عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ردا على خيار الحقيقة والمصالحة...
نشر في الراكوبة يوم 10 - 04 - 2013

ردا على مقال صلاح الباشا فى صحيفة الراكوبة ومن يلوحون بهذ الورقة الخاسرة والتى تنادى بالإقتداء بتجربة جنوب أفريقيا الناجحة كما يزعم المروجون لفكرة لجنة الحقيقة والمصالحة لتطبيقها فى السودان, والإدعاء بأن فيها الحل لإمتصاص المررات القديمة بين النظام والقوى السياسية والحركات المسلحة , مهلا يا أهل السودان فهل تحكمنا أقلية بيضاء أم عصبة سوداء؟؟ ليأتينا مانديلا سودانى يقوم بتشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة فنتصالح لنصبح أمة يطلق عليها رئيسها المحبوب ومحترم عالميا إسم أمة قوس قزح ! ونهنأ بإقتصاد يصنفه البنك الدولى بانه متطور! ونغنى سلامنا الجمهورى " نكوسى سيكا ليلا – يارب احفظ أفريقيا" والذى كان يوما صلاة على موتانا ضحاياأبارتهايت الإنقاذ بلغة النوبة والهدندوه والمحس؟ ويجعل لنا دستورنا الديموقراطى "حد الديموقراطية" إحدى عشر لغة رسمية للبلاد إعترافا وإعتزازا بتعدد قومياتنا؟! اللهم عجل لنا بمثل هذا المانديلا واليوم قبل الغد فما أحوجنا له...
الكل يعلم بأن نظام الأبارتهايت ولد وترعرع فى حضن الإستعمار الإستيطانى والذى بدأ بهجرة الأوروبيين الى جنوب القارة منذ ثلاثمائة عام, والكل يعرف جرائم المستمعمرين المستوطنين جنوب القارة ومنذ أن وطأت أقدام الرجل الأبيض ارضها, وقانون الأبارتهايت الصادر فى 1948 م لم يكن سوى " حفلة السماية الرسمية" لممارسة ولدت قبل قرون من ذلك التاريخ, ليتم تشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة وبعد قرون من العذاب, لتتجاهل كل ضحايا الإستعمار الإستيطانى ولم تطال كل مجرمى تلك التجربة المخزية فى تاريخ البشر, وإن أرادت تلك اللجنة ذلك فلن تستطيع نفض غبار ثلاثمائة عام من البشاعة لتعيد شعب الهوتنتوت من الإنقراض الى حيز الوجود على سبيل المثال لاالحصر, فجل عمل تلك اللجنة انحصر فى حقبة من تاريخ البشاعة الطويل التى مورست فى الوطنيين من شعوب جنوب أفريقيا لاتمثل ولو مثقال ذرة فى تاريخ يمتد لثلاثمائة عام, فهل ياترى يطالبنا الذين يلوحون بخيار لجنة الحقيقة والمصالحة بإختزال اربعة وعشرون عاما تقف شاهدا حيا بلحمه وشحمه بيننا وبين الإنقاذ!؟ فإذا كانت بشاعات ثلاثمائة عام من الممكن اسقاطها بالتقادم من أجندة لجنة الحقيقة والمصالحة لأنها صارت تاريخ بعيد, فهل يبرر لنا ذلك الإقتداء بتجربة جنوب أفريقيا الرائدة فى التسامح والتصالح لنسقط من حسابات الحقيقة حاضرنا البغيض ليس بالتقادم ولكن كما يقترح مروجى فكرة خيار الحقيقة والمصالحة لأجل أطفال أهلنا فى السودان...فهل بقى لنا ولأهلنا فى السودان أطفال ينعمون بالبراءة أم أنه مجرد زج العواطف والحنية الزائفة فى قضايا سياسية واضحة؟فأطفال سودان اليوم هم أطفال النازحين ويتامى الحروبات فى دارفور وجبال النوبة, والمغتصبين ومقتولين, أو مغتصبين ومشوهين نفسيا, او من حملت بهم بناتنا سفاحا لضيق العيش,أو من مات لأنه استنشق السيبيرتو !!! فهل ستعود الى من مات منهم الحياة؟ أو يعود الفرح ليتامى الحروب وجياع التشريد؟ او تعود براءة الطفولة للمغتصبين منهم لمجرد تكوين لجنة للحقيقة والمصالحة؟؟
ربما... فلا مستحيل تحت الشمس خصوصا إذا كان أهل الإنقاذ قد أتوا الى بلادنا شأنهم فى ذلك شأن البيض فى جنوب القارة, وأسسوا نظام حكم ديموقراطى وإن إقتصرت الممارسة الديموقراطية عليهم دون السكان الوطنيين للسودان, فإن انتهى عهدهم ورثنا عنهم تلك الديموقراطية لينعم بها جميع أهل السودان, واذا استغلوا ثروات البلد واستثمروها فيه لنهنأ بإقتصاد قوى كذلك الذى تنعم به جنوب أفريقيا وحدها دون رصيفاتها من دول القارة. عندها يمكننا التفكير ومجرد التفكير فى عمل لجنة للحقيقة والمصالحة. وإذا كانت الأسباب التى تدعونا لعمل تلك اللجنة هى من نفس شاكلة الأسباب التى حدت بجنوب أفريقيا تشكيلها, فحكومة جنوب أفريقيا العنصرية كانت قد تعرضت لضغوط من قارتهم الأم أوروبا, فأوروبا ماعادت تحتمل وزر ممارسات أبانئها وسلوكهم الوحشي فى جنوب القارة الإفريقية, فذلك يتعارض مع مبادئها المعلنة فى المحافل الدولية, ولكن أوروبا بحنكتها ودهائها لم تكن تنوى إنهاء الأبارتهايت ليصبح اربعة مليون آفريكان مرة أخرى من رعاياها, فمن أين لها بالوظائف لهم مع معدلات البطالة فيها؟ ومن أين لها بالمسكن لتأويهم فى قارة تنأى بحمل سكانها؟ بل ومن أين لها بالمال والقدرات لتعيد تأهيل أربعة مليون من البيض العائدين من جنوب أفريقيا فى مجتمعاتها وتفصل بينهم وبينها ثلاثمائة عام من الحياة والعادات والعقلية بل وأحيانا حتى اللغة؟ لهذا تحركت منظمات حقوق الإنسان وإمتلأت موائد المحادثات بالإقتراحات لتنشأ لجنة الحقيقة والمصالحة ليبقى البيض فى جنوب أفريقيا ويصبحوا قبيلة أفريقية جديدة إسمها الآفريكان فهنيئا لأفريقيا بقبيلتها الجديدة فهى قد كانت ناقصاها قبائل....
