بسم الله الرحمن الرحيم قد تجد شخصين درسا في كلية واحدة، وتخرجا في عام واحدٍ، وبتقدير متشابه، وبعد التخرج يحصل أحدهما على وظيفة مرموقة، بينما يظل الآخر عاطلاً لسنواتٍ عديدة، أو قد تجد بائعين يقومان بتسويق مُنْتَجٍ واحدٍ، في منطقةٍ واحدةٍ، لنفس الزبائن وبنفس السعر، ومع ذلك تجد دَخْلَ أحدهما أضعاف الثاني. وحينها يحق لك أن تتساءل: ما الذي يجعل النتائج التي يحصل عليها بعض الناس تختلف عن نتائج الآخرين؟ ولماذا يستطيع بعض الناس تحقيق أحلامهم بينما يعجز الآخرون؟ فلا بُدَّ من وجود أسباب وراء كل نجاح في هذه الحياة، إذ لا يُعْقَلُ أن ينجح الناس مصادفة، أو نتيجة للحظ فقط، بل هنالك أسباب معينة أدَّت إلى تلك النتائج. قد يعجز الكثيرون عن إدراك هذه الأسباب ولكن هذا لا ينفي وجودها، بل على العكس تماماً، فعجزنا عن إدراك الأسباب هو السبب الرئيسي في عجزنا عن تحقيق النتائج التي نحلم بها، فكِّر في ذلك واسأل نفسك: (ما الذي فعلته لتحقيق أهدافك؟ وهل أتى ذلك بنتيجة معك؟) فإذا ظللت تفعل نفس الأشياء التي اعتدت على فعلها طيلة حياتك الماضية، فلا تتوقع أن تتحسن حياتك؛ فليس من الحكمة أن تعيد نفس التجربة ثم تتوقع نتائج مختلفة! ومع ذلك يقضي الكثيرون أعمارهم وهم ينتظرون أن تحدث معجزة وتتحسن أحوالهم، فتجدهم يحلمون بالنجاح من غير أن يجتهدوا، ويطلبون الثروة من غير أن ينخرطوا في عملٍ ما، ويتطلعون للثقافة من غير أن يقرأوا كتاباً واحداً، ويريدون أجساماً صحية من غير أن يمارسوا التمارين الرياضية، ويأملون وفي محصول زراعي وفير من غير أن يتعهدوا زرعهم بالعناية والمتابعة. فكيف لهؤلاء الناس أن يحصلوا على نتائج المجتهدين وهم لم يعملوا مثل أعمالهم؟ يقول بعض الناس: إنه يريد أن يحصل على نتائج (زيد) ولكنه يحب أن يتصرف كما يتصرف (عمرو)، وكأنه لا يعلم أن القانون لا يعرف ما تريده وما تحلم به، بل القانون يعمل وفق تصرفاتك: وكما يقول الدكتور فيل: "عندما تختار التصرف فأنت تختار النتائج" "When you choose the behavior you choose the consequences" فإذا أردت أن تغيِّرَ النتائج التي تحصل عليها، عليك أن تُغَيِّرَ ما اعتدتَ على عمله في الماضي، فإذا ظللت لعشر سنوات تعمل في نفس الوظيفة وبنفس الأسلوب وأنت تتقاضى نفس الراتب وتنفقه بنفس الطريقة، فإذا ظللت على تلك الحال ولم تستطع أن توفِّرَ جنيهاً واحداً، فإنني أضمن لك أن تظل لعشر سنواتٍ أخرى وتحصل على نفس النتيجة. لقد عملتُ في مهنة التدريس لخمس سنواتٍ دراسية من العام 2007م وحتى العام 2012م، قضيتها في مدرسة القبس، واستمتعتُ كثيراً بهذه المهنة؛ ولكن بعد كل هذه السنوات الجميلة نظرتُ إلى رصيدي المالي ووجدته صِفْرَاً كبيراً، ثم نظرتُ إلى قبيلة المعلمين من حولي فلم أجد ثرياً واحداً، بل وجدتُ أقصى ما وصل إليه أحدهم من الثراء أن امتلك بيتاً صغيراً في أحد أطراف العاصمة، وحتى ذلك البيت الصغير لم يكن ليبنيه لو أنه لم يتغرب في إحدى دول الخليج. أردتُ أن أحقق الكثير من أحلامي، ووصلتُ إلى قناعة أن مهنة التدريس لن تحقق لي ما أصبو إليه، استخرت الله تعالى وتقدمتُ باستقالتي من المهنة التي أحببتها حباً شديداً، وبعدها تفرغت لإعداد الكتب التعليمية وتسويقها في المدارس، وبحمد الله توفقتُ في زيادة دخلي أضعافاً، مما مكنني من تحقيق العديد من أحلامي التي ما كنت لأحققها لو ظللتُ في تلك المهنة العظيمة! وأنت أيضاً بإمكانك أن تحصل على النتائج التي ترجوها لو اتَّبَعتَ الأسباب الصحيحة، يقول جون روهن "إذا أردت الثروة اعمل ما يعمله الأثرياء وفكر كما يفكرون" فالشيء الوحيد الذي تتحكم في تغييره هي أفكارك، فإذا غيرت أفكارك ستتغير الظروف، فأفكارك هي الأسباب وظروفك هي النتائج لتلك الأسباب. فبدلاً من أن تتذمر وتقضي عمرك كله في لومِ الناجحين، عليك أن تبحث عن أسباب نجاحهم، وعليك أن تسأل نفسك: (ما الذي جعل هذا الشخص البسيط يحقق هذه النجاحات العظيمة بينما أنا عاجز عن تحقيق نجاح واحد؟ ( فليس سهلاً أن ترى البسطاء يحققون أحلامهم ويتركونك تتفرج، فأنا أعلم وقع ذلك على نفسك، ولكن هل ستظل تقضي بقية عمرك كله تشاهدهم وتقول للناس: "لقد درسنا في كلية واحدة وكان ضعيفاً جداً في مستواه" أو: "لقد سبقناه في العمل بهذه المؤسسة وكان ينفذ أوامرنا" أو: "لقد كان يقترض منا مصاريفه". وأنا أيضاً أتفق معك في أنه قد كان! ولكنه تغيَّرَ الآن، فهل كنتَ تريده أن يعيش عمره كله وهو يقترض منك مصاريفه؟ ثُمَّ ما الذي ستجنيه من حطِّ أقدار الرجال والنقمة عليهم؟ فذلك السخط لن يقودك إلى النجاح، كما أنه لن يؤثر في أؤلئك البسطاء بل سيؤثر في صحتك أنت ويجعلك تقضي عمرك كله ناقماً بدلاً من أن تسعى لمعرفة أسباب النجاح. فيصل محمد فضل المولى Email: [email protected] [email protected]