بسم الله الرحمن الرحيم يَمِيلُ أغلب الناس في هذه الدنيا إلى حُبِّ الشهوات والملذات، هذه طبيعة الإنسان التي خَلَقه الله سبحانه وتعالى عليها، ولكن يَكْمُنُ الفرق بين الناجحين والفاشلين في أن الناجحين ينشغلون بأعمالهم ويؤجلون ملذاتهم، أمَّا الفاشلون فإنهم يتركون واجباتهم ويلهثون وراء ملذاتهم، يقول زق زقلر: "إذا قسوتَ على نفسك ستتساهل الحياة معك، أمَّا إذا تساهلت مع نفسك فستقسو الحياة عليك"، فَكِّرْ في ذلك وانظر إلى كل ناجح في هذه الحياة وستكتشف أنه ما كان ليصل إلى ما وصل إليه من نجاحٍ لو أنه لم يحرم نفسه من كثير من الأشياء التي يحبها، وانظر كذلك إلى كل فاشل وستكتشف أنه وصل لذلك الدرك السحيق لأنه لا يريد أن يفعل الأشياء التي يفعلها الناجحون، ولأنه لا يريد أن يكدح ويجتهد. وخلال مسيرة حياتي أيقنتُ أنه كلما حرمتَ نفسك من المتعة وانشغلت بتطوير نفسك وزيادة مهاراتك وخبراتك فإن ذلك من شأنه أن يفتح لك فرصاً للمتعة والترفيه أكثر من تلك التي حرمتَ نفسك منها، أمَّا إذا كان كل همِّك السعي وراء الملذات فإنك لن تحصل إلا على القليل منها. وما أزال أذكر زملائي في المرحلة الثانوية الذين انجرفوا وراء اللهو والمرح، لقد استمتعوا بتلك اللحظات كثيراً ولكنهم لم يستطيعوا العبور إلى الجامعات، بل عبروا إلى الشارع العريض الذي تلقفهم في الأعمال الهامشية وكانت تلك الأيام هي آخر سنيَّ عهدهم بالدراسة. أمّا نحن فقد انطلقنا لنرتمي في أحضان الجامعات وما أدراك ما الجامعات؟ حيث العلم والحب والسياسة وجلسات الأنس والمثاقفة، لم يكن هنالك أية مقارنة بين المتعة التي حصلنا عليها وبين المتعة التي حرمنا أنفسنا منها في المرحلة الثانوية. وفي الجامعة انشغل أغلبنا باللهو والمتعة بينما آثر البعض أن يكدحوا في تحصيل العلم ويحبسوا أنفسهم بين جدران المكتبات، كانوا يثابرون في الوقت الذي يجلس فيه زملاؤهم داخل الكافتريات وهم ينعمون بالأنس اللطيف، فما الذي حدث بعد كل تلك السنوات؟ انتقل أؤلئك الكادحون للدراسات العليا وصاروا أساتذة في الجامعات وموظفين في أكبر الشركات وانفتحت أمامهم عوالم جديدة للمرح والترفيه، أمَّا الذين استمتعوا بتلك الأيام فقد دفعوا ثمن تلك المتعة باهظاً وهم يلهثون في صفوف لجنة الاختيار في انتظار الوظائف الصغيرة. وكان لا بُدَّ لهم أن يدفعوا الثمن غالياً، فهذا هو قانون الحرمان الذي لم يضعوه في حسبانهم، فلو أجلوا أحلامهم وملذاتهم لكي يطوروا أنفسهم لتغيرت حياتهم، ولكنهم انهمكوا في الملذات متناسين قانون الحرمان. الأمر الجيد أن هذا القانون يعمل على الدوام سواءً آلتحقت بالجامعة أم بالسوق، وسواءً أكنت شاباً يافعاً أم شيخاً كبيراً، وسواءً آستمتعت بحياتك في الماضي أم حرمت نفسك من المتعة، فإذا أردت الإفادة من هذا القانون، ابدأ الآن واحرم نفسك من كل ما يمكنه أن يعيق تطورك، ولا تفعل إلا الأشياء المهمة لنجاحك. لقد عرفت هذا القانون قبل ثلاث سنوات وكنت حينها معلماً مغموراً في إحدى مدارس الأساس الخاصة، أقضي الأمسيات في تصفح الفيسبوك أو في احتساء الشاي ولعب الورق مع أصدقائي على شارع النيل، وما أن عرفت هذا القانون حرمتُ نفسي من كل تلك الأشياء وانغمست في تعلم اللغة الإنجليزية، وبعدها تمكنت من ترجمة أكثر من عشرة كتبٍ تعليمية إلى العربية، والآن وبعد هذه السنوات الثلاث تغيرت حياتي تماماً وصرتُ أكسب أضعاف ما كنت أكسبه من غير حتى أن أكدح في عمل، فما عليَّ سوى انتظار عائدات كتبي، وقد أتيح لي في هذا العام أن أزور أماكن ما كنتُ لأحلم بزيارتها قبل ثلاث سنوات. ليس من السهل أن يحرم الإنسان نفسه مما يراه ممتعاً، ولكن المتعة الحقيقية في أن تحقق أهدافك وأن تستمتع بطعم النجاح، وأن تكتشف طاقاتك ومقدراتك، وتطور مهاراتك ومعارفك، وأن تفعل الأشياء التي يعجز الكثيرون عن فعلها، يقول تريسي براين: "إن أكبر عدو للنجاح هو أن الكثيرين يفعلون ما هو سهل وممتع بدلاً من أن يفعلوا ما هو صعب ومهم". The biggest enemy to success that most people doing what is fun and easy rather than what is hard and necessary فكِّر في ذلك وتذكر أن اللحظات السعيدة التي تحياها مع زوجتك وأبنائك ما كنت لتنعم بها لو أنك لم تكدح في عملك بإخلاص، وتذكر أيضاً أن الوقت الذي تجده للقراءة والترفيه لم تكن لتجده لو أنك لم ترتب أولوياتك وتقوم بالأشياء المهمة أولاً. وتذكر دائماً أن المستقبل ما هو إلا نتيجة لما تقوم به الآن، فليس من الحكمة أن تبلغ الستين من عمرك وأنت لا تملك سوى ذكريات المتعة وتعيش واقع الفقر والجهل والحرمان. فيصل محمد فضل المولى [email protected]