التلاعب الجيني.. متى يحق للعلماء إبادة كائن ضار؟    سَامِر الحَي الذي يطْرِب    شاهد بالفيديو.. أشهر مصنع سوداني يستأنف العمل بالخرطوم في حضور صاحبه    شاهد بالفيديو.. سيدة سودانية تنهار بالبكاء على الهواء: (زوجي تزوج من مطربة شهيرة كانت تجمعه بها علاقة غير شرعية وأصبحت تصرف علينا بأموال الحرام ومن أموال المبادرات التي تطلقها)    شاهد بالصورة.. وسط ضجة إسفيرية واسعة افتتاح محل "بلبن" بمدينة ود مدني بالسودان    مواعيد مباريات كأس العالم الأندية اليوم السبت 21 يونيو 2025    العدل والمساواة: المشتركة قدمت أرتال من الشهداء والجرحى والمصابين    يا د. كامل إدريس: ليست هذه مهمتك، وما هكذا تُبنى حكومات الإنقاذ الوطني    بحث علمي محايد    عضو المجلس السيادي د.نوارة أبو محمد محمد طاهر تلتقي رئيس الوزراء    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    الجيش السوداني يعلّق على الهجوم الكبير    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    "الكنابي": تهجير المواطنين بإزالة السكن العشوائي في الجزيرة والخرطوم تطور خطير    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملكية بيت السودان في لندن..
نشر في الراكوبة يوم 30 - 04 - 2013

هوامش تاريخية تدحض وتصوّب روايات شفاهية (4): ملكية بيت السودان في لندن..
أوضحنا في ثلاث مقالات سبقت كيف أن روايات شفاهية لا أساس لها من الصحة والدقة شاعت وراجت وتواترت وتناقلها عامة الناس عن جوانب من تاريخ السودان المعاصر وكاد بعضها يرقى إلي مصاف الحقائق التاريخية أو هي بالفعل حلت مكان الحقيقة.
ومن هذه الروايات – وقديماً قيل إن آفة الأخبار رواتها – ما كذبته وصوبته الوثائق أن خليفة المهدي عبد الله التعايشي عرض على الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا العظمى عند نهاية القرن التاسع عشر في رسالته الخطية لها في سنة 1887م الزواج منها إن هي قبلت بالدخول في الإسلام طوعاً وسلماً. أوضحنا في المقال واستناداً على نص الرسالة أن شيئا من ذلك لم يحدث لا صراحة ولا تلميحاً ولا إيحاءاً.
وأثبتنا في المقال الثاني وعن رواية شفاهية أخرى راجت وانتشرت بأن الإدارة الاستعمارية البريطانية لم تعرض أصلاً على مولانا السيد علي الميرغني مُلك السودان أو أنه قد اعتذر عن عدم قبول العرض كما روى الرواة !
والرواية الثالثة والتي أخذ بها بعض المؤرخين والساسة أن فكرة إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في ديسمبر 1955 اقتبسها الرئيس إسماعيل الأزهري وأخذها من السيد وليام لوس المستشار السياسي لحاكم عام السودان (خلال الفترة 1953 – 1956).
وجاء تأكيدنا أن للأزهري – لا للسيد لوس – يرجع الفضل في السبق والمبادرة وذلك في تعليقنا على ما كتب في الموضوع أُستاذنا السياسي والصحفي المخضرم محمد خير البدوي.
واليوم وفي سياق هذه السلسلة بالعنوان أعلاه " هوامش تاريخية لتصحيح روايات شفاهية.." نكتب عن رواية رابعة كثر تداولها منذ فجر الاستقلال والي يومنا هذا حتى كادت بفعل التواتر والتكرار أن تحل محل الحقيقة المغيبة.
هذه الرواية هي عن مِلْكِية بيت السودان في لندن SUDAN HOUSE" “إذ زعم الرواة أن الِملْكِية تعود لطيب الذكر عظيم السيرة الإمام عبد الرحمن المهدي – رحمه الله – أهداه داراً للجالية السودانية عند زيارته الرسمية للندن في أكتوبر 1952م .
مما حفزني على تصحيح وتصويب هذا الخبر ما قاله ضيف من النخبة السودانية في برنامج راديو أم درمان وبث قبل نحو أسبوعين بان الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا العظمى هي التي أهدت العقار (بيت السودان) للسيد عبد الرحمن أثناء تلك الزيارة فأهداه وأوقفه بدوره للجالية السودانية!!
وعادت بي الذاكرة وأنا استمع لهذه الرواية التي بثتها إذاعتنا العتيدة إلى عام 2002م عندما زارني في الخرطوم مدير إدارة الأوقاف بوزارتنا، وزارة الشئون الدينية والأوقاف، ليحدثني عن خطة الوزارة لتطوير واستثمار الأوقاف السودانية بالخارج ومنها "بيت السودان" في لندن!! والذي كما ظنَّ وقال أوقفه السيد عبد الرحمن لصالح السودانيين المقيمين في بريطانيا ويود القيام بزيارة للندن للوقوف على حالة الوقف!
