيتها سواء كانت دوغمائية أم كان يمكن انزالها في حيز التطبيق.... والأنكى من ذلك أننا اعتقدنا أن مشاريعهم العقدية و الدينية هذه هي ما ينقصنا ، و ان مسالة تطبيقها هي التي تقف حيز العثرة امام ما لم نتصوره لماهية حضارتنا.. و ماهية الحضارة التي تسيطر علي مشاريعنا الدينية حتي الان هي مشروع يطرح بدوغمائية و لن تجد له اي تفسير حتي من قبل منظريه. فالحضارة هي فكرة في الاساس قبل ان تأخذ بعدا" عمليا" تطبيقيا" ، فأذا كان الوجود الفكري هو الذي يسبق الوجود الحقيقي أو المادي ، فهل كان لمنظري حضارتنا اطار نظري لها في مخيلتهم قبل الشروع في تطبيقها الكارثي هذا !! أن السكة الحديدية وجدت في ذهن المهندس قبل ان ينجزها العامل ، فهل يوجد لدينا تصور لمشاريعنا الحضارية هذه في أذهاننا قبل الشروع في تطبيقها!!... أن فشل المشروع الديني يكشف عن قصور فكري في من نظر له ، لان السكة الحديدية التي وجدت في ذهن المهندس قبل اختراعها ما زالت تعمل حتي الان في سلاسه ، بل طرى عليها اضافات جديدة ساهمت في تطورها !! فهل فشل المشروع الحضاري نتج عن قصور في الرؤية ، ام أن منظري الدوغمائية سوف يدعون ان الذي ساهم في افشال مشارعيهم السماوية هي قوة ارضية شيطانية ,ارضية تدعى اسرائيل و امريكا ... و تبرير مثل هذا سوف يقدح حتي في صدقية ما ادعوه لانه لم يقبلوا بنقد ذواتهم و اعترافهم بفشلهم الفكري و قصوره فأن ذلك سوف يؤدي الى أحداث هزة شكية حتي فيما كانوا يدعون اليه !!! ان ازمتنا التي نعاني منها هي ازمة فكرية بالدرجة الاولى ، و اي وجود عملي ما لم يسبقه درس فكري ، فهو صائر الى زوال ، و لن يستطيع ان يدخل باب الحضارة الخالدة مهما كان مرتكزها سواء كان غيبي أو وجودي .. فالمجتمع ان لم يقم علي اسس عقلية فهو لا يعد مجتمعا" حقيقيا" ، فوجود المجتمع لا يقاس بوجود افراده ، بل هو يدخل التاريخ منذ اليوم الذي تشكل فيه المجتمع دولة . و لأن الدولة هي في الحدود التي تكون فيها هي عقل المجتمع بجميع فسيفسائيه ، و هي الوجود الفكري له ، هي الوجود الحقيقي , فالمجتمع لا يدخل الوجود الانساني قبل ان يمتلك العقل في أي دولة... [email protected]