فهل كان هناك ياترى خيارا آخر أمام حزب دى كلارك غير القبول بلجنة الحقيقة والمصالحة حتى يرفضها أو يعارض إنشائها؟؟ .وهو ورعاياه من البيض لم يبق امامهم سوى أوروبا من أمامكم ومانديلا وأهله من خلفكم ! ولما يعارضها فاللجنة قد أشترطت الحقيقة مقابل المصالحة ويادار ما دخلك شر.....ولنعود الآن لحكم العقل والمنطق ونتساءل هل كان فى مقدور الزعيم مانديلا أن يرفض أو يتجاهل أو يماطل فى تكوين لجنة الحقيقة والمصالحة؟ وماهى الخيارات التى كانت أمامه إن كانت هناك خيارات؟ وهل كان بإمكانه أن يكتم فوهة بركان الغضب داخل بلاده دون التعرض لما حدث من ظلم على أهله ولو بصورة شكلية لإمتصاص غضب القرون التى مضت؟ والحقيقة التى لم يتعرض لها احد هى لا لجنة الحقيقة ولا الزعيم مانديلا لم يكن بإمكانهم محاكمة البيض بموجب قوانين العقوبات لجرائم ضد الإنسانية, لتعاقب من يثبت جرمه وترهب حتى من لم تتلوث يداه بدماء الوطنيين من ابناء جنوب أفريقيا, فإن فعل مانديلا أو تلك اللجنة لكانوا قد أشفوا بذلك غليل الغضب والغبن والظلم الذى تمتلئ به صدور ستة وثلاثين مليون من الوطنيين من أبناء شعب مانديلا, الذين تكتظ بهم والى يومنا هذا التاونشب مجمعات الفقر والجهل والمرض والتفرقة والإضطهاد, وكان بذلك قد أجبر البيض على الفرار من سفينة الأبارتهايت الغارقة فى غضب المارد الأسود, ,وكان بذلك قد ادار ظهره خيانة وغدرا لأوروبا والتى كانت صاحبة القدح المعلى فى إنهاء الأبارتهايت بل وفى اطلاق سراحه شخصيا من السجن, فهل كان من الممكن لمانديلا قيادة جنوب أفريقيا الجديدة كما سماها هو دون دعم من العالم الخارجى؟ كلا فالرجل قدم نفسه كبشا لفداء جنوب أفريقيا الجديدة وطرح نفسه كقدوة للتسامح فى كل ما قاساه من نظام الأبارتهايت, وسانده القساوسة فى التبشير بحسنات التسامح وجعل برنامجه السياسى لحكم جنوب أفريقيا الجديدة هو التسامح والتصالح ليصبح مسيح هذا القرن وليقدم للعالم صورة مشرقة للمواطن الأفريقى وبذلك استحق إحترام العالم وحبه.
ولنعد الآن لسبب آخر من أسباب هذه التسوية المسماة بالحقيقة والمصالحة, والتى من أسباب نجاحها الظاهرى إنعدام البدائل والخيارات لحل معضلة جنوب أفريقيا بعد الأبارتهايت, وهو السبب الإقتصادى, ولنتساءل هل كان بإمكان الزعيم مانديلا إقامة جمورية جنوب أفريقيا الجديدة دون الأربعة مليون نسمة من البيض؟ كلا فإقتصاد جنوب أفريقيا القوى جدا (كما ذكر صلاح الباشا فى مقاله) يعانى هو الآخر من التفرقة العنصرية, فالأربعة مليون أبيض هم وبالفعل رأس مال ذلك الإقتصاد القوى جدا, وملاك موارد إنتاج ذلك الإقتصاد القوى جدا, وهم الخبرة والإدارة والعلم والعقل المدبر له, بينما أربعة وثلاثين مليون ونصف المليون من السكان الوطنيين يشكلون الطبقة العاملة السخرة, فهو إقتصاد أنشئ وترعرع كخلية النحل مكون من ملكة البيض وخدام وعمال من الوطنيين, بل هو أسوأ وأضل عندما نتمعن فى توزيع الدخل القومى على سكان جنوب أفريقيا, فالثروة تدور فى فلك البيض والفقر يعشعش فى التاونشب, فالتقدم والنمو الإقتصادى الذى جعل جنوب أفريقيا تصنف إقتصاديا خارج دائرة الفقر المدقع أو متوسطى الدخل القومى كما هو حال بلدان القارة, لم ينعم به من سكان جنوب أفريقيا الوطنيين حتى بعد نهاية نظام الأبارتهايت سوى مليون ونصف من مجموع ستة وثلاثين مليون وهذه هى الطبقة المتوسطة الجديدة فى جنوب أفريقيا, وهى نفس الطبقة الإجتماعية التى تشير اليها اصابع الإتهام بيضاء كانت أم سوداء بالفساد فى المال العام والمحسوبية فى جنوب أفريقيا الجديدة.
