قرأ ت ما كتبة السيد سيف الأقرع المقيم بمدينة الضباب لندن وسعدت جدا بأن أوضح جزءا من حقيقة الانتفاضة الشعبية المباركة ودوره المتقدم ويده العليا في اشعال فتيلها والتي دلت – الانتفاضة - كما اكتوبر علي عبقرية هذا الشعب المعلم وعظمته والذي سبق فعله الثوري الثنائي ما تلاه من ثورات مما يعرف في محيطنا بربيع الثورات العربية . والحقيقة التي يعرفها الكثيرون من زملائي وأهلي والتي اشفعها أيضا بالقسم ( والله العظيم وأقول الحق-كل الحق ) أنني أنا أول من هتف في مقهي النشاط الطلابي في جامعة أمدرمان الاسلامية صبيحة يوم السادس والعشرون من مارس المبارك والذي يؤرخ اليوم الأول من انتفاضة ابريل المجيدة وكنت وقتئذ طالبا بكلية الآداب .- قسم اللغة الانجليزية . أذكر حينها ان الاتحاد كان تحت مظلة ما تواضع علي تسميته ب ( التضامن الاسلامي ) برئاسة الأخ سلامة محمد أحمد وسكرتارية الأخ محي الدين وكان يضم تحالف الأنصار وحزب الأمة والطلاب الاتحادين ورابطة الطلاب المستقلين وللأمانة لم أكن منضويا ولكني كنت و مازلت قريباً من أفكار الطلاب المستقلين وهي حركة طالبية قديمة نشأت في ظل التجاذب الحاد بين تيارات اليسار واليمين في الوسط السياسي الطلابي فصارت فيما بعد والي اليوم كيانأ وطنيا جامعأ . وقد جئت للجامعة مشبعا بخلفية نضالية ثرة من مدينة الحديد والنار والثوار إذ كنت رئيسا لدورتين متتاليتين لاتحاد مدرسة عطبرة الشعبية ( الجديدة ) ومعروفة مواقف المدينة الباسلة وتضحياتها الجسام تجاه النظام المايوي سئ الذكر. كانت بوادر الانتفاضة تلوح في الأفق خاصة بعد مقتل الشيخ محمود محمد طة ومحاكمات البعثيين والتدهور الاقتصادي وتفشي الغلاء والجوع بفعل المجاعة التي ضربت أجزاء كبيرة من الوطن وانتشار خبر قيام النظام بترحيل الفلاشا وغيرها من أحداث نهاية العهد المايوي البائد .ومما ساعد علي تقوية فرص اندلاع الانتفاضة صعود تيار المستقلين والوطنيين الي زعامة الاتحادات الطلابية في جامعة أمدرمان الاسلامية وجامعة الخرطوم ومعهد الكليات التكنلوجية حينها . كنت سبقت الآخرين في أثناء وبعد خطبة الأخ سلامة رئيس الاتحاد وهتفت ثلاث مرات يصوت قوي فخيم (( هبي هبي رياح أكتوبر – هبي هبي رياح أكتوبر ))(( نحن الطلبة ضمير الشعب – صوت الطلبة صوت الشعب)) وكان هذا أول هتاف يردد في أصداء الجامعة وتبعته هتافات أخري كانت شعارات تلك الفترة الحرجة من تاريخ بلادنا العزيزة . مازلت أذكر بعضأ ممن كان حولي من الطلاب رغم طول الأمد بيننا مثل الصديق عمر أحمد ابراهيم من أبناء حي الضباط , شقيق المهندس صديق السكرتير السابق لاتحاد العاب القوي والصديق محمود عبد الله الطاهر من أبناء العرضة جنوب , بالقرب من نادي المريخ وياسر أحمد عثمان وفكري كباشي الأمين من أبناء الاتحاديين , من كسلا وبالطبع سلامة ومحي الدين وأعضاء الاتحاد والأخ صلاح من أبناء الرصيرص وصافي النور من أبناء كردفان وأحد أبناء عائلة حضرة كادر اتحادي, من بحري والطيب طرقة من شرق الجزيرة وعبد الباقي ( تي ) من الدمازين وصلاح بريمة و الحلو من كوادر حزب الأمة ومنتصر من تنظيم الناصرييين من الحلة الجديدة وعبد الرحيم , يساري من كريمة وزميل أخر من أبناء المحمية و آخرين كثر ومن أطياف عديدة . ثم قدت مع آخرين جموع الطلاب حتي خرجنا من الباب الرئيس للجامعة فانضمت لمظاهرتنا جماهير كثيرة خاصة العمال وصغار الحرفين في الساحة