ليس من المنطق في شيء الإعتقاد بأن الدكتور غازي صلاح الدين ضحية وأنه قرر به، أو أخذ بسبب وقوفه مع بعض مطالب الشعب العادلة وأن صقور حزب المشير أطاحت به لأنه بات ضدها قريبا من الحراك الشعبي الذي يطالب بالتغيير وإن كان يراه جزئي حسب ما جاء في صريحاته.. المنطق يقول أن غازي صلاح الدين اختار أن يطرد بعد أن فطن إلى أن الكلمة لن تكون للمشير ونافع وعبدالرحيم عما قريب ولأن استقالته ستعتبر خروجا عن قانون الغاب الذي يحكم السودان، فضل أن تاتي بيد نافع، لا بيده، وهنا يعتبر إعفاءه من مهامه في رئاسة كتلة الحزب الحاكم بغير ما نزل الله عقوبة كافية، ولها أن تشفي غليل نافع الذي يدافع بكل ما يملك أسلحة من أجل إبقاء كومة اللحم المسماة رئيسا على الكرسي الكبير في القصر.. الذكاء والفطنة الذين يتمتع بهما غازي صلاح الدين لا يتوافران في شخص أخر من قيادات حكومة المشير منذ أن فارقها الدكتور الترابي في المفاصلة الشهيرة التي كان بطلها وكاتب السيناريو فيها الدكتورغازي نفسه، ليسلم السلطة كاملة عن وعي وإدراك للعسكر مؤسسا لحكم عسكري ديكاتوري شامل هد أركان تنمية أرض وإنسان الوطن، ما يجعل قدرات غازي العقليه سلاحا فتاكا وهي التي أبقته في السلطة حتى الآن رغم أنه يفتقر للسند الشعبي والبشري في أجهزة الأمن الحاكمة، عكس نافع وعبدالرحيم وكرتي ومن على شاكلتهم.. ولأن وضع السيناريوهات المحبوكة ليس متاحا لكل العقول فإن غازي وبما يملكه من سعة إدراك وبعد نظر، أجبر العصابة الحاكمة على طرده، وهو فعل ذلك طمعا في كسب ود الشعب أو هربا من غضبة المظلومين القادمة، وقد مهد لذلك بتصريحاه التي لم تكن قول سوء في حق حزبه فقط، بل لا مست عصب قضايا الشعب وأساس مشكلاته مع الحكومة.. وتصوير غازي على أنه من أجل الشعب قال ما أعتبره صقور النظام جرما ليس أمرا عقلانيا نظرا لسنين صمته الطويلة ومباركته وموافقته على ما فعل رفقائه في الشعب السوداني طوال تلك السنين، فهو شريك اصيل في كل ما لحق بوطننا من جراحات وجرائم.. بعضا وعشرون عاما وغازي صلاح الدين ساكن وهو يتفرج على موت السودان الوطن والإنسان، ويجيء الآن ليلعب دور الناصح والبرئ وهو يتحدث عن عذابات الشعب وضيق عيشه والمعتقلات وعن قوانين الحكم وشرعية ترشح المشير لدورة رئاسية ثالثة غازي سكت طويلا واستمع بالسلطة وإمتيازاتها زمنا، دون أن يتحدث عن سوء أتى به حزبه، ولا أظنه تاب بعد كل هذه السنون.. فقط يريد النجاة بجلده.. ولأن الصامت عن الحق شيطان أخرس..فإن غازي لم يصمت فقط، بل أغمض عينيه دهرا طويلا.. محمد العمري [email protected]