بعد هذا العرض المبسط ومختصر حتى كاد أن يبلغ حد الخلل لدوافع وملابسات إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة فى جنوب أفريقيا, أستميح القراء والمروجون لتبنى هذه التجربة عذرا فى أن اطرح سؤالى الساذج حد العبط أين هنا وجه المقارنة والشبه مابين وضع الزعيم مانديلا فى جنوب أفريقيا ووضع زعيم العصبة الجاثمة على صدورنا فى السودان؟ وأردف لأركز فى نقطة واحدة وهى هل تضرر عمر البشير من نظام الإنقاذ ليقدم نفسه كمثال فى التسامح ليتصالح مع شعبه ومعارضية والحركات المسلحة فى السودان من أجل خاطر عيون السودان واطفال شعبه؟؟ ليتحول من مطلوب للعدالة الدولية كمجرم خطير ضد الإنسانية ليصبح من حملة نوبل للسلام أسوة بمانديلا؟؟ أم أن مسألة الإقتداء بتجربة جنوب أفريقيا فى هذا الصدد مرجعه الى العدالة منقطعة النظير التى حققتها لجنة الحقيقة والمصالحة فى جنوب أفريقيا؟ والتى غضت الطرف عن جرائم ثلاثة قرون من الزمان, بل و تجاهلت حتى التاريخ الرسمى لإعلان قانون الأبارتهايت فى 1948 م كركيزة اساسية لنبش الحقائق, فتطوى التاريخ البغيض طيا ليقتصر جل عملها وجهدها المقدر فى جرائم الأبارتهايت فى منتصف سبعينات القرن الماضى ضد سكان سويتو, لتختزل الحقيقة فى وجوه أمهات تنتحب باكية على فلذات اكبادها التى ترقد رفاتها فى قبور جماعية مجهولة المكان وتمتلئ بدموعهن شاشات التلفاز فى كل العالم, وتصبح الحقيقة هى مجرد أن يعترف القاتل بجرمه وينطق بمكان دفن ضحيته, لتنبش القبور وتخرج الرفات, وتنهار الأمهات الثاكلات, وتدفن الرفات فى قبور جديدة بعد ترتيل الصلوات, وتعيش جنوب أفريقيا فى سبات ونبات...وانتهت بذلك حدوتة لجنة الحقيقة والمصالحة.
وليسمح لى القراء الأعزاء مرة أخرى بسؤال أشد سذاجة من سابقه, وهو ما الذى يحدى بنا أن نقتدى بتجارب الأخرين الفاشلة؟ أليس لدينا مايكفينا من تجاربنا الفاشلة؟ بل ألسنا أصحاب السبق والريادة فى مجال التجارب الفاشلة؟ ودعك عزيزى القارئ من تجارب يوغندا وشيلى والأرجنتين بل وجنوب أفريقيا نفسها, اين تجربتنا لمحاكمة عهد عبود؟ وأين تجربتنا لمحاكمة الديموقراطية الثانية؟ وأين تجربتنا لمحاكمة عهد النميرى؟ ألم تكن كلها لجان حقيقة ومصالحة وعفا الله عما سلف ونابعة من واقعنا ما من أكتر يابلادى؟؟؟ أوليست هذه التجارب كافية لنا لنعى خفايا ومتاهات مثل هذه التجارب حتى تتكون لجنة حقيقتنا القادمة للبحث فعلا عن الحقيقة ووجها القبيح الذى نعيشه واقعا ملموسا, ولتكون مهمة اللجنة إحقاق الحق بمجب القانون والعدالة وليس طمث الحقيقة, ولتنطق اللجنة بجرم المجرم وبعدها يكون للضحية قولها فى ان يعاقب الظالم ومن أراد فليعفى عن ظالمه, ولكن ومن المؤكد ان لجنة حقيقتنا القادمة ستكون على شاكلة محاكمات نورنبيرج ضد جرائم النازية فما أشبه النظامين ببعضهما, وإذا كان الداعى لفشل تجاربنا السابقة هو قلة الأدلة الدامغة فقد تعلمنا من تجاربنا الفاشلة ان نوثق ونرصد لتجربتنا القادمة. أما ممارسة هواية طرح تجارب الآخرين والترويج لها بأنها الحل الأمثل لحل المعضل السودانى فماهو داعى هذه الترهات!؟ أم لازلتم على عهدكم تتوسمون فينا الغباء؟ ما هذا الهراء ياهولاء, فالمعضل السودانى ليس نفاذ رقبة البشير من مقصلة محكمة الجنايات الدولية, ومغازلة عقولنا ووجداننا بسياسة الترغيب والترهيب لأجل حقن دماء أبناء الوطن الواحد وحماية ترابه من التمزق والشتات المتبعة من زعماء يفتقدون الى الرؤى السياسية, ويفتقرون الى الذكاء الإجتماعى, والحس الوطنى, وتوابعهم من أفراد القطيع الذين يهللون ويكبرون لكل فكرة طائشة وضاله وغشيمة جاءت من زعمائهم ليذكرونا بأنهم مازالوا أحياء عند ربهم يرزقون, ماعادت هذه الهواية تنطلى علينا فلاتضيعوا زمنكم وزامننا بمثل هذه الكوميديا السياسية, نعم نحن جياع وننبش نفايات الظالمين الأغنياء لنملأ بطوننا قرفا وقذارة, ولكننا حتما سنتقيأ الحقيقة ولاشئ غير الحقيقة, ولم نصاب بعد بالتخلف الذهنى , ولا العاهات السياسية التى تؤثر فى توازن حبنا للوطن وشبعه, ولا نتخبط أو نتردد أو نتلعثم لطرح مطالبنا والوقوف على تحقيقها أمام كل من يظن فى نفسه أنه زعيم وتحق له قيادة البلاد, فنحن جيل آخر ياهولاء, لم نؤسس معكم مؤتمر الخريجين, ولم نستوزر فى حكوماتكم, ولم نكن أعضاء منتخبين أو معينين فى برلمانتكم ولا مجالس شعبكم, بل لم ندلى لكم بأصواتنا أساسا فى صناديق الإقتراع فى اى ديموقراطية من ديموقراطياتكم المزعومة, فأنتم لاتعرفوننا ولكنا نعيش خزى إرثكم دون ذنب جنيناه, نعم أنتم لا تعرفوننا لأننا بلغنا سن الرشد القانونى والسياسى فى غير زمانكم ولانقبل بالوصاية والجودية والعواطف السياسية فى شئوننا, نحن جيل ياهولاء تشرأب أعناقه ليرى العالم من حوله ويحلم بسودان له ولأبنائه يتفق ومايجدث حوله من تقدم , جيل عقد العزم ألا تكون تركته للأجيال القادمة مثل تركتم الخربة, نحن جيل تسلح بالعلم والعقل ليجد رؤى جديدة للسودان جديد, ويرى أن حل المعضل السودانى ليس مكانه لجنة الحقيقة والمصالحة, ولا موائد المباحثات خارج البلاد, ولا وساطة قطر أو ضغوط أمريكا, ولا فى إتفاقيات تحول أعداء البارحة الى رواد القصر الجمهورى اليوم, بل فى نظام ديموقراطى يحقق تداول السلطة حقا لكل سودانى بغض النظر عن العرق أو العنصر, أوالدين , أوالنوع... وفى ذلك فليتنافس المتنافسون, وفى دولة يسودها القانون وتحكمها المؤسسات الدستورية, وإقتصاد ينمو فى كل أقاليم البلاد, وتوزيع عادل للدخل القومى والخدمات الأساسية على كل مواطنيه, فإن تحقق ذلك لن يطالب اقليم واحد بالإنفصال, ولن توجد حركة مسلحة واحدة تهدد أمن البلاد, ولا تهديد للإستقرار السياسى فى السودان... عندها فقط نرود المجد حتى يحفظ الدهر لنا أسما وذكرى...
ألا هل بلغت اللهم فأشهد بأننى سودانية
مها سعيد
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.