أمس الكثيرين من بني وطن لا يكترثون عن معرفة وطنهم سواءً علي الصعيد الجغرافي ، أو الثقافي أو الاجتماعي رغم ظاهرة الإثراء المعرفي بفعل ظهور التقنية الحديثة في عصر المعلوماتية ، فمعرفة الوطنية ترسخ معاني روح الوحدة الوطنية بين الشعوب و تذوب بفعلها علامات التباين بين مكونات المجتمع ، و تعزز لمبدأ قبول الآخر و احترام ثقافته التي تمهد الطريق نحو وحدة عنصر المجتمع وصهره في بوتقة الوطن الواحد . عبر غابر الحقب الماضية كانت المناهج الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة تؤسس بمنهجية ذكية لمعرفة الوطن علي الصعيد المحلي في شاكلة المدن والأقاليم والعادات والتقاليد في المجتمعات المختلفة ، اما علي الصعيد القومي فكانت جغرافيا الوطن العربي تجد مساحة رحبة تهيم نقشاً بالقلوب في ملحمة القومية العربية ، اما جغرافية العالم كانت خرط قارات العالم وكافة المعارف المحيطة بها من مناخ و ديمغرافيا السكان و الموارد البشرية نستشفها من كتب الجغرافيا وأطلس العالم . فكانت المناهج ثرية بالمعرفة ومن منا لا يتذكر تلك القصيدة التي تعرفك بالوطن فهذا جزء من مقاطعها : فى القولد التقيت بالصديق أنعم به من فاضل ، صديقى خرجت أمشى معه للساقية ويا لها من ذكريات باقية فكم أكلت معه الكابيدا وكم سمعت اورو والودا *** ودعته والأهل والعشيرة ثم قصدت من هناك ريره نزلتها والقرشى مضيفى وكان ذاك فى أوان الصيف وجدته يسقى جموع الإبل من ماء بئر جره بالعجل *** في تسعينيات القرن الماضي جمعتني الصدفة بأحد الأجانب أحسبه من أحدي دولة آسيا الحبية ( اليابان)، في رحلة سفر عبر الطريق البري بين مدينة الضعين و الأبيض ، كانت رحلة تتجلي فيها دروس معرفة الأوطان التي تنم من شخصية ينطبق عليها القول :" قبل ان تعرف وطنك يجب ان تعرف وطن الآخر، و قبل ان تعلم لغتك يجب ان تعرف لغة الآخر ، قبل ان تعرف ثقافة وطنك يجب تعرف ثقافة الآخر" . نعم .. ذلك الآسيوي يضع بين يديه العالم ، كل القارات و الدول و المدن .. كل المحيطات والبحار و الأنهار .. الصحاري و التلال والجبال .. بعد تورات علي ظهرانينا مدينة الضعين بعد ساعتين من هدير محركات السيارة و هجير شمس الظهيرة ، توقفت السيارة لكي يأخذ رفاق الرحلة قسط من الراحة وتأدية شعيرة الصلاة ، في تلك اللحظات المح خلسة ذلك الرجل يتحسس الإطارات برفق كمن آس يجس عليلا ، ثم يضع أذنيه علي صفحة الإطار تلو الآخر تلك الحركات لازمتنا طوال الرحلة ، يحمل علي ظهره حقيبة فيها بعض الأجهزة و المعدات اتذكر منها مقياس درجة الحركة ، كلما نطوي المسافات وتلوح الينا مدينة أو قرية نضع التساؤلات فيما بيننا من هي؟ نجد جلنا – الكثرين- يقولون بلسان حال لست أدري . فسرعان ما ينبري ضيفنا ذاك الرجل و ينظر الي الخريطة التي زود بها بين يديه ويقول بإجابة جاهزة تقطع قول كل خطيب هذه المدينة اسمها كذا ، وتلك القرية تدعي كذا ، علي ما اذكره منها ابوكارنكا ، جاد السيد ، الناير، اللعيت ،جار النبي ، الي .. العيارة خاتمة المطاف . عندما تنفس صبح اليوم التالي كنا علي مشارف الأبيض (عروس الرمال) وآخرين يعتزون بلقب ( ابوقبة فحل الديوم ) ، في ذات الصباح عبر بحواجز التفتيش (نقطة البوليس) ، وما نعرفه عن الحارسين لبوابة تلك المدينة يتمتعون بالحس الأمني العالي و الانضباط في تحمل المسئولية الوطنية ، وسلامة المسافرين ، بدأ التحري مع ضيفنا العزيز عن اسمه و موطنه وغير من اسئلة تعرف الهوية و الشخصية ، فكانت التساؤلات قد أخذت مساحة من جدولنا الزمني المخصص للرحلة ، ولكن عند مغادرتنا و مواصلة الرحلة ، كلفني أحد افراد القوة النظامية أن نكرم هذا الضيف طوال الرحلة حتي مقصدنا – الخرطوم – فما راعني و ادخل في نفس الهواجس تلك الشخصية فكان حب الاستطلاع و الفضول محفزاً للاستفسار والبحث عن اجابة .. وغيرها .، علمت مؤخراً بأنه مدير تسويق لأحدي شركات الإطارات العالمية في رحلة عمل لأكثر من اربعين دولة بدأت رحلته بها عبر البحر و البر وستنتهي بكينيا .. فاكتشفت انه مختبر متحرك بما يحمله من اجهزة وتجهيزات ، و تعلمنا منه دروس في الوطنية لأنه يعرف وطنه فتحتم عليه معرفة وطن الآخر .. فنجد – الأطلس- العالم بين يديه . وأخيرا نذكر بان" حب الوطن هو المكان الذي نعيش فيه ويعيش فينا ، مرتبط بنبض القلب في الجسد والروح " .. فيجب ان تعرف وطنك . [email protected]