ليس هناك مجال للزعم بأن " كل شيء على ما يرام " داخل حوش مفوضية العون الانساني خصوصا وأن الوضع الراهن للعمل الانساني يتميز بأزمة ثلاثية تؤثر على الأوضاع الأنسانية ومجهودات العمل الانساني وانشطة المنظمات الدولية والوطنية بالسودان، فالأزمة الأولى هي أزمة الدولة السودانية وإنحراف مؤشراتها الاخلاقية تجاة أنسانية المواطن السوداني، وهي مؤسسة فقدت الكثير من سلطتها في ظل الأنغلاق الداخلي والفشل في أدارة المؤسسات الاخري ذات الارتباط العضوي بالعمل الطوعي والانساني ، ولم تسعفها ما قامت به من مبادارات وشراكات واوراق قدمت خلال المشاركات في الموتمرات عبر القارات لتفسير أزمة الدولة او للحصول علي تمويل أنساني يزيد من كفاءة المفوضية وسياستها، فلم تعد سياسات العون الانساني وأستراتيجيات الحكومة والدولة السودانية موضع ثقة في كثير من البلدان والشركاء الدوليين والمانحين والصناديق علي المستوي العالمي والاقليمي والعربي. والأزمة الثانية هي أزمة الأحتياجات الانسانية المتصاعدة باطراد نتيجة انتشار الصراعات المسلحة والغلاء المعيشي الفاحش المتزامن مع فشل السياسات الاقتصادية والازمات الاقتصادية الداخلية، فازمة الأحتياجات الانسانية المتزايدة مع ضعف الاستجابة لم يساعد على التعجيل باستغلال الموارد البشرية والخبرات القليلة المتناثرة في أجهزة الدولة ومفوضية العون الانساني ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الطوعية لاعتماد سياسة الأقصاء وحجب المال والطرد والتفكيك والشطب وخلافة من الاساليب الممنهجه للمؤتمر الوطني، بل سعي الدولة لمواجهة المطالبات والثورات والحركات المسلحة بتوسعة رقعة المواجهة العسكرية الي مزيد من المشردين والنازحين والاحتياجات الانسانية في ظل أزمة أقتصادية ومجتمع منهك من حرب سابقة بجنوب السودان أستمرت لاكثر من عشرين عاماً لم يتعافي منها حتي الان، مما جعل المجتمعات المتضررة عبر منظماتها الطوعية بعيدة كل البعد في تقديم الحوافز للمساعدة في أنجاح سياسات وجهود وأنظمة الأمن الانساني ، بل فضلت المنظمات الطوعية بالمجتمعات المتأثرة بالصراعات في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق بوضعه مبدأ " جعل الأولية للخواجة " فوق الاعتبارات الأخرى لمفهوم سودنة العمل الطوعي، كرد فعل طبيعي لفشل السياسات والخطط التي وضحت لمجابهة الاوضاع الانسانية للمناطق المتاثرة بالصراعات في الفترة من 2007- 2012م بدارفور وجبال النوبة والنيل الازرق، فطرد المنظمات الطوعية الدولية الشريكة للمنظمات الطوعية بوتيرة متصاعدة وبمبررات واهية بواسطة مفوضية العون الانساني يزرع الشكوك والمخاوف في أذهان الناس بتلك المناطق المهمشة، وذلك هدد مفهوم السودنة وافقده كثير من الوهج والدعم الذي كان يلقاه. أما الأزمة الثالثة، فهي أزمة الفشل في أدارة المفوضية من قبل الجهاز التنفيذي للدولة – حكومة المؤتمر الوطني، وعدم قدرته على المحافظة على بيئة العمل الطوعي والانساني معافاة من أمراض أدارة الدولة والحكم والمحسوبية في التوظيف، وبالرغم من أهمية الازمة الثالثة ذات أرتباط بالازمة الثانية الا أنها مثارا للمشاكل والجدل خصوصاً بعد أيلوله الأشراف علي مفوضية العون الانساني لوزارة الداخلية لفشل وزارة الرعاية والضمان الأجتماعي. فأشراف وزارة الداخلية علي مفوضية العون الإنساني ستواجه السودنة تحديات جديدة ، بداً من المفهوم وصولاً الي اليات وطرق ومناهج التنفيذ لمفهوم سودنة العمل الطوعي قديماً وحديثاً، لفقر وزارة الداخلية المعرفي في التعامل والتعاطي مع أنشطة المنظمات الوطنية المتعددة التي تتجاوز مفهوم العمل الخيري وتوزيع الأغاثة الي مفاهيم أوسع ، كمجالات الحكم الراشد وحاكمية القانون والعدالة الأنتقالية وانتهاكات حقوق الانسان وحقوق الجماعات الثقافية ومناهضة النظام والرقابة علي الجهاز التنفيذي للدولة، بما في ذلك الشرطة ومؤسسات تنفيذ القانون والقضاء التي تتبع لوزارة الداخلية ، وغيرها من المجالات التي تعتبرها بعد الأجهزة الحكومية من المهددات الأمنية والتي لم تتعامل معها وزارة الداخلية من قبل كنشاط لمؤسسات لم تكن يوماً تحت أشرافها ، وجل خبرة وزارة الداخلية في هذا المجال هو اشرافها علي معتمدية اللاجئين سابقاً ، وسارعت وزارة الداخلية للبدء في تكوين شبكة اصدقاء للشرطة عبر الأدارة العامة للمرور من 24 منظمه طوعية وطنية في مارس 2013م من جملة 4635 منظمة مسجلة لدي المسجل الام للمنظمات الوطنية ، وحتي الأن هي ماذالت في طور النمو والأباضة ، لذا من العسير جداً ان توفر وزارة الداخلية اي نوع من المساندة والدعم للمنظمات الوطنية في المنظور الزمني القريب من خلال استراتيجية وخطة سودنة العمل الطوعي والإنساني ومصفوفة تنفيذ خطة السودنة المطروحة من قبل مفوضية العون الأنساني. وقدرة وزارة الداخلية للاشراف علي مفوضية العون الأنساني ستحتاج لفترة طويلة من الزمن حتي تكتسب القدرة علي التماهي والتمايز مع فلسفات ورؤي المنظمات الطوعية الوطنية ، وبالضرورة - كما يتوقع - أن تسعي الوزارة باشرافها الي جعل مفهوم السودنة أحد المحاور الأساسية للخططها التي تفتقر تماماً لاي من بنودها في خطط أدارات الشرطة ووزارة الداخلية ، والسعي لتضمين تحديات إدارة وتنظيم العمل الطوعي والإنساني وفقاً للقيم والسياسات السودانية لتحقيق الريادة الوطنية من مهام الوزارة ، وهنا بناء علي هذا الاطار النظري لازمة أدارة مفهوم السودنة ، لا يمكن الحديث عن السودنة بلا مسئولية كاملة من قبل وزارة الداخلية ومؤسساتها فى توفير الخدمات الأساسية وأي إنتقاص فى ذلك أو تخلي عن بعض الواجبات يقود مباشرة إلى أختلال أداء وزارة الداخلية الأشرافي وتعاظم الدور الاجنبي كما يراها المؤتمر الوطني ، لذا ان يتحرر وتدرك القيادات الشرطية والأجهزة الامنية والمخابرات بان مفهوم السودنة في أطار أشرافية وزارة الداخلية والسودنة لا تعني بالضرورة وقف التعاون الخارجي أو الإستغناء الكلي عن الوجود الاجنبي أو الإحلال الكامل للمنظمات الوطنية محل الأجنبية ، فالسودان جزء لا يتجزأ من المجمع الدولي وعضواً فى مؤسساته مما يحتم ضرورة التعاون والتكامل والتجاوب معه فى كل ما يلزم ولذلك الإستفادة من الإمكانيات والموارد المتاحة داخل وزارة الداخلية لتعزيز هذا التعاون لسيادة القيم والمورثات السودانية فى العمل الطوعي والإنساني ، ويظل السؤال الاكثر الحاحاً كيف يتم حل الازمة المشار اليها في ظل فساد أداري وكادر بشري فشل تجاوز الامتحان التمهيدئ للازمة الانسانية بجنوب كردفان والنيل الازرق كاول كارثة انسانية بعد أنفصال جنوب السودان. إن هذه الأزمة الثلاثية الأبعاد تدعوا إلى وضع تعريف جديد للسودنة في أطار التغيير الحتمي لطريقة أدارة الدولة ومؤسساتها يستفيد من دروس الماضي. وهذا المنظور الجديد يؤكد على قيمة التنوع الحيوي والمؤسسي والحرية والعدالة وحاكمية القانون، وعلى دور مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات العمل الأنساني الوطنية والدولية والاجنبية عاملا رئيسيا، وهو يهتم بالمشاركة الاجتماعية في التنمية الانسانية والرقابة علي مؤسسات الدولة والاستفادة من نتائجها، ويعتبر التراث الاجتماعي للمجتمعات السودانية والاخري وخبراتها رصيدا كامنا من القدرة والطاقة. وأخيرا فإن هذا التعريف الجديد ينبغي أن يركز على الدور الذي يؤديه رأس المال الاجتماعي من خلال مؤسساته المختلفة في تطور وتنمية المنظمات الطوعية. [email protected]