استقبل الصحافيون السودانيون بحفاوة وارتياح بالغ حديث النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه الذي زفّ إليهم البشرى برفع الرقابة القبلية عن الصحف عند لقائه بالقيادات الصحافية والإعلامية الاربعاء الماضي، وسارع مجلس الصحافة والمطبوعات بإصدار بيان رحب فيه بهذه الخطوة التي طالما انتظرها الصحافيون وظلوا في حالة ترقب لها، وبعد ان اعرب المجلس عن امتنانه للقرار، أكد ثقته في المجتمع الصحفي ورهانه عليه في إحداث التوازن المطلوب بين الحرية والمسؤولية في الممارسة الصحفيةف، وكان السيد النائب الاول قد امّن على حق الصحافة في امتلاك المعلومات والحقائق التي هي سداة العمل الصحفي ولحمته ولن تنهض صحافة وتتطور في ظل تغييبها وتهميشها وإقعادها عن اداء هذا الدور الذي هو حق أصيل للرأي العام قبل ان يكون للصحافة التي اكتسبته بالوكالة، ولهذا فإن اي انتقاص من هذا الحق أو سلبه جزئيا أو كليا انما هو انتقاص أو سلب لحق المجتمع في المقام الاول، وبالضرورة ليس هناك حق مطلق سوى الذات الإلهية ...مقابل اي حق هناك واجب ومسؤولية، فأن تتمتع الصحافة بحقها في الحرية فذلك لا يعني انها حرية بلا سقوف تجعل من الصحفي ديكتاتوراً يكتب ما يشاء وبالطريقة التي يشاء ومتى يشاء، يسب ويشتم من يريد بلا حيثيات وإنما على سبيل الابتزاز والانتصار للذات وشح النفس ويثير الفتن والنعرات وينشر الاكاذيب والاباطيل، ويمارس القذف والنميمة وإشانة السمعة، ويلوّن الاخبار ويجيّر المعلومات ويلوي عنقها لخدمة اهداف لا صلة لها بالحقيقة، ويلهث وراء الإثارة الضارة التي تبلبل افكار الناس وتشوّش عليهم، إلى آخر مثل هذه الممارسات والاساليب التي لا تخرج الممارسة الصحافية عن اطارها المهني الصحيح فحسب بل تجعل من مقترفها مرتكباً جريمة استحق عليها عقاب القضاء، فالصحافة الحقة ليست ناشز «تدور على حل شعرها»، وليست هي «فاتية لسانها متبري منها» تمارس عملها على طريقة «البنريدو بنولع ليهو اللمبة والما بنريدو بنحرش عليهو الكلبة»، الصحافة مهنة محترمة ومسؤولة وهي لسان حال ومقال الامة بأجمعها تنوب عن الجماهير في عكس آلامها والتعبير عن آمالها الآنية والتبشير بتطلعاتها المستقبلية، وهي عين الشعب التي تراقب ومنظاره الذي يفحص ويكشف مواطن الخلل ومكامن الفساد والقصور، وهي مصباحه الذي يسلط الاضواء على البؤر المعتمة والمظلمة، وهي طبيبه الذي يضع يده على الداء، ومهنة بهذه الجسامة والضخامة من المسؤوليات كان لا بد لها ان تؤديها بكل دقة وصدق وموضوعية وتوازن ولهذا احاطت نفسها بسياج من المحددات والاخلاقيات والاستحقاقات المهنية التي تعصمها ما أمكن من الانزلاق هي نفسها في مهاوى الفساد، ولا يعتبر صحافيا من هوى قلمه وكبا «كيبورده» إلى هذا الدرك، فمثل هذا لا يدرج في سجل الصحافيين وانما في قائمة «العنقالة والبلطجية والسماسرة والمبتزين». نعم سعدنا بحديث النائب الاول حول رفع الرقابة، ولكن يسعدنا أكثر لو انه استدرك واضاف «وترفع العقوبة أيضا عن أي صحفي صدرت بحقه عقوبة»، فما يزال هناك بعض الزملاء الصحافيين يقضون فترة عقوبة غير معلومة المدى قضت بحرمانهم من ممارسة المهنة، وما أقسى ذلك على أي صحفي ممارس يعطي هذه المهنة كل وقته وجهده ويكسب منها لقمته الحلال، ولو انه خُيّر بين أن يُسجن بدنه أو يُحبس قلمه لاختار الأولى بلا تردد، ويبقى الأمل الذي سيكمل فرحة الصحافيين ويبلغ بسعادة مجلس الصحافة ذروتها في أن يصدر قراراً ملحقاً يستكمل رفع الرقابة عن الصحف برفع العقوبة عن من طالتهم من الصحافيين. الصحافة