الواقعة بين الجامعة وستاد الهلال و بينا نحن كذلك نهتف ونتداعي ونتماسك , ظهرت عربة تحمل عددا من رجال الشرطة بخوذاتهم وعصيهم المدببة السوداء فوق الجسر العابر للخور فتفرق المتظاهرون في جماعات وتحدينا نحن الشرطيين بالهتاف والحجارة و فر البعض الي السوق الكبير وآخرون الي شارع العرضة وعدت أنا مع مجموعة للجامعة لحشد المزيد من الطلاب ودفعهم للمشاركة وتجمعنا من جديد وظللنا نهتف ونثور وتزايدت الجموع عند تقاطع شارع الرباطاب والزقاقات الفرعية .وكنا نتفرق لنجتمع من جديد وعند البرندات الخلفية لمستشفي التجاني الماحي عرفنا أن المظاهرات تواصلت بحي العرب وميدان البوسته وشارع الأربعين فاتجه فريق منا نحو ميدان البوستة ولعلها اللحظة التي تلاقي فيها مع المجموعة التي ذكرها الأخ الأقرع . كنت بخبراتي التنظيمية وقدراتي الخطابية أواصل الليل بالنهار بالخرطوم وأمدرمان وسط الشباب والأحياء وأطوف علي التجمعات الثائرة في كل مكان خاصة دار الأساتذة بجامعة الخرطوم مركز دائرة الانتفاضة , حين تعرفت علي الدكتور عدلان الحردلو وأظن المحامي جربوع وأخرين من بينهم رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم يوسف الدقير وبعض قيادات معهد الكليات التكنلوجية ,وكثير من معارفنا من أبناء نهر النيل في جامعة القاهرة الفرع , كما شاركت في طباعة منشور أظنه الأول بماكينة الرونيو. وقد تعاهدنا نحن الطلاب علي الامساك بزمام المبادرة ذلك حتي لا تنطفي شعلة الثورة الولبدة . وبعد اليوم الرابع أو الخامس خفنا أن يخمد لهيب الثورة بعد تحديات أبو القاسم وأبو ساق , فقمت باشعال حريق كبير في الخرطوم ( بمفردي ) وقد خططت لذلك جيدا حتي لا تحدث خسائر في الأرواح أو المساكن (ما زلت احتفظ بذلك السر لنفسي ) وقد تخيرت نهاية مباراة في ستاد الخرطوم جمعت بين فريقي المريخ و النيل العاصميين - أحرز فيها ابراهومة المسعودية عددا من الأهداف بمفرده , وقد عمل لهيب النيران علي تزكية نار الثورة وتأكيد استمراريتها وتجمع الناس من أحياء السكة حديد والخرطوم تلاتة والسجانة وحتي اللاماب والشجرة ولم ينام الناس بعد ذلك ولم يهدأ لي بال حتي تحقق الانتصار الكبير وبذق فجر ابريل الجديد من بين ظلال أغصان النيم محمولا علي نغم الهتاف الكبير الذي انداح نديأ في كل البقاع الطاهرة وتمددعلي عرض البلاد جميعها قمحا ووعدا وتمني . الشكر للمناضل الأقرع , الذي سجل اسمه في الصفحات الأولي من دفتر الانتفاضة الخالدة ونحن نصدقه ونقدر انفعاله بالحدث الكبير, ولعلها تكون فرصة مناسبة لنحيه فيها ونحن نتنسم عبير ابريل الخالد , الباقي فينا , ونحي معه نضال كل الشرفاء الأحرار من أبناء بلادنا , الذين ربما كانت لهم مساهمات وتضحيات أكبر مما قمنا به ونحن لا نرجو من ذلك غير تبيان الحقائق والتي ما زال معظم شهودها أحياء – أطال الله في أعمارهم وغفر لمن قضي منهم . ولم يك ذلك من باب المن بما قمنا به , فهو جهد خالص لوجه الله و لمجد الوطن الغالي ولشعبة الأبي الكريم , انما هدفنا من سرد تلك المواقف جلاء بعض ما خفي من صفحات تأريخ مجيد وحافل حقيق بأن تروي تفاصيله الكبيرة والصغيرة لفائدة المؤرخين والباحثين وللأجيال الصاعدة التي يهمها معرفة تاريخ بلادها واستلهام ما فيه من عبر. عاشت ذكري مارس أبريل حية باقية والمجد والخلود لشهدائها الأبرار. [email protected] الطائف –السعودية ( ص ب 2244) 00966556970703