بسم الله الرحمن الرحيم هل تشعر بمتعة حقيقية وأنت تمارس عملك؟ وهل أنت مستعد لأداء هذا العمل حتى وإن لم تتقاضَ عليه أجراً؟ فإن كانت إجابتك (نعم) فأنت في طريقك إلى القمة بإذن الله.. وستصل إلى القمة حتى لو كنت حفاراً للقبور.. فالاستمتاع بالعمل هو السر العظيم الذي جعل (عابدين درمة) يرتقي سلالم المجد بينما هو يغوص بمعاوله في أعماق الأرض ليوسِّدَ فيها الموتى، وحتى عندما ذهب للحج اتجه إلى البقيع ليستر الموتى، فلو لم يكن درمة مُحِبَاً لعمله لما نال كل هذه الشهرة، حيث يعرفه أهل العلم والفن والسياسة والرياضة، فهو يداعب الرئيس البشير وكأنه من أبناء دفعته في الكلية الحربية، ويحظى بمقالٍ مُطَوَّلٍ من عبد الباسط سبدرات وكأنه من قبيلة السيد الوزير، وتحاوره الصحف والمجلات الكبرى وتلتقط له الصور وهو في زيه الأخضر الجميل يحمل معاوله باسماً منشرح الصدر، فإن لم يكن درمة في القمة الآن.. فمن في القمة إذن؟. وكما وصل درمة إلى القمة بحبه للعمل في المقابر وستر الموتى، ستصل أنت إلى القمة بعملك لما تُحب.. فقط استمتع بما تعمل وحينها ستنال المجد والسعادة والثروة.. يقول توماس أديسون: "لم أعمل يوماً واحداً في حياتي بل كنت ألهو". وليس توماس أديسون وحده الذي كان يلهو ويكسب بل هذه سمة كل الناجحين: انظر إلى أي لاعب كرة محترف وستكتشف أنه يلهو ويستمتع ويكسب، وكذلك المطرب المبدع، يُغَنِّي ويستمتع ويكسب، والأستاذ الجامعي الموهوب يُدَرِّسُ ويستمتع ويكسب، والصحفي اللامع يكتب ويستمتع ويكسب.. ولذلك تجدهم جميعاً يعملون حتى بعد أن يصيروا أثرياء ويعملون في العطلات ويعملون وهم مسافرون، ويعملون بعد التقاعد، بل يعملون حتى الموت، فالدكتور محمد سعيد القدال درَّس محاضرته الأخيرة ومات في نفس اليوم، ومحمد سيد حاج استشهد وهو في طريقه لأداء محاضراته، ومحمد الحسن سالم حميد كان إلقاء الشعر هو آخر عهده بالحياة، ونادر خضر غنى حفلته الأخيرة ووافته المنية، ولاعب المريخ إيداهور لفظ أنفاسه الأخيرة في الملعب وكمال حنفي مات وهو ما يزال يكتب. يقول ريتشارد سانت جون في كتابه: (السمات الثماني المشتركة للأشخاص الناجحين) "أول صفة يتقاسمها الناجحون هي أنهم جميعهم يحبون عملهم".. فالشخص الشغوف بعمله يقضي فيه الساعات الطوال من غير أن يشعر بانقضاء الوقت، والشخص المحب لعمله يركز جل تفكيره في تطوير ذلك العمل، والشخص المحب لعمله يعمل بروح المنافسة والتفوق على من يشاركونه ذلك العمل، وكل هذه الأشياء وغيرها هي ما يقوده إلى النجاح، وأنت لا تحتاج إلى قراءة كتاب ريتشارد لتصل إلى هذه النتائج، فما عليك سوى أن تنظر إلى أنجح موظفٍ في مؤسستك التي تعمل فيها ثم انظر إلى أفشل موظف في ذات المؤسسة وستكتشف أن الفرق بينهما هو حب العمل... وبإمكانك أيضاً أن تنظر إلى أنجح صاحب بقالة في حيِّكم ثم انظر إلى أفشل صاحب بقالة في ذات الحي، فالأول شغوف بعمله يعرض بضاعته عرضاً جذاباً ويجتهد كثيراً في تلبية طلبات الزبائن ويقابلهم رائقاً منشرح الصدر، أمَّا الفاشل ستجده كارهاً لعمله متبرماً من الزبائن عاجزاً عن النهوض من كرسيه، وعاجزاً عن ترتيب تلك الفوضى التي تعم أرفف بقالته. فإذا وجدتَ نفسك متبرماً ساخطاً من وظيفتك وأنت تشاهد الآخرين يحققون أحلامهم من تلك الوظيفة وهم مسرورون ومستمتعون.. إذا وجدت نفسك في هذا الوضع فعليك أن تسعى إلى معالجة هذه المشكلة.. فمن الحماقة أن تقضي أكثر من ثلث حياتك ساخطاً متبرماً، فإن أجبرتك الظروف على عملٍ لا تحبه، حاول أن تغيِّرَ من نظرتك لهذا العمل، تَصَرَّفْ كما لو أنك تحب عملك فعلاً، افعل ذلك ولو إلى حين، انظر إلى المزايا التي يوفرها لك عملك: الراتب والسكن والتأمين الصحي والتكافل بين الزملاء،.. انظر إلى عملك نظرة إيجابية، فالسخط لن يقودك إلى النجاح، فإذا رضيت عن عملك ستزيد من اجتهادك وحينها ستحقق نجاحاً ولو صغيراً، وقد يتحسن وضعك المادى وبعد ذلك ابحث عن شغفك الحقيقي. لقد عمل كثير من العظماء في أعمال عادية ليوفروا لقمة العيش، ولكنهم كانوا يستثمرون أوقات فراغهم في الأعمال التي يحبونها فعلاً.. وبعد ذلك غيروا حياتهم وصاروا لا يعملون إلا ما يحبون... لقد عمل محمد المهدي المجذوب مُحاسباً في وزارة الخارجية ولكنه كان يكتب القصائد في أوقات فراغه ونحن الآن نستمتع بقصائد المجذوب الشاعر، وبالكاد أن نتذكر المجذوب المحاسب... ولو عاش عثمان حسين (ترزياً) لما كنا سنعرفه على الأرجح، ولو ظل جمال فرفور وكيلاً للنيابة لما وجد كل هذا الكم من المعجبين.. وكذلك الحال مع محمد عبد الله الريح الأستاذ بكلية العلوم، وعثمان ميرغني المهندس، وعمر محمود خالد الطبيب وغيرهم وغيرهم... فهنالك أطباء هجروا الطب ليمارسوا السياسة وحققوا نجاحاتٍ باهرة، وهنالك مهندسون اكتفوا بالشهادات وعملوا في التجارة والاستثمار وصاروا من أثرياء المجتمع، وهنالك من فشلوا في الدراسة التي كانوا يبغضونها ونجحوا في السوق أو في الزراعة التي أحبوها، وهنالك عمال وحرفيون اتجهوا إلى مجال الأدب والفن ونالوا جوائز كبرى وغيروا حياتهم.. وكلهم حققوا أحلامهم بينما هم يبحثون عن المتعة... يقول بطل السلة الأمريكي مايكل جوردان: "لقد لعبت من أجل المتعة على مدار تسع سنوات متتالية، وبالمصادفة فزت بالعديد من البطولات" وأنت أيضاً ابحث عن شغفك واعمل فيه بجدٍ وإخلاص وستحقق أحلامك بإذن الله. فيصل محمد فضل المولى [email protected]