كان ذلك بعد سودنه الوظائف بقليل في مصلحة سكة الحديد , ففي ثقة تامة و اطمئنان وضع عمنا ( دفع الله ) قفص الدجاجات على الميزان الموجود في غرفة الشحن وهو مطمئن بأن بضاعته ستكون في يد أمينه حتى تصل سالمة للمرسل أليه علي بعد عشرات من الأميال ، حينها كانت السكة حديد وسيلة المواصلات الرئيسية في ذلك الوقت , حيث اتسم هذا المرفق بالالتزام والدقة والسرعة في إيصال البضائع المنقولة علي متنها لكافة أنحاء السودان ذو ( المليون ميل مربع ) بتكاليف قليلة , بل كانت شريان البلاد النابض بالحياة والحركة , لذا كان الجميع يستغلونها في التنقل والسفر وإرسال البضائع والمنتجات الزراعية والحيوانية من كل نوع وصنف ألي أرجاء البلاد المختلفة بيسر وسهولة آمنين ومطمئنين ليس لأنها الوسيلة الوحيدة المتوفرة , بل لأنها آمنة ومواعيد انطلاقها ووصولها غاية في الدقة ، وترافق السكة حديد صنوها النقل النهري لتكملة الوصول للمناطق التي لم تصلها الخطوط الحديدية . ولقلة خبرته , أحتار مأمور الشحن وتردد كثيراً قبل أن يكمل إجراءات هذه الشحنة بسبب أن هذه البضاعة معرضة للتلف بالاختناق , ونفوق الدجاجات وارد لكون وجودها سيكون وسط أكوام البضائع المختلفة , ولكن تفتق ذهنه عن حيلة ماكرة لإخلاء مسئوليته الشخصية و مسئولية السكة حديد عن أي أضرار محتملة قد تصيب البضاعة وبالرغم من أن اورنيك الشحن يوضح بأن ( البضاعة المشحونة علي مسئولية أربابها ) ألا انه زيادة في الاحتياط أضاف لوصف الشحنة الآتي : (قفص يحتوى على عدد من الدجاجات وبينهم ديك شرس ! ). انه من المؤسف أن هذه التركة التي ورثناها من الاستعمار ( السكة حديد ) وهي أطول خطوط حديدية في افريقيا والعالم العربي , و هي ثروة بكل المقاييس , ثروة لم ننميها ولم نصنها بل لم نحافظ عليها بحالتها في ذاك الوقت , بداء تخريبها في عهد مايو وأجهزت عليها الإنقاذ تماماً في عهدها المزري الذي انهارت فيه تماماً كافة المشاريع الحيوية وقسمت البلاد وشردت العباد وأضاعت المواطن السوداني الطيب وجعلته لاجئاً ومهاجراً وفي أحسن الأحوال مغترباً , بعد أن رفعت يدها من الصحة والتعليم وكل الخدمات التي كان متاحة مجاناً للمواطن السوداني و اختطفته وصادرت حريته وألحقته بقطارها المشئوم وجعلته ( على مسئوليه أربابه ). [email protected]