وبقدر ما فاجأني مدير الأوقاف بإصراره وتيقنه من صحة ما قال، كاد وجهه يَسْودّ وجبينه يتقطب عندما أكدتُ له أن البيت ليس وقفاً كما تَوهَّم هو وليس وحده فمثله كثيرون... إن بيت السودان عقارٌ مملوك لحكومة السودان ومن قبل الاستقلال.. وهو ملك حر Freehold تم شراؤه عام 1947 بتصديق من السكرتير المالي في الخرطوم Financial Secretary ويقعُ في منطقة بادنقتون وسط لندن: Paddington ليكون دار ضيافة قصيرة الأمد للمبعوثين السودانيين الوافدين لبريطانيا للدراسات العليا والتدريب الفني والمهني لحين انتقالهم إلى مواقع سكنهم الدائم ودراساتهم في لندن والمدن البريطانية الأخرى.
هذا وكانت أعداد المبعوثين السودانيين للدراسة والتدريب في بريطانيا قد تزايدت وتضاعفت عقب نهاية الحرب العالمية الثانية... جاءوا مبتعثين من مختلف المصالح الحكومية: من مصالح ووزارات الصحة، الأشغال، السكك الحديدية، مشروع الجزيرة، القضائية وكلية الخرطوم الجامعية (جامعة الخرطوم فيما بعد) .......الخ.
تم شراء البيت بواسطة المسؤولين البريطانيين في ما عرف آنذاك بوكالة السودان Sudan Agent (سفارة السودان لاحقاً عام 1956) ثم انتقل في يوليو 1953 إلى موقعه الحالي الذي اشتهر به وهو 32 Rutland Gate في منطقة نايسبردج وسط لندن وشهادات البحث (شهادة التملك) محفوظة في أرشيف بعثتنا الديبلوماسية بلندن، اطلعت عليها قبل سنوات إبان رئاستي للبعثة.
ولكن كما هو شأن وسيرة الروايات الشفاهية من ناحية عامة فأنها لا تخلو من رهاب أو سراب معلومة صحيحة ومثقال ذَرَّةٍ من الحقيقة.. وهذا المثقال في رواية مِلْكية السيد عبد الرحمن لبيت السودان هو إهدائه لقطع أثاث فاخرة - بمقاييس زمانها ومكانها – تستكمل نواقص البيت وذلك عند زيارته للبيت في أكتوبر 1952 وفي موقعه الأصلي في بادينقتون ولقائه بأعضاء الجالية الذين احتفوا به وبمقدمه.
وكانت الهدية سجادة كبيرة وجهاز تلفزيون زُينتْ بهما صالة وصالون البيت.
... لذا فهو لم يهدهم داراً كما قال الرواة وإنما أثاثاً لدار قائمة منذ سنوات (1947) وكائنة في المنطقة التي اشرنا إليها.
أما تاريخ "بيت السودان" وتاريخ البعوث والابتعاث لبريطانيا ودور الدار ومآلاتها وحالتها الراهنة المأسوف عليها وفشل مساعي إصلاحها فلا يسعه موضوع وأسطر هذا المقال.. تكفي الإشارة إلى إن أفضل ما كُتِبْ عن ذلك هو دراسة غير منشورة أعدتها السيدة البريطانية بير كليتون Beer Clayton أول مديرة ومشرفة على إدارة بيت السودان والتي التحقت للعمل بوكالة السودان والسفارة لاحقاً خلال السنوات 1929 – 1963.
يعكف الآن صديقي السفير الروائي جمال محمد إبراهيم – وقد نعمت برفقته الذكية الودودة نائباً لي في رئاسة بعثتنا الديبلوماسية في لندن – على ترجمة هذه الدراسة إلى العربية مع مقدمة بديعة عن سيرة السيدة كليتون (كليتونا كما كان يناديها المبعوثون) وعن مشاعرها الدافئة الصادقة ومحبتها ووفائها للسودان وللمبعوثين السودانيين الذين رعت شئونهم وأحسنت إليهم لنحو ربع قرن.
ونقول ختاماً :
يا للمفارقة ! فان السيد عبد الرحمن المهدي لم يَدَّعِ ملكية البيت – بيت السودان في لندن- وربما لم يسمع بهذه الرواية التي نَسبتْ إليه هذا الحق المزعوم إلي يوم وفاته عام 1959.
ومرة أخرى فان آفة الأخبار رواتها وآفة الروايات ما يشوبها من إضافة وحذف وتحوير وغرض عند النقل والتداول.
د. حسن عابدين
أستاذ تاريخ وسفير سابق
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.