ورد في صحيفة الراكوبة الألكترونية يوم 25 يناير 2013 بيان من هيئة علماء السودان ممهور بتوقيعها يقول فيه (( أن كل من وقع أو أيد وثيقة الفجر الجديد هو خارج عن الدين (الإسلامى) أي بالواضح كده ((كافر )). فى الحقيقة هو عنوان صادم، نعلم تماما بأن تلك الهيئة أي هيئة علماء المسلمين فى السودان هي رافد من تنظيم المؤتمر الوطني ترزي يفصل حسب رؤية المؤتمر الوطنى بأن تكفَر هذا وتجرَم ذاك، هذا خروج عن الملَة وهذا خروج عن الدين...إلخ. قرأنا كثيرا على الشيكة العنكبوتية بعد صدور وثيقة الفجر الجديد التى أثارت غبارا كثيفا، مما حدا بالكثيرين بالكتابة حتى ظهرت لنا هذه الفرية الكبرى .لكن قبل أن نغوص فى التفاصيل دعنا نلقى الضوء على بعض النقاط. ففى وثقة الفجر الجديد ذكر فصل السلطة الدينية عن السلطة الساسية أي إقرار مبدأ فصل السلطات، بأنها تمثل الحد الأدنى من الإتفاق اّنيا ومنطلق للتلاقح الفكرى والقيمى مستقبلا. . نعم نعلم تماما أن خطاً كبيرا من دعاة العلمانية فى ظنَهم بأن العلمانية هى مرادف لإلغاء الدين وعدم الإعتراف بحقيقته، فالعلمانية لا تنكر وجود الدين كقيمة وحضارة. وأكبر خطأ لخصوم العلمانية هى ظنًهم بأن العلمانية هى مرادف للإلحاد، فمثلا أن الدولة الفرنسية التي شهدت ميلاد العلمانية كانت مسيحية كاثلوكية فى الأصل، كما نجد دول مثل تركيا وماليزيا دول ذات دساتير علمانية الاّن فهل معنى ذلك أن الاتراك والماليزيين خارجين عن الدين؟ (العلمانية عند أهلها كما فى الدول السابقة هى إنكار لحق المؤسسة الدينية بأن تحكم ). كان هذا الخلط واضحا فى نقاش الجمعية التأسيسية عام 1968 وقد شارك فى هذا الخلط دعاة العلمانية وخصومها، مع العلم بأن السودان ظل يحكمه دستور علمانى منذ إستقلاله، وهى على رأسه أكبر طائفتين هما الختمية وعلى رأسها الشيخ على الميرغنى والأنصار على رأسها الشيخ عبدالرحمن المهدى، وفى الحكم الشيخ محمد أحمد المرضى والشيخ مدثر البوشى والشيخ على عبدالرحمن فهل هم انذاك أناس خارجين عن الدين؟ فما أشبه الليلة بالبارحة، حيث يتشارك كثيرون فى هذا الفهم الخاطئ ويحاولون قسراً جر من هم موقعون ومؤيدون لهذه الوثيقة بأنهم علمانيون وخارجين عن الدين، فى إستغلال بشع للنزعة الدينية للمسلمين فى السودان بدلاً أن يحاولوا أن يروا بأنها وثيقة سياسية لحل مشكلة السودان المزمنة وإيجاد بدائل وصيغ لحكم السودان بالطريقة المثلى. فهم لا يدركون أن الفهم للشعب السوداني قد تطور كثيرا بحيث أنه قد تخطى تلك المحاولات وإلصاق التهم جزافاَ للمخالفين للرأى، وأن الشعب السودانى صار لا يخاف ولا يأبه لمحاولات التخويف لما يسمى بهيئة علماء السودان بإصدار الفتاوي وغيرها إمعانا فى زرع الفتن للشعب السودانى. (2) جدليًة العلمانيًة وماّلاتها أول مايتبادر إلى أذهاننا عند وثيقة الفجر الجديد ثلاث أشياء لم تذكر فى الوثيقة نفسها نجملها فى الاّتى :- 1- أن وثيقة الفجر الجديد تمثل مشروع ضخم لحكم السودان رغم النواقص والأخطاء التى وردت فيها وبمزيد من الحوار والنقاشات يمكن تطويرها إلى مشروع متكامل 2- أن الموقعين عليها من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدنى يمثلون غالبية الشعب السودانى وبذلك هم الأجدر بتولى مناصب الحكم فى السودان 3- وثيفة الفجر الجديد متطورة أكثر من مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية عام 1995 بإعتبار أن مؤتمر أسمرا حوى فيما حوى معالجة قضايا حق تقرير المصير للجنوبيين أما فى وثيقة الفجر الجديد فإهتم بمعالجة قضية الحكم فى السودان وإيجاد بدائل وسبل لمعالجة المشكلة السودانية بكل جوانبها . لم تنكر وثيقة الفجر الجديد وجود الدين كما ذكرنا سابقا، لأن بالدين قيم روحية وأن هذه القيم هى قيم مطلقة . بل تحوى مبادئ عامة، وأن المبادئ فهمها نسبى فهى كالتجارب المعملية قابلة للتغيير من تجربة لأخرى ، لذا من يرفضونها هم ذوى فهم متحجٍر ليست لهم قابليًة للتطور . وهم دائما يحاولون جر الشعب السودانى للقرن السابع ،هم لا يمتلكون الإجابة على تساؤلات كثيرة للدولة الحديثة المتطورة فى القرن الواحد والعشرون . صرح الأمين السياسى لحزب المؤتمر الوطنى بأن الموقعون على وثيقة الفجر الجديد (حفروا قبورهم بأيديهم) . إذاَ لا تختلف هيئة علماء المسلمين بالسودان عن الامين السياسى للمؤتمر الوطنى ، بل أنهم منحوه الصًك بأن يقتل من يشاء بإسم الإسلام، لا يصدهم من ذلك وازع دينى أو أخلاقى. كما حدث فى دارفور 300,000 شخص قتلوا فى دارفور رغم اسلامهم والحديث عن اللذين ماتوا فى الجنوب يناهز عددهم 400,000 شخص وغير معلوم عن عدد الذين قتلوا فى جنوب كردفان جبال النوبة والنيل الازرق وفى الشرق وحتى السودان الشمالى لم يتج من ذلك. أخيراَ الإيمان بالديمقراطية وحرية الرأى وغيرها من الحريات ، هذا من قبيل الترف السياسى ، لا يؤمنون بذلك يكفى أناشيهم الجهادية أن ترق منًا دماء أو ترق منهم دماء أو ترق كل الدماء ياسر محمد احمد موسى [